هل المباحثات غير الرسمية طريقة جديدة لإصطياد الحركات الرافضة للحوار؟

 


 

 

bresh2@msn.com

بسم الله الرحمن الرحيم..

    ما أن انتهت الجلسة العاشرة للمباحثات الرسمية بين الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال ونظام الخرطوم في شهر ديسمبر 2015 ، حتى كشف مكتب الاتحاد الافريقي بالعاصمة السودانية الخرطوم ، عن عقد مباحثات غير رسمية بين وفد الحكومة والحركة الشعبية بأديس أبابا استمرت لمدة يومين بغرض التوصل إلى تفاهمات حول القضايا العالقة.

    وكان رئيس مكتب اتصال الاتحاد الأفريقي بالخرطوم ، السفير محمود كان ، قد قال للمركز السوداني للخدمات الصحفية ذى الصلة بجهاز الأمن السوداني إن الاتحاد الأفريقي قدم اقتراحاً للحكومة والحركة الشعبية لعقد مباحثات عبر وفود مصغرة من الحكومة والحركة الشعبية وخبراء الآلية الأفريقية رفيعة المستوى.

    وأضاف السفير أن اللقاء المشار إليه يعتبر غير رسمى ويهدف لتقريب وجهات النظر حول القضايا المختلف حولها بين الطرفين ، مشيراً إلى أن الطرفين رحبا بعقد المباحثات.

    وبعد الإجتماعات المغلقة ، بحضور الآلية الأفريقية برئاسة ثابو امبيكي ، وأربعة ممثلين عن كل جانب ، بترأس وفد الحكومة مساعد البشير، إبراهيم محمود حامد، ووفد الحركة الشعبية، ياسر عرمان. خرج وفد الحكومة السودانية ليقول أن التوصل إلى توقيع اتفاق شامل مع وفد الحركة الشعبية شمال حول المنطقتين قبيل نهاية ديسمبر 2016 وارد لسبب "التفاهمات الكبيرة" التي تمت عقب جولة المباحثات غير الرسمية بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا.

    الآن وبعد أقل من شهرين من المباحثات غير الرسمية بين الحركة الشعبية ونظانم البشير ، كشف نائب البشير ، حسبو محمد عبد الرحمن ، عن مباحثات غير رسمية ستجريها الحكومة مع حركة العدل والمساواة التي يقودها جبريل إبراهيم، خلال الأيام المقبلة.

    وأعلن حسبو في خطاب له أمام الفعاليات السياسية بولاية سنار تمسك الحكومة بالحوار نهجها لحل النزاعات السياسية في البلاد وأضاف ان لقاء غير رسمي سيتم مع جبريل ابراههم رئيس العدل والمساواة من دون الاسهاب في التفاصيل.

    وفي التاسع من يناير 2016 ـ أعلنت الحركة الشعبية ـ شمال مرة أخرى ، انها تلقت دعوة رسمية من الآلية الأفريقية الرفيعة لاستئناف جولة ثانية من المفاوضات غير الرسمية والمصغرة مع الحكومة السودانية.

    النظام السوداني أيها السادة والسيدات ، ماضي في حواره المبتور ، أرادت المعارضة بشقيها المسلح والسلمي أم رفضت. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف ، فإنه استعد ومستعد لفعل كل شيء وأي شيء لشراء ذمم من تبقى من قادة المعارضة السياسية والمسلحة. سيما وقد أكد الأمين العام للحوار ، هاشم علي سالم ، أن عددا الحركات المسلحة المشاركة بالحوار ارتفع إلى 36 حركة بعد انضمام أربع حركات جديدة ، وأعلن منح فرصة للجبهة الديمقراطية الوطنية بشرق السودان ، لإكمال ترتيباتها الأمنية لأجل الانضمام رسمياً.

    يعني النظام السوداني يا جماعة شغال شغل شديد لإقناع الرافضين لكي ينضموا للحواره المزعوم. ويبدو أنه بحكاية المفاوضات غير الرسمية يريد جر الحركة الشعبية وحركة جبريل إليه ليقطع الطريق على الإتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي اللذان ينظران إلى الحوار الجاري بعين الشك والريبة.

    نعم.. يبدو لي وبوضوح منذ بدء أعمال المسرحية الهزلية في العاشر من أكتوبر 2015 ، أن المعارضة السودانية بصفة عامة ، وقعت في فخ نظام الخرطوم وألاعيبه القذرة ، إذ ان النظام استطاع جر عدد كبير من هذه المعارضة إلى حواره العبثي الذي يجريه دون تقديم أي تنازلات ، أو التطرق لأصل جذور الأزمة السودانية ومسبباتها.

    على الحركة الشعبية التي تجري مباحثات الأبواب المغلقة مع النظام ، أن تتذكر أن تجارب الماضي تُظهر أن لنظام المؤتمر الوطني طرق كثيرة وكثيرة جداً للخداع والنفاق والمراوغة والضحك على الناس في الوجه. يتظاهر بأنه يريد السلام ، لكن تجده وقد انقلب سريعا على كل العهود والمواثيق والإتفاقات ، والإستمرار في فرض حقائق على الأرض بهدف فرض هيمنته وسيطرته الأمنية على كل شيء. والحوار الدائر في الخرطوم اليوم ليس استثناءا ،ً بل مجرد فخ ، أو الوصفة الأفضل لتفكيك المعارضة وتفتيتها.

    ليس هناك أي مبرر يجعل الحركة الشعبية تعقد مباحثات غير رسمية مع النظام السوداني المخادع في اديس ابابا أو غيرها ، طالما أن أجندتها وأهدافها واضحة منذ الحرب العنصرية على الجيش الشعبي في عام 2011.

    الخطوة المنطقية ، إذا أرادت الحركة الشعبية ان تتفاوض مع النظام السوداني ، ان تطرق الباب الصحيح وتخوض مفاوضات من خلال الأطر والقنوات الرسمية ، أو على الأقل عبر الوفد الموحد الذي يتم تشكيله ، وليس عبر وفد مصغر مختار مزاجياً من قبل رئيس وفد الحركة والحكومة. مثل هذه الخطوة تجعلنا نتساءل ومن حقنا ان نتساءل ونطرح أسئلة كثيرة حولها... لماذا المباحثات غير الرسمية أصلاً... ولماذا تسير المفاوضات بهذا الشكل السري؟ وماذا يدور في خفايا تلك المفاوضات التي تجري في الغرف المظلمة؟.

    من حق جماهير الحركة الشعبية وكل قواعدها أن تعرف نسق تلك المفاوضات وسياقها، وما يتخللها من مناقشات ، فلا نريد لها ، أن تكون خارج الموضوع ، أو أن يبقى شأن الحركة الشعبية ، خارج دائرة الاهتمام الإعلامي والجماهيري ، فلا بد من القطع نهائيا مع التعتيم ، ويتعين التعامل مع الشأن العام بكامل الشفافية والنزاهة.

    على الحركة الشعبية مغادرة سياسة الغرف المغلقة ، وأن تكون مفاوضاتها مع نظام الخرطوم رسمية وعلنية أمام الملأ ، وأن يملك الوفد المفاوض لأي مفاوضات ، حقائق ما يدور في طاولة المفاوضات أول بأول لجماهير الحركة وقواعدها لأن أبطال الجيش الشعبي لم يرفعوا السلاح ليتفاوض وفده في الغرف المظلمة ، بل أسباب حملهم للسلاح كانت وما زالت واضحة ولا تحتاج لمفاوضات الأبواب المقفولة. وأي تجاوز للقواعد والجماهير ، والتراخي في اتخاذ قرارات هامة ومصيرية في الظلام ، سيؤدي إلى تمادي الطرف الأخر ويشجعه على انتهاج مواقف متصلبة.

    قضية جبال النوبة والنيل الأزرق ليست قضية الغرف المظلمة على مقاس أهل المصالح الأنانية والآنية ، وليست مسألة من مسائل المساومة والتفاوض التي يعرفها النفعيون والذين يقدرون ويقيسون كل شيء بميزان المكاسب والخسائر المادية. إنها قضية وجود انسان جبال النوبة والنيل الأزرق. ولهذا نقول لوفد الحركة المفاوض... أتركوا مفاوضات غير الرسمية وأدخلوا في مفاوضات رسمية مباشرة.

    والسلام عليكم..

 

آراء