عمال يجتمعون: هل ثقافتنا منافية للديمقراطية؟

 


 

 

IbrahimA@missouri.edu

الصورة لقاسم أمين يقي خطاباً في مؤتمر اتحاد نقابات العمال والشفيع على طاولة الرئاسة.
    
    هل ثقافة السودانيين بأي عاهة وصفناها (بدائية، رعوية، طائفية إلخ) هي السبب في أن الديمقراطية لم تستقر بنا؟ فكلما أستعدناها تسربت من بين يدينا لأن ثقافتنا ليست ثقافة كما هو الاتفاق بين البرجوازيين الصغار. ولكن وجدت كما قلت بالأمس أن لمنصور خالد رأياً إيجابياً حول الممارسة الديمقراطية لقطاع كبير من السودانيين هم الطبقة العاملة. فله رأي ثقافي فيها قل حتى بين حداتها الشيوعيين. فأعطاها في "حوار مع الصفوة" ميزة في الحداثة والكفاءة بغض النظر عن عقيدته بأن "السودان نصفه متخلف بقرن وبضع قرن وراء وراء حضارة العصر. ونصفه الآخر بدائي راكد لم يصل بعد إلى مرحلة التخلف". فلن تجد حتى بين الشيوعيين من استخلص معاني منصور في الحركة الاجتماعية للطبقة العاملة لأنهم ربما دمجوها في هويتهم فلم تعد هي هي، بل هم. فأثنى على نقابات العمال لمؤسسيتها (ص 137) من حيث صمامة الاتصال بين قيادتها وقاعدتها، بتداول إداراتها بالانتخاب، ومحاسبة دورات القيادات خلال جمعياتها العمومية الراتبة. علاوة على ما ينعقد في رحابها من نقاشات حول مظالمها وخطط العمل والتعبئة. ورد منصور هذا الأداء المميز لأنه "ومن حسن حظ الحركة النقابية أنها لم تقع في إسار القيادات التقليدية وإلا لأنتهت إلى شيء أشبه بحزب العمال المصري برئاسة النبيل عباس حليم واللواء محمد صالح حرب. . لانتهت إلى تنظيم انتهازي هدفه استجلاب الهتافة من المناطق الصناعية (138).

    بل ربما ماز على الشيوعيين في تقويم حدث غير عادي وهو تمثيل العمال وغيرهم من الكادحين بتلك الصفات في مجلس وزراء ثورة 1964. وهو تقييم ربما غاب أيضاً عن فطنة الشيوعيين لمجرد أنهم لم يفرقوا باتقان بينهم كحزب وبين الطبقة العاملة التي كانت أولتهم قيادها آنذاك.  ففات عليهم "تذوق" تسنم الطبقة العاملة سدة بعض السلطة بمعزل عن حزبهم. فقال منصور إن أمارة ثورة أكتوبر الفارقة عما سبقها في حكم السودان هو "قيام حكومة اشترك فيها العمال والفلاحون". وخلافاً للشيوعيين قلل منصور محقاً من اشتراك الحزب الشيوعي بمندوب عنه في وزارة الثورة. وقال إنه ليس بذات القدر من الأهمية.  فهو حزب صفوة وقد ظلت الصفوة تحسبه دائماً كجزء منها (168). وهي صفوة لم يطرق إدراكها أن "الحكم ممارسته أمر يجب أن تشارك فيه كل القوى ذات الوزن في المجتمع الجديد. وبالحكم أعني مراكز النفوذ، مراكز التقرير" (169). وطبعاً حلو منصور لا يكتمل. ففي موضع آخر من نفس الكتاب أطلق سؤالاً بلاغياً عن قيمة حرية التجمع النقابي (التي قال فيها شعراً) في بلد 80% من أهله يعيشون إما إما في عطالة سافرة أو في عطالة مقنعة" (166)

    إذا صدق قول منصور عن ديمقراطية ثقافة الطبقة العاملة صح أن نسأل: منو من السودانيين الثقافتو مجافية للديمقراطية فيتربص بها كلما استعدناها بانقلاب عسكري؟

    رأيي كان دائماً أن ثقافة السودانيين ثقافات وليس أيا منهما هي الثقافة المعرفة بالألف واللام.  

    فعندنا نحن الشيوعيين أن أوسع الثقافات كراهة للديمقراطية هي البرجوزية الصغيرة حتى قلنا في 1968، وقبيل انقلاب 1969، إن التكتيك الانقلابي هو طريق البرجوازية الصغيرة (التي يقطع النظام العشائري الطائفي طريقها للحكم عن طريق البرلمان) الذي لا غيره للقيادة في الوطن.

    ووجدت مصداقاً لهذه الفكرة في كلمة جاءت عند الدكتور حسن عابدين خلال حديث أخير زكى فيه لنا منصور خالد. قال حسن: " لم يكن منصور زعيماً سياسياً يستجدي تأييد الجماهير ويطلب أصوات الناخبين بل إنه براء من " مهنة" السياسة عندما قال يوما أن السياسة في السودان خساسة وقد سبقه إلى هذا الوصف أقوام كثيرون من الشرق والغرب بأن السياسة لعبة قذرة ( Dirty Game) "

    السؤال: كيف تأتى لمنصور أن يستوز فينا سحابة عمره وعمرنا وهو لم "يستجد" تأييد الجماهير وأصواتهم؟

    هناك طريقة واحدة لا غيرها: الانقلاب.

    وقال رجل حكيم مرة لو أن عبد الله خليل "استجدى" الجماهير، وطلب تأييدهم في انتخابات 1958، وعرف غلاوة ثقة الناخبين وأشواقها، ولم يؤمن له حزب الأمة دائرة مقفولة من أنصاره، لما استسهل تسليم الحكم للعساكر بأي صفة كان.

    ثقافتنا ثقافات. منها ما يكسب بالديمقراطية ومنها ما يكسب غلابا.

 

آراء