قال مساعد رئيس الجمهورية الدكتور جلال يوسف الدقير في 06/12/2015م "إن العدالة والأمن هي أساس القضايا التي جاء من أجلها المشاركون في الحوار" .... لافتاً النظر إلى "أن السقف الوطني للشعب السوداني الآن هو الحوار"!!! . ثم عاد في 18 فبراير 2016م وقال "إذا لم تنفذ مخرجات الحوار كما هي، فسيكون باطن الأرض خيراً لنا من ظاهرها" !!! . مشيراً إلى أن النكوص عن تنفيذ المخرجات يعني "الطوفان"، ومؤكداً أنه لا أحد يريد أن يكتسح البلاد الطوفان، و مستبعداً أي تعديل أو "سمكرة" فى التوصيات التى خرجت من اللجان خلال مراحل الصياغة"!!!. وهو نقيض ما نسب إلى د. عمار السجاد، نائب مقرر لجنة الحريات والحقوق الاساسية وممثل الامانة العامة في لجنة الصياغة بأن الامين العام قد ألغى اجازة التوصيات التي تمت وعقد جلسة جديدة كمحاولة "دغمسة" للمخرجات!!!.
صديقنا الساخر عماد عبدالسلام "عمدة" رغم سنواته الخمسين معجب جداً بكلمة "مخرجات" وتجده دائما يردد أثناء الحديث أو بعد برهة من الصمت "أها المخرجات شنو"؟؟؟ ثم يقول خرج يخرج فهو خارج أي مسافر بنية الاغتراب أو خارجي أي مسافر بنية الهروب و طلب اللجؤ في أوربا وغيرها. ومن بقى بداخل الوطن بغير رضاءه فهو من الذين خرج "زيتهم" قبل خروج روحه، ومن بقى برضاه فهو من المنتفعين من وراء تلك المخرجات التي لم تقبل الخروج حتى الأن . ثم يقول هل "المخرجات دي فيها خبز ودواء وغيره للمواطن البسيط أم لا" ؟؟؟
إذن يظل المواطن السوداني يراوح ما بين الهم الوطني ممثل في ضياع العدالة و انعدام الأمن وموت الأمل في إنصلاح الحال خاصة بعد اشتعال الحروب واستمرارها مما قاد إلى تفكك البلاد وإنزلاقها نحو الحرب الأهلية الشاملة و الطوفان، وما بين الهم اليومي ممثل في توفير الوجبات اليومية "قفة الملاح" وتكاليف المدارس والأولاد وتكاليف العلاج وتكاليف المجاملات التي تأتيه من جهة اليمين من أهله ومن جهة اليسار من أهل زوجته ومن جهة الأمام من زملاء العمل ومن جهة الخلف من الجيران في الحي.
يبقى أن أقوال الدقير أعلاه في حد ذاتها تشير لغياب ما جاء من أجله الحوار حتى الأن والدليل قوله "إن العدالة والأمن هي أساس القضايا التي جاء من أجلها الحوار"!!! واستمرار النظام الحاكم يعني استمرار غياب تلك المبادئ، و إستمرارية سير البلاد نحو الهاوية والطوفان وأن ما يجري فيها هو بداية الطوفان، و قوله بأن "لا أحد يريد أن يكتسح الطوفان" هو قراءة واقعية لما يقوم به النظام الحاكم أي كسب الوقت و تلفيق للأمور كيفما أتفق "رزق اليوم باليوم" او ما عبر عنه بقوله "سمكرة"!!!.
لقد جرب المرحوم الرئيس جعفر نميري خلال 16 عاما كثير من السياسات والشعارات الشيوعية والاشتراكية والإسلامية وغيرها وحقق بعض النجاحات مثل الحفاظ على وحدة السودان عبر إتفاقية أديس أبابا في 1972م. في حين تلاعب نظام الانقاذ خلال أكثر من 25 عاما بكل الشعارات الاسلامية والوطنية من شاكلة "نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع"، "الرد الرد السد السد" ، "ليس لأحد أن يحاسبنا إلا الله" ، و"أمريكا قد دنا عذابها" !!! ورغم تمكن نظام الإنقاذ من كل مفاصل الدولة وجهات القرار فيها، لم يحقق أي نجاحا يذكر بل فشل في جمع أهل السودان حول دستور دائم للبلاد!!!، وكمثال للفشل ما صرح به القيادي بالحزب الحاكم ووزير الخارجية الأسبق د.مصطفى عثمان إسماعيل في 17/01/2016م، معترفاً بفشل نظامه الحاكم لضعف الإرادة السياسية!!! في قوله " السودان يعتبر واحد من افقر ثلاثين دولة في العالم، وعزا السبب الى ما أسماها بالإرادة السياسية اذا ما تم مقارنته بكوريا الجنوبية التي لا تمتلك 1% من الامكانيات التي يمتلكها السودان، وأضاف «لكن بسبب الإرادة القوية استطاعت كوريا ان تكون واحده من الدول ذات الاقتصاد الجيد في العالم»!!!
لعلنا نفسر ذلك الفشل بأنه في الحقيقةً، لا توجد أصلاً سياسة ولا أرادة ولا يخرج الامر من أن يوصف بسفاهة نظام الإنقاذ و هو ما إعترف به الاسلامي راشد عبدالقادر من مجموعة "سائحون" قائلاً بأن الأمر ليس سوى "سفاهة بإسم الله والوطن"!!! وهو ما سبق ان قاله الشاعر حميد "حيكومات تجيء وحكيومات تغور، تحكم بالحجي ..بالدجل بالكجور... ومرة العسكري... كسار الجبور..يوم باسم النبي تحكمك القبور" . ووصفه شاعر أخر "تنادوا مصبحين ..كأصحاب الجنة، هيا الى التمكين، لا تطعموا المسكين، نهبوا بإسم الدين وأحتكروا الهواء" !!!
يبقى السؤال ماذا ينتظر المواطن السوداني بعد أكثر من ربع قرن من نفس ذلك النظام الحاكم حتى لو تغيرت بعض تلك الوجوه التي ما فتئت تخاطبه من عل بمفردات مثل "شذاذ أفاق، والحسوا كوعكم، والما عاجبه يحلق حواجبه، وسنسلمها لعيسى" ، وتمن عليه بأنه أصبح يأكل "الهوت دوق" وله في الخزانة "الدولاب" أكثر من قميص وقميصين وأنه أصبح لا يقتسم الصابونة، وغيرها من الترهات العجيبة التي فسرت بأنها ما هي الا إسقاطات نفسية "الفيك بدربو" لأؤلبك المسئولون غير المسؤولين!!!
يظل التسأؤل العجيب هل ينتظر الشعب السوداني ممثلاً في مثقفيه وأدبائه وعلمائه وكوادره وقضاته وكل أهل القانون ومبدعيه وساسته وطلاب جامعاته، هل ينتظرون أن تهبط السماء لهم بحل سحري دون أدنى جهد منهم!!! كمثال وكأ ضعف الإيمان، أن يكتب كل من له القدرة على الكتابة أو إسماع صوته بكل الوسائل السلمية للمستبد الحاكم بأن ما قدمه حتى اليوم يستوجب منه أن يتق الله ويستغفره ويتقدم بإستقالته!!!
الحل الأخر، أن يتقدم رجل رشيد من نظام الإنقاذ الحاكم إن وجد وثاني وثالث وجماعة مثل أصحاب مذكرة العشرة، وتساند موقف الشيخ يوسف الكودة القائل " سيدي الرئيس : اتق الله فينا واعتزل .. واذهب الى مكة أو المدينة ..عسى الله أن يغفر لك ما اقترفته .. من قبل أن تجد نفسك ولا قدرة لك حتى على الاستغفار" . نعم تقول تلك الجماعة في حملة سلمية للحاكم الغافل بكل شجاعة "إتق الله " . لقد فشلت فشلا ذريعا ويجب عليك أن تتمسك بنخوة الرجولة ولا تكابر في الإعتراف بالفشل وتقديم الإستقالة وطلب الغفران من الله والعفو من الشعب!!! وأن تخبره بأن كل من حوله بلا إستثناء هم منافقين وأصحاب مصالح شخصية ستقود البلاد نحو الهاوية والطوفان الكامل.