قانون صحافة خال من الردع والزجر
aloomar@gmail.com
إعادة النظر في قانون الصحافة خطوة من شأنها توسيع أفق الديمقراطية.
لما عادت المعارضة المسلحة والمدنية من الخارج عند منعطف القرن عزت رجوعها إلى ما أتفق على تسميته آنذاك بالهامش الديمقراطي . ذلك مشروع أنجزه صحافيون بأقلامهم وبسالتهم على نحو تجاوز مساهمات الساسة . الفترة التالية لإصدار قانون الصحافة الحالي والخطوة المستحدثة شهدت ،لا تزال، إشتباكات متتالية على إيقاع شبه يومي بين الصحافة والسلطة .
من شأن إعادة النظر في القانون فضَ إحتمالات هذه الإشتباكات . في ذلك إراحة للطرفين . أكثر من ذلك توسيع أضواء ممارسة الحريات . حفر الهامش الديمقراطي و المحاولات الدءوبة من أجل تعميقه كلًف الصافيين ضريبة باهظة كما كلف قطاع الصحافة فاتورة فادحة . كذلك يلقي على الدولة أعباء مضنية . الصدام شبه اليومي يشوه –على الأقل- صورة الدولة في الخارج كما يحرجها في الداخل. لعل الخطوة الجديدة أتت إنطلاقا من هذه القناعة أو في سياق هذا المفهوم .
بما أن العلاقة المتبادلة لا ترضي الجانبين إن لم تكن ترهقهما فالمأمول أن يتبلور قانون يبدد الإرهاق إذا لم يبلغ بهما الرضا. ربما أكثر نفعاً لوإتسع صحن اللجنة المكلفة لوجوه يساهم حضورها بالضرورة في الوصول إلى حلول أنجع بمنطق أفصح في وقت أضيق . دون المساس بقامات قوام اللجنة المكلفة هناك صحافيون أخصب تجربة ، أغنى خبرة وأطول باعاً. ثمة صحافيون أكثر تماساً بمهام المراجعة والإجازة وعمليات المراقبة والحزف والمصادرة. وجود راسمي الخطوط الحمر وحملتها أمر حيوي . تغييب الناشرين مثلبة ضارة يعيق إنجاز القانون على النحو الأمثل كما يعرقل سريانه .هؤلاء أصحاب مصلحة لايمكن غض الطرف عنهم من قبل أي مشرع عدل .
على المستوى ذاته يشكل حضور نفر من اصحاب المساهمات التنويرية مطلبا بالغ الحيوية .هذه شريحة تنهض بدور مؤثر في تشكيل الرأي العام . من ثم هم عنصر فاعل في صناعة الصحافة . في الواقع هؤلاء أحد أكثر محاور الصدام شبه اليومي بين السلطة والصحافة . لهذا يصبح تجاهلهم خطيئة ديمقراطية. من نفاذ الحكمة إنتقاء ثلة متنوعة من القراء في شرفة مراقبين إن لم يكونوا الى طاولة التداول.
الغاية تحويل لجنة إعادة النظر في القانون الى "ورشة عمل" تناقش عميقاً جذور الأزمة من زوايا إختصاصاتها المتباينة بغية الوصول الى أفضل الحلول الممكنة . مثل هذه الورشة تتيح تلاقي الأطراف المعنية بالعملية الصحافية فتتلاقح الأفكارلجهة صياغة قانون يكفل حقوق الأطراف قاطبة . هكذا يمكن تفادي تغول طرف على آخر أو تجاهل حقوق أحد الأطراف . مثل هذه الأجواء تتيح انتاج قانون منطلقه الحد المتاح من الإقتناع والقناعة عوضاً عن قوانين الردع والزجر. هل ضمن اللجنة المكلفة بعض من الحقوقيين الممارسين المنشغلين بقضايا الصحافة والنشر ؟.
بلورة مشروع قانون على هذه الأرضية العريضة وفق قناعات مشتركة يمنحه حصانة ضد تدخل أياد غير معنية بالقضية . في ذهنية ورشة العمل دائماً ضمان دفعه عبر القنوات الرسمية دون مساس . هناك متربصون في دوواوين الدولة وردهاتها يعلون مصالحهم الذاتية على الصالح العام. ثمة مراكز قوى مهجوسة بتأمين مواقعها . بعض المتنفذين يؤثرون العتمة على النور فيتقصدون حجب أضواء الصحافة. عديد من الساسة يرون كل نقد هجومأ وكل ناقد معارضأ. قليل من هؤلاء يعترف بأخطائه ونزواته وعديد منهم مكابر. كلهم يستهدفون التضييق على الصحافة بالقوانين كما بالإجراءات الإدارية .
كل أؤلئك يريدون صحافة مادحة . كلهم يتقاسمون أعباء حجب المعلومات عن أصحاب المصلحة . هؤلاء لايدركون حقائق العصر . هم يجهلون أنهم يأذون بذلك النظام أكثر من الدفاع عنه . محاولات حجب المعلومات عن الصحافة يفتح أقنية الإشاعات أمام التدفق . لا أحد يستطيع إغلاق وسائل التواصل الإجتماعي . ما من أحد يتمتع بقدرة الفرز بين الحق والباطل . لكل هؤلاء ظللنا نقول الشفافية أقصر الطرق الى الحقائق وأكثرها أمناً . علينا جميعا إستيعاب أن القوانين بغض النظر عن غلظتها أو مرونتها لا تؤمن الحقوق والمكاسب مالم تتوفر ثقافة تكفل بقاءها كما سريانها . كذلك الإلتزام بالقانون المرجعية الفصل في حقل الصحافة يشكل الحصانة الأكثر مضاءً ضد احتمالات الإنتهاك أو الإجهاض .