بعد إجتماعات لجنة الحوار في شهر اكتوبر 2015م، تسارعت الاحداث حتى ان الفرد لم يعد يستطيع متابعتها، وكان من بين تلك الأحداث المهمة وليس الهامة ماجرى لمستشار الرئيس دكتور مصطفى عثمان إسماعيل وترفيعه إن جاز القول أو "تهبيطه" الى منصب سفير من الدرجة الأولى !!!
ذلكم الطفل المعجزة الذي قفز من طالب ورئيس إتحاد الجمعيات الطلابية الإسلامية في أوروبا ثم امين عام لمجلس الصداقة الشعبية العالمية ليصبح وزيراَ للخارجية لحكومة الإنقاذ في 1998م !!!
يأتي تصريح سعادة الوزير و المستشار والوزير الاسبق والسفير من الدرجة الاولى في 20 اكتوبر 2015م بأن مشاكل البلاد تتمثل في سوء إدارة الحكم وغياب الحكم الراشد، وقال تحديداً "إن غياب الحكم الراشد هو السبب الرئيسي لأزمات البلاد" !!! هل يعني بذلك ان حكم الانقاذ والبشير خلال 26 عاما هو حكما غير راشد !!! كذلك نجده قد صرح في المؤتمر العلمي السابع للجمعية السودانية للعلوم السياسية، بوزارة التعليم العالي، في 19 أكتوبر 2015م "احتمالات حدوث انقسام في السودان أكثر مما حدث لجنوب السودان بسبب الجدل حول الهوية التي تعتبر المشكلة الأساسية التي يعاني منها المنخرطون في لجان الحوار" .
وفي نفس الإطار الذي يوضح الخلل والفهم المقلوب لكل الانقاذيين، فقد سبق أن صرح الإستاذ علي عثمان محمد طه "ان الحكومة لن تستطيع إن تؤمن للناس "قفة الملاح" ولو بقيت خمسين عاما...إن ذلك ...ليس هدفهم الأساسي" بحجة انهم جاؤا لتحقيق المشروع الحضاري!!!
وبالطبع لا يمكن أن نختم الفقرة السابقة دون إيراد أخر تقليعات دكتور نافع على نافع ، وقوله في 24/01/2013م في لقاء جماهيري بمدينة أبوحمد معلقا على وثيقة كمبالا والفجر الجديد " إن لحس الكوع أيسر على المعارضين من إسقاط حكومة الخرطوم" . ثم صرح في نوفمبر 2015م و في ندوة في الكلاكلة وقال "اذا كانت المعارضة تريد ان تجيء للسلطة عبر الطابور الخامس او تحريك خلايا بالعاصمة يجربوا لحسة كوعهم".
ثم عاد دكتور نافع علي نافع للمرة الثالثة في يوم الثلاثاء 10/11/2015م في ندوة في جبل أولياء وسخر ممن يطالبون بتشكيل حكومة انتقالية، مشيراً إلى أنهم واهمون، وأن "لحس الكوع أقرب لهم من السلطة" . وأضاف " لن يكون هناك حكم بفهم أعطيني وخذ، من يريد الحكم عليه أن يأتي عبر الانتخابات" !!!
كذلك وردت ضمن اقواله جملة "هذه القوى-السياسية- لا أمل فيها ولا رجاء، والحوار معها لا يجدي" !!!
يبقى السؤال هل السياسي السوداني وخاصة أعضاء الاحزاب العقائدية والطائفية بذلك الغباء و"التبلد" فيما يخص قضايا الوطن، فلا يستوعب القضية السودانية إلا عند بلوغه الستين من العمر ورغم ذلك لايعترف بفشله ويظل "يكابر" !!!
فمثلاً هل إكتشف دكتور مصطفى عثمان الطفل المعجزة عند بلوغه الستين من العمر "إن غياب الحكم الراشد هو السبب الرئيس لأزمات البلاد" ؟؟؟ و هل توصل الاستاذ علي عثمان بعد 40 عاما من العمل السياسي "التأمري" و بلوغه سن الستين إلى تلك النتئجة المنهزمة، وهل سيبقى دكتور نافع على نافع "السبعيني" في محطة لحس الكوع ولن يتعداها إلا إلى مرحلة "سافوتة في إذن الفيل" ؟؟؟.
بل من المؤسف إنه قد انتقلت عدوى تبلد الحس الوطني حتى لمن يشارك مع الانقاذ في جمل "جنازة البحر" الحكومية، من الاحزاب الأخرى، فمثلاً ذهب النائب البرلماني عن حزب الأمة الفدرالي طارق حمد الشيخ في شهر اكتوبر 2015م ، لتحميل الشعب السوداني مسؤولية تدهور الاقتصاد والمعاناة التي يعيشها نسبة لتراخيه وعدم جديته، وقال "منو القال ليكم العيب في اقتصاد البلاد العيب في الشعب المتراخي وغير الجاد" !!!. يحق لك عزيزي القاريء الان ان تتسأل "من أين أتى هؤلاء"؟؟؟
سقنا ما سبق للتدليل على عدم الأمل في هؤلاء الساسة القدماء وفي من هم خلفهم سائرون. و ما يهمنا هنا ليس التركيز على تشخيص حالة السياسي السوداني داخل الحكومة او خارجها ووصف مدى ضحالته الفكرية والعقلية فذلك أمر يعلمه كل الشعب السوداني، ولكننا نحاول مع أخرين أن نشير أن نتيجة سياسات كهول الانقاذ الغير وطنية هي التدمير الكامل للسودان على المستوى الاجتماعي والاخلاقي والاقتصادي، ومن أبسط صور ذلك الدمار، الوضع المعيشي الخانق للاسرة السودانية، خاصة بعد ان اصبح العائد الوظيفي لكل عمل الاسرة مجتمعة بالكاد يسد رمقها، وأصبح الهم الكبير للاسرة هو كيفية تدبير اكل اليوم نفسه وتحاشي المرض قدر المستطاع لغلاء العلاج.
إذن ضيق الحال بالإضافة لبذور الجهوية والفتنة القبلية التي اشعلتها الإنقاذ وما تزال تنفخ فيها سيؤديان لإنفلات أمني بدأت تلوح مطالعه مع ظاهرة النقرز وغيرها، وهذا سيقوي الكراهيات والعداءات بين الاثنيات والقبائل المختلفة وما حرب الجموعية والهواوير ببعيدة.
ما نؤد طرحه هنا كم حل، يأخذ بعين الإعتبار أن الثقل السكاني في السودان اصبح موجود في الخرطوم وضواحيها، فهي تضم الأن ثلث سكان السودان تقريبا. هذا الامر يمكن ان يستثمر إيجابيا في تهدئة النفوس وقيام حملات توعية محلية لشباب كل حي وريف وانفتاحهم على بعضهم البعض من خلال منظمات عمل مدني،أو أنشطة ثقافية واجتماعية ورياضية وغيرها. نعم يقوم الشباب بنشر الوعي الوطني بأنه لا تمايز لاحد على احد من ابناء الوطن وان الكل سواسية في الحقوق والواجبات وان الفكر الضار الذي ينشره النظام الحاكم من خلال سياسة فرق تسد هو الذي ينبغي محاربته.
وكذلك الوصول لقناعة بأنه من العار ترك مستقبلهم وهم شباب في أيدي رجال قد بلغوا الستين من العمر وأكثر، وبرغم وجودهم و استمرارهم خلال عشرات السنيين في الساحة السياسية مازالت أراؤهم فطيرة .
فإذا اقتنع شباب السودان بأن هذه الاحزاب الحاكمة عقائدية كانت أو طائفية وكل هؤلاء "الستينيين" ومن هم خلفهم، ليسوا أصدقاء الوطن وليسوا أصدقاء الشباب، بل لا تهمهم سوى مصالحهم الشخصية التي امنوها في ماليزيا ودبي وغيرها.
حينها يجب على هؤلاء الشباب نبذ القبلية و "التنازل الطوعي عن الانتماء القبلي" بكل انواعه والتصالح مع أنفسهم والتصافي والتعاهد فيما بينهما بدفن كل تلك المفاهيم القديمة الخربة ونشر الوعي الوطني وتطوير الوعي المجتمعي حتى بين أهلهم في الريف والحضر، ذلك الامر قد يجنب البلاد ويلات الحرب الاهلية، وحينها يتفرغ الشباب للضغط السلمي على النظام الحاكم ومطالبته بتوفير العيش الكريم الذي يستحقه الشعب السوداني، أو إجباره على الرحيل.
قال الشاعر عبدالاله زمراوي
أنا لن أبيع حقيقتي مهما تطاول ليل هذا الصمت !فوق قبابنا الخضراء
أنا لن أبيع حقيقتي !مهما تطاول حزن خط الأرتجاء لن أبيع حقيقتي !مهما تطاول حزن نخل الأستواء