المذكرة المؤودة …. بأي أيد صنعت

 


 

عمر العمر
15 May, 2016

 


aloomar@gmail.com
عوضاً عن التنقيب في متن مبادرة ال52 ذهب غالبية المعقبين الى النبش في هامش المذكرة.جل المساهمات إنصب على تشريح الموقعين وتصنيفهم. مامن أحد انكب على بنود المبادرة . لا أحد اشار الى غياب آلية المتابعة والتنفيذ. في مثل هذه الحالات آحادية الأبعاد يبرز دوماً تضخيم العناصر المعطلة  بدلاً عن إبتداع المبادرات المكملة. تباين إنتمآت الموقعين يصلح ميسما للبناء عليه ليس معولاً للهدم به. تلاقي التنوع ليس من طبع  النخب السودانية متعددة  المشارب السياسية .

       كانما هناك إجماع حتى بين المعقبين على قبول المذكرة .  ما من نقد إستهدف غياب آلية معالجة الأزمة الإقتصادية أوجدولة إصلاح الخدمة المدنية ومحاربة الفساد دع عنك كيفية ترسيخ –ليس إستحداث – مبدأ التداول السلمي للسلطة. الحديث إكتفى بالسطح دونما الغوص إلى الجزور.

      فيصل محمد صالح نهض  من بين الموقعين  لنفض بعض  غبار المعقبين .

    توضيحه الإستثنائي أرَخ  تداول المذكرة الى خمسة أشهر سابقة . هذا لايعني بالضرورة حقيقة عمرها. التوضيح لم يكشف هوية الدعاة الأوائل من المبادرين.

    من شأن الإبانة إزالة علامات إستفهام عالقة أمام المبادرة . طول بقاء المذكرة وراء حجاب داخل القصر مع صمت الموقعينأحاطاها بالشكوك. توقيت الكشف عنها زادها اتهامات مغلظة باعتبارها صنيعة أمنية أكثر من كونها صناعة سياسية. الكشف عن هوية البناة يساهم في  تبرئة المذكرة من الإتهامات الغليظة.

     برآة الموقعين لاتعني تبرئة  المستثمرين  الصامتين تجاهها شهرا ويزيد. وزير القصر تسلمها في الأسبوع الأخير من مارس وأذيع سرها خلال الأسبوع الأول من مايو. فيصل يفصح عن إجراء تعديلات . هو ليس وحيداً في ذلك .  البعض من لم يقرأ نصاً . هناك من لم يوقع .هنا تبرز أهمية تحديد البناة . ثمة جسر بين المشروع وتأمين لقاء وزير القصر. بين الموقعين عقول لايمكن دمغها بالسذاجة أوإتهامها بالإستدراج.

         ثمة سؤال ملح محوره الصمت المزدوج من قبل وزير القصر والموقعين . من هوكاشف السر.الجميع يدرك الظرف السياسي حينما جرى الكشف.   الزراع الأمني أطول من الباع السياسي في إستثمار المذكرة إذ الشارع محتدم كراً وفراً وصداماً بين الطلاب الجامعيين والشرطة . توقيت الإذاعة إستهدف تسويق قبول الرأي الآخروفق الأقنية السلمية. بغض النظر عن منطلقات مبارك الفاضل المهدي فالثابت ان لقاءه مع مساعد رئيس الجمهورية استهدف الغاية ذاتها. هناك فاصل زماني بين إطلالة الفاضل مؤيدا لخارطة امبيكي ولقاء المسؤول الرئاسي. هناك تزامن بين الكشف عن لقاء قصر مفترض ولقاء حدث بالفعل. كلاهما يصبان في مجرىً واحد .

        الأولى أن تكون وجهة مبارك الأولى وسيطاً  جبهة الممانعين عن التوقيع.هو وابرهيم محمود في  شط واحد. اللقاء لم يسفر عن جديد. تفويض . محور القضية ماإذا كانت جبهة الممانعة تقبل مباركا وسيطا ومدى قدرته على تعديل المواقف على الشط الآخر. بغض النظر عن حسن نوايا الموقعين على مذكرة ال52 و منطلقات   الفاضل فنحن لا نستطيع نزع الأحداث عن سياقها الزمكسياسي.

      مع التجاهل المتعمد المطبق من أهل القمة تناوش المبادرة بالرفض الحاد عدد من شاغلي  مناصب الدرجة الثالثة من الجيل الثالث  في هرم النظام . ذلك يعني رفض فتح أقنية الحوار. تلك إذاً كرة خاسرة   أشد تعقيداً إذ هي عقلية  جيل المؤتمرين الجدد

        المذكرات ظلت أداة ماثلة في   السياسة السودانية. حتماً  في ذهن أؤلئك الفتية تداعيات مذكرة العشرة الشهيرة . بدلاً عن إصلاح حال الحركة الإسلامية  المتمكنة من السلطة والثروة أحدثت المذكرة انشقاقاً رأسياً في جسم الحركة عند منعطف القرن . غالبية الإسلاميين رأوا فيها إنقلاباً على شيخهم وعرابهم. هناك من وصفها مؤامرة أكثرمن تصنيفها محاولة إصلاحية.

      المذكرات ليست أداة في أيدي الطبقة الساسية وحدها . هي كذلك سلاح بيد الجيش. في 20 فبراير 1989 قدم القائد العام للقوات المسلحة باسم ضباطها  مذكرة الى رئيس الوزراء لم تكتف بالدعوة الى إصلاح حال المؤسسة العسكرية المتردي  فقط بل انتقدت الوضع المأزوم على الجبهة الداخلية إقتصادياً ، سيساسياً واجتماعياً. المذكرة حذرت من محاولة جهات سيساسية إختراق القوات المسلحة. لو أخذ المهدي المذكرة على محمل الجد "كما ينبغي " لأمكن إجهاض الإنقلاب عليه بعد أربعة أشهر فقط كما  يحاجج خصومه وخصوم الإنقلابيين وأنصار الديمقراطية.

       ربما كانت المذكرة المعنونة "سفر الولاء"اللبنة الأولى في هذا النمط من البناء في المضمار السوداني . في هذه الوثيقة عبر عبد الرحمن المهدي ونحو أربعين من التجار وكبار الموظفين ورجال دين عن ولائهم للحاكم العام . المذكرة الموقعة في 10 فبراير 1924 جاءت محاولة من قبل علية القوم لقمع شباب اللواء الأبيض.

      في نوفمبر1960بعث الصديق المهدي ، زعيم الجبهة الوطنية ، مذكرة الى قيادة النظام العسكري مطالباً باسترداد الديمقراطية وتشكيل حكومة انتقالية  تتجاوب مع تطلعات المواطنين. في غضون أقل من شهر رفع الختمية في رد فعل مضاد مذكرة الى الفريق عبود تؤيد نظامه. وقع على  الوثيقة  المعروفة ب "مذكرة كرام المواطنين" نحو 35 شخصية من معسكر الميرغني.

       المذكرات احد أشكال الأدب السياسي .  بغض النظر عن الإتفاق معها او الإختلاف عليها فالثابت انها وثائق  تعبر عن جوانب من النضال والعراك السياسي في شأن قضايا وطنية إبان  مراحل  تاريخية  ومن ثم فان  المذكرات لا  تمت بإنتهاء آجال تلك القضايا أو تفقد قيمتها  بعبور تلك المراحل التاريخية.القيمة المضافة الجوهرية تكمن في إنجاز مهمتها.

 

آراء