الحديث عن جيش وطني واحد الآن ، يُراد به تجريد الجيش الشعبي … بقلم: عبدالغني بريش فيوف

 


 

 


bresh2@msn.com

    في 23 يناير 2016 ، انتهت المفاوضات غير الرسمية بين الحركة الشعبية ونظام الخرطوم التي انعقدت بمدينة برلين الألمانية برعاية الإتحاد الأفريقي دون التوقيع على ما كان قد أُتفق عليه في اديس ابابا ، الأمر الذي أغضب رئيس وفد عمر البشير ليستصدر بيان شديد اللهجة يتهم فيه وفد الحركة الشعبية بتنصله عن ما تم الاتفاق عليه في الجولة الأولى من مفاوضاتهما غير الرسمية في اديس ابابا.

    وقد جاء بيان وفد الخرطوم على النحو التالي:

    " في الوقت الذي كانت ترنو فيه أنظار جميع أهل السودان ، وخصوصاً مواطني جنوب كردفان والنيل الأزرق ، إلى نتائج الاجتماع غير الرسمي الثاني الذي انعقد بين وفدي الحكومة والحركة الشعبية - شمال  المنعقد بالعاصمة الألمانية برلين بتاريخ 22 و23 يناير 2015م حول الوضع في المنطقتين ، تحدوهم الآمال العراض ، والتطلعات المشروعة ، في ان يُفضي ذلك الاجتماع إلى توافق بين الطرفين ، يؤدي إلى الاتفاق على خارطة طريق مشتركة ، تُنهي الحرب ، وتضع حداً لمعاناة أهلنا في المنطقتين ، استكمالاً للتفاهمات والنتائج الإيجابية التي سبق أن توصلا إليها في اجتماعهما غير الرسمي السابق الذي انعقد في شهر ديسمبر المنصرم بأديس أبابا ، والذي تمخض عن الاتفاق حول جملة من المبادئ العامة التي من بينها: التأكيد على وحدة السودان ، وضرورة أن يكون للبلاد جيش وطني واحد ، والتامين على منبر الحوار الوطني المنعقد حالياً داخل السودان ، بل سعي الطرفين المشترك نحو إقناع القوى الممانعة بالانخراط فيه ، والتأكيد على خصوصية المنطقتين ، وضرورة مخاطبة انشغالات مواطنيهما في التنمية والخدمات وإعادة الإعمار ، فاجأنا وفد الحركة الشعبية قطاع الشمال بموقف مغاير تماماً لذلك الموقف الذي كان قد تبناه وعبّر عنه في اجتماع أديس أبابا المشار إليه ، وأعلن تنصله عملياً عن جميع ما سبق أن التزم به.حيث أنه قد أعلن رفضه لمنبر الحوار الوطني الحالي ، الذي تشارك فيه جلّ القوى السياسية الموالية والمعارضة في البلاد ، إلى جانب عدد مقدر من حركات المعارضة المسلحة ، فضلاً عن ممثلي المجتمع المدني في السودان بمختلف تشكيلاته وفئاته ، كما رحبت به وباركته واعلنت مساندته سائر المنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة. وقد دعت الحركة الشعبية في المقابل ، إلى منبر حوار وطني آخر ، لا يدري أحد ما محتواه ، وما هدفه ، وما مآلاته ، ساعيةً من واء ذلك إلى اختطاف مبادرة السيد ئيس الجمهورية ، و مصادرة حق وإرادة الشعب السوداني الذي تجاوب مع مبادرة قيادته السياسية. وطالبت الحركة أيضاً ، بالاحتفاظ بجيشها إلى أمد غير محدد ، رغم أنها ادعت أنها مع وخدة الجيش السوداني ، الذي طالبت بإعادة هيكلته ، وتغيير عقيدته ، علماُ بانه يجسد سيادة الأمة السودانية ، وهو عنوان عزتها وكرامتها ، والمدافع عن مقدراتها".

    عموما. ما يهمنا في البيان المذكور ، هو موضوع الجيش الوطني الواحد الذي تطرق إليه الوفدين في مفاوضاتهما في أديس ابابا وبرلين. ولأهمية هذا الموضوع رأينا التوقف عنده.

    الجيش الوطني؟!!

    الجيش الوطني في أي بلد من البلدان ، هو مجموعة أفراد هدفها الأساسي حماية الوطن والحدود وأمن المواطن ، ويشارك بحس وبولاء وطني في العمليات العسكرية ضد العدو ، والقيام بعمليات الإنقاذ والمساعدة في حالات الكوارث البيئية والطبيعية ، وليس له أي توجه سياسي أو عقائدي وووالخ.

    أما الجيش السوداني ، فعبارة عن مجموعة من المليشيات التي تساند النظم السياسية الحاكمة ، وتقوم بتخزين السلاح عبر صفقات مشبوهة لإستعماله ضد الشعب.

    منذ تأسيس هذا الجيش وحتى الآن ، لم نرى له دوراً وطنياً ..فأي حديث عن هذا الجيش غير الوطني ، فإنما حديث لا معنى له أصلاً.

    ولطالما هذا الجيش هو جيش مليشياتي ارتزاقي وغير وطني ومهني ، فإن أي حديث عن دمج الجيش الشعبي الذي يدافع عن مواطني جبال النوبة والنيل الأزرق في جيش عمر البشير ، خاصة في هذا التوقيت الحرج الذي يراق فيه الدم النوباوي والأنقسناوي دون حرمة ، حديث مرفوض تماما. وعلى النظام السوداني الإقرار بأنه لا يمكن لأحد ما ، بما في ذلك هو شخصياً ، تجريد الجيش الشعبي من سلاحه أو دمجه في أي جيش. فالحركة الشعبية لتحرير السودان شمال ترى أن الجيش الشعبي هو الخط الأحمر العريض ، وعلى عمر البشير ووفده المفاوض احترام هذا الخط وعدم محاولة تجاوزه.

    الحديث عن استيعاب الجيش الشعبي في الجيش السوداني ، إنما هو حديث مثير للسخرية والضحك ، ذلك أن 60% من الجيش الشعبي كانوا أفراداً في الجيش السوداني المسمى بالوطني ، لكنهم تركوه لأن عقيدته لم تكن للدفاع عن الوطن والمواطنين ، إنما كان دائما جيشا للدافع عن الأنظمة الحاكمة في قتل مواطنيها...فهل يعقل أن يظالب هؤلاء بالعودة مجدداً إلى الجيش الذي تركوه؟.

    حزب المؤتمر الوطني الحاكم يفرض عقيدته السياسية على الجيش السوداني ، وانشأ مكاتب حزبية عسكرية داخل مقار القوات المسلحة تتولى التثقيف العقائدي والتنظيم الحزبي وتعميق الولاء للحزب وقياداته السياسية (نافع علي نافع ، علي عثمان ، عبدالرحيم محمد حسين ، عوض الجاز ، عمر البشير ، وووالخ). فإن أي كلام عن دمج الجيش الشعبي  في جيش المؤتمر الوطني إنما تطاول على الجيش الشعبي ونضالاته من أجل الحرية والكرامة.

    الجيش الشعبي لم يرفع السلاح من أجل ان يتم استيعابه في الجيش أو في الشرطة السودانية...انما رفع السلاح من أجل الحرية والعدالة والمساواة ودولة القانون والمواطنة ، وسيتمسك بسلاحه هذا حتى تحقيق مبتغاه وأهدافه.

     يمكن للمتفاوضين أن يتونسوا في أي حاجة يريدونها ، ويتبادلوا الضحكات والإبتسامات الصفراء. لكن ممنوع عليهم على الإطلاق التفكير في أن يطلبوا من جماهير الحركة الشعبية مشاركتهم في طعن الجيش الشعبي من الخلف ، لأن هذا الجيش وسلاحه خطان أحمران لا يجوز الاقتراب منهما. السلاح الجيش الشعبي جُبل بدماء الشهداء والجرحى ، وأنه لا سلام أبداً أبداً مع نظام الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ، ولا مساومة على حقوق شعبنا وثوابته الراسخة ، ومعركة الجيش الشعبي مع العدو لن تنتهي إلآ بدحر كل المرتزقة والمليشيات ومحاكمة المجرمين قتلة الأطفال والنساء.

    ان بعض مقاييس الربح والخسارة في السياسة السودانية ، اغشت عيون البعض واعمت عيون بعضهم ، فإندفعوا يقولون كلاماً خشبياً للتغطية على مقترفاتهم وسيئاتهم وعثراتهم.. لكننا نكرر هنا مرة ومرتين بل ثلاث ومليون مرة ، ونقول أن الحركة الشعبية لا يمكن أن تقبل أو تتعامل مع أي قرار يمس الجيش الشعبي. أما إذا هناك اصرار دولي واقليمي على تسريحه ، فنحن نوافق بشرط أن يسرحوا جيش عمر البشير أولاً.

    والسلام..

 

آراء