نعمة الباقر: صحفية سودانية لم يشدها لون بشرتها إلى الوراء.. فنالت جوائز عالمية!
osmanabuasad@gmail.com
أجرت صحيفة ( القارديان) البريطانية لقاءً مع نعمة الباقر، مراسلة السي إن إن، عقب فوزها بجائزة ( جمعية البث الاذاعي و التلفزيوني الملكية)..
و اقتطفت، ضمن ما اقتطفت، جملاً من لقاء نعمة مع صحيفة ( ذي أوبزيرفر)
البريطانية حيث تقول نعمة:-
".. لم يشدني لون بشرتي إلى الوراء إطلاقاً..... لا يهمني ما قد تتوقع أن
يكون عليه شكل مراسل السي إن إن..... أشعر أحياناً أن مجرد كون مظهري
مظهراً طبيعياً ( بدون رتوش) له تأثيره على الناس.. و هذا لا يعني أن
المظهر لا يحدث فارقا..."
و تقارن صحيفة ( القارديان) نعمة الباقر بالمراسلة الصحفية الأمريكية
الشهيرة كريستيان أمان بور.. و تقول عنها ".. ربما لا تكون نعمة الباقر،
مراسلة ( سي إن إن) مشهورة لدى معظم مشاهدي التلفزيون في بريطانيا..، و
لكن نعمة الباقر الصحفية السودانية أحدثت ضجة عالمية بتقاريرها الجريئة
التي تبعث بها من أفريقيا و الشرق الأوسط، بحيث صارت تُقارن بأمان بور
الصحفية المخضرمة التي نالت شهرتها عبر تغطيتها لحروب أفغانستان في
الثمانينيات.."
جريدتان من كبريات الصحف البريطانية تجريان لقاءين مع نعمة، و يا لها من نعمة!
هذا و نحن نشاهد، يومياً، في قنواتنا التلفزيونية آنسات و سيدات يمارسن
الغش في زمن الغش و التضليل و اللعب بالألوان أسوةً بالنظام القائم الذي
يمارس اللعب بالآيات القرآنية و الأحاديث النبوية ( على الهواء مباشرة)،
و نجد الواحدة من الآنسات و السيدات سعيدة بجلدها ( المبْيَض) و علامة
سعادتها ابتسامات باهتة ينطلق منها كلام مرسل باهت.. في غياب فن صناعة
التقارير ذات النفع و اختفاء أبجديات الحوارات التلفزيونية.. و في
حقيبتهن المدسوسة تحت الطاولة ( أدوات التجميل) للإغاثة عند اللزوم..
و يمتد تأثير البياض و التبييض السالب من التلفزيون إلى المكاتب و البيوت
و ( بنابر) تقديم خدمات الشاي و القهوة في الخرطوم عموم..
و قد التقى شقيقي حسن إحدى النماذج المقلدة ل( نجمات) التلفزيون بعد فراق
دام ما يقارب العشرين سنة.. حيَّته فحياها.. لمست فيه شيئاً من فقدان
الذاكرة فقالت في استنكار:- " أجي يا عمي حسن ما عرفتني ؟! أنا حلُّوم!"
رد عليها في استنكار أشد:- " أعرفك كيف، و إتِّي متخفية وراء اللون
الأبيض بالشكل ده؟"..
تلك كانت حكاية حلوم التي وصلت الخرطوم من ( الضهاري) قبل أشهر..
أما نعمة الباقر أحمد عبدالله فسودانية (حربية) متمسكة بسودانيتها بلا
تبييض و لا رتوش.. تحدثتُ عنها شيئاً ما في مقال سابق بعد أن شاهدتها في
( اليو تيوب) تخوض الحُفر و مطبات الشوارع الترابية و الغبار يكاد يغطيها
و المخاطر تحاصرها و هي تخوض غمار البحث عن الحقيقة على امتداد ( مملكة)
الجنجويد المعتصمين و المغاضبين من النظام في عام 2008.. و مملكة
الجنجويد هذه قطعة أرض مستقطعة من دارفور الكبرى ( رجالة و حمرة عين).. و
لا دخول إليها إلا بتأشيرة من حميدتي أو من ينوب عنه..
ظلت نعمة تعلِّق على المشاهد و الأحداث، طوال الطريق، و سيارتها ترتفع و
تنخفض و تتمايل ذات اليمين و ذات اليسار، ( و تجوجل بهم جاي و جاي جوجلان
النبق في الطبق!) و ترتفع و تهبط في طريقها لبلوغ ( عرين) حميدتي.. و
كنت أحسب نعمة إنجليزية المولد و النشأة و هي تتحدث الانجليزية بفصاحة
بنت من بنات كمبريدج أو أكسفورد.. و سرعان ما فاجأتني حين تحدثت إلى بعض
الأهالي بلغة بنت من أم درمان.. الله يا أم درمان..! كانت مبهرة! مبهرة
حقاَ!
و نعمة الباقر وُلدت في السودان في عام 1978 و حُق لأبيها الاعلامي
البارز د. الباقر أحمد عبد الله و لأمها الناشرة الاعلامية البارزة
ابتسام عفان حُق لهما أن يفاخرا بأنهما قد وهبا البلد هذه البنت
الفلتة..!
و قد تحصلت نعمة على بكالوريوس في الفلسفة من كلية لندن للاقتصاد. و
عملت مراسلة صحفية لوكالة رويترز للأنباء في ديسمبر 2002 حيث قامت
بتغطية النزاع الدامي في دارفور... و من ثم انضمت للقناة الرابعة في
بريطانيا في عام 2005 .. و هي الآن كبيرة المراسلات ( سينيور ريبوتر)
بالسي إن إن التي انضمت إليها رسمياً في 31 يناير عام 2011.. و كانت تعمل
قبل ذلك مراسلة صحفية حرة Free Lance Writer.
و تقول ( القارديان) أن نعمة ( قادت) مجموعة السي إن إن التي قامت بتغطية
أحداث اختطاف ( بوكو حرام) لطالبات المدارس في نيجيريا.. كما أجرت العديد
من حوارات ذات قيمة إعلامية عالية قبل و بعد انضمامها للسي إن إن.. و قد
كتبت تقارير عن داعش في معاقلهم.. و عن الصيادين، مهربي البشر من دلتا
النيل بمصر إلى أوروبا .. وحاورت الرئيس الجنوب أفريقي جاكوب زوما حول
اتهامه بالاغتصاب . و قامت بتغطية الحرب الأهلية في الصومال في يناير
2007.. إنها صحفية المهمات الصعبة..
نالت نعمة الباقر جائزة ( الجمعية الملكية للبث الاذاعي و التلفزيوني)
التي تمنح للتقارير المميزة مهنياً.. و كانت على مقربة جداً من نيل جائزة
( صحفي العام)، حسب ما تقول صحيفة ( الأوبزيرفر)، بينما جاء في (
ويكيبيديا) أنها حصلت على جائزة أفضل صحفي في عام 2008..
و يقول استيوارت برفس، رئيس الجمعية الملكية سالفة الذكر و المدير
التنفيذي السابق لقناة ( آي تي إن) :- " إنها الفائزة التي أعطتني فجوة
عميقة للتفكير.." بينما يتساءل سايمون البوري، رئيس حملة المساواة في
البث الاذاعي و التلفزيوني، يتساءل عن لماذا تتولى السي إن إن (
الأمريكية) رعاية نعمة الباقر ( البريطانية) و ليست إحدى محطات البث
البريطانية..؟
إن سايمون البوري يغار على مواطنته نعمة ( المبهرة) أن تتولى رعايتها جهة
غير بريطانية، طالما نعمة بريطانية الجنسية! ماذا نقول نحن الذين ينتمي
أصلها إلينا..؟ إن خشمنا مختوم بشمع ( التمكين) و حمى التبييض في أ درمان
و الخرطوم تشوه بيئة المقارنات عندنا.. فكيف نتكلم ؟ و ماذا نقول إذا
تكلمنا؟!
فقط علينا أن نتساءل:- هل كانت نعمة ستحوز كل النجاح الذي حققته و السمعة
الاعلامية العالمية التي نالتها بكفاءتها و كدها و جسارتها لو كانت في
سودان ( الانقاذ)؟
قلتُ ذات يوم من أيام الغربة و كان رفيقي الشجن:- " طائرٌ ضيعَ الوطنْ..
في السُرى.. بل أضاعهُ.. في ذرى شبقٍ الوطن.. وطنٌ يذبحُ الجيادْ.. يفسحُ
الدربَ للجرادْ.. كلما الفتى أجادْ.. كالَ فوقه الرمادْ.. و تولاهُ
بالمحنْ.. وطني آهِ يا وطنْ!"
و ما نعمة الباقر سوى عينة من عينات الجياد الأصيلة.. و ما الكثيرات
اللواتي يستعرضن بياضهن المزَوَر على قنواتنا التلفزيونية سوى عينات من
الجراد ساري الليل..
يا أيها السودانيون انتفضوا على الفساد و التزوير في كل مكان داخل
السودان.. انتفضوا.. يرحمكم الله!