قمة شرم الشيخ وآفاق التكامل الأفريقي

 


 

 




الأربعاء العاشر من يونيو في  العام 2015، ليس يوما عاديا، ومدينة شرم الشيخ، جوهرة الساحل المصري على البحر الأحمر ليست مدينة أو منتجعا سياحيا عاديا، ولا حتى البحر الأحمر بالنسبة بحر عادي، لا يوجد شيء عادي بالنسبة لي، ولا بالنسبة لأي شخص شغوف بقضايا القارة الأفريقية.


ساظل أذكر هذا التاريخ لفترة طويلة، إلى أن نشاهد الحلم الكبير يتحقق على أرض الواقع... سوق أفريقية مشتركة من قاهرة المعز إلى مدينة الكيب، أو كما تقول الميديا الدولية:

from Cape to Cairo


تحتضن مدينة شرم الشيخ المصرية أكبر وأخطر قمة إقتصادية رؤساء دول وممثلي حكومات من 26 دولة من أعضاء التكتلات الاقتصادية الأفريقية الثلاثة (الكوميسا والسادك وتجمع شرق أفريقيا)، وهي الكتل الإقتصادية التي تغطي ثلثي إقتصاد القارة وفيها أكبر دولتين صناعيتين في أفريقيا وهما جنوب أفريقيا ومصر، بالإضافة إلى القوى الإقتصادية الناهضة مثل إثيوبيا والدول المحورية داخل محيطها مثل كينيا في تجمع شرق أفريقيا.

لقد تطاولت المباحثات حول المنطقة التجارية الحرة قرابة الأربع سنوات، وجاء وقت الإعلان والتنفيذ والتدشين، ووافق التوجه المصري نحو أفريقيا أو العودة المصرية كما كتبت سابقا في سلسلة "من مصر"، وكما كتبنا من قبل "رب ضارة نافعة" فالتوتر الذي حدث بين مصر والإتحاد الأفريقي دفع بالقيادة المصرية والرئيس المشير عبد الفتاح السيسي نحو أفريقيا مجددا وتم إعلان قمة شرم الشيخ في وقت مبكر وتم تأسيس الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية.

الأجواء تسودها روح الإجماع والتوافق، ووزراء تجارة الدول الـ 26 وافقوا بـالإجماع على بيان شرم الشيخ ومشروع اتفاقية إنشاء منطقة التجارة الحرة.

تدخل الإتفاقية حيز التنفيذ العملي مطلع عام 2017، وقد بدأ العمل على صياغتها والتوافق علي نصوصها في يوغندا فى 2008 وحينها تم الاتفاق على البدء فى إنشاء اتحاد جمركى بين التكتلات الاقتصادية الثلاثة، ثم شهدت مدينة جوهانسبرج في جنوب أفريقيا العام 2011  بدء المفاوضات على إنشاء منطقة التجارة الحرة بين التكتلات الثلاثة.

نصت الاتفاقية على أن يتم تبادل عروض تحرير التعريفة بين الدول التى لا تقع تحت مظلة تجمع اقتصادى واحد بنسب اختيارية تتراوح بين 60 إلى85%، شريطة أن تلتزم الدول بتخفيض 85% في فترة أقصاها ثمان سنوات، وتكون نسبة الـ 15% الباقية خاضعة للتفاوض لاحقا، وفي هذه الفترة تحتفظ الدول الأعضاء في الكوميسا بإعفاءاتها الجمركية.

تمت مناقشة القيود الإجرائية وهي موضوع آخر يختلف تماما عن القيود الجمركية، وهذا يؤكد أن الإتفاقية وما سبقها من تفاوض تم وفق منهج عملي، وأن الأمر ليس إعلان إلتزامات سياسية وإقتصادية عامة، والهدف ليس إحتفاليات أفريقية لأن أي تكتل إقتصادي لا يحق المصلحة للجميع فإنه ينهار بين يوم وليلة.

جنوب أفريقيا فاجأت الحضور بتجاوبها المميز وسعيها لإيجاد مساحات أكبر للاتفاق، وهو ما حسم الجلسات سريعا وأنهاها مبكرا. موقف جنوب أفريقيا كان المكسب الأكبر، فهي دولة صاحبة إقتصاد صناعي متقدم للغاية، ولديها كتلة متماسكة وهي "سادك" وكان بعض التوقعات تقول أن جنوب أفريقيا ستكتفي بكتلة سادك بل وتخطط إنتزاع بعض أعضاء الكوميسا منها، ولو فكرت فإن ستفكر فقط في كتلة شرق أفريقيا.

كان هنالك توقعات بقيام كتلة جديدة في القرن الأفريقي، أو تحول الإيقاد إلي كتلة إقتصادية ... كل هذه التوقعات ذهبت أدراج الرياح، افريقيا تتوحد ومواقف جنوب أفريقيا وكتلة شرق افريقيا مطابقة لبقية الدول تماما ... مبروك لأفريقيا ومبروك لمصر هذا الإنجاز الكبير على أراضيها، وتجدد التهنئة أيضا للقيادة المصرية بالتوجه الأفريقي الذي يعيد لمصر ريادتها في المنطقة.

makkimag@gmail.com
//////////

 

آراء