صديق عبد الهادي Siddiq01@sudaneseeconomist.com (6) الحزب الشيوعي السوداني حزب مثقفين ! و هذا هو تناقضه !، عن علاقة الحزب الشيوعي السوداني بالطبقة العاملة السودانية يقول الخاتم، "إن الحزب الشيوعي السوداني قد بذل جهداً كبيراً ومتصلاً لتأكيد هويته "البروليتارية"، و"ترقية" تكوينه البروليتاري. و قد أدى ذلك ، في نظرنا، إلي سيادة إهتمامات ضيقة، وغذى روح الإنتظار الحالم لتلك اللحظة التي تنمو وتنضج وتسود فيها الطبقة العاملة. وقد أدى ذلك إلي غربة الشيوعيين عن واقعهم غير البروليتاري اساساً. فأعرضوا عن الإنخراط اليومي الحميم في معرفة الواقع وتوجيهه وفق منطقه الخاص وليس وفق تصورات ذهنية غير واقعية".(-"اوان التغيير "، ص 44). في حقيقة الامر أن نشاط الحزب الشيوعي لم يكن وقفاً علي الطبقة العاملة، وإنما نشط الحزب بشكل اساسي، خاصة في العقود الاخيرة، وسط فئات وطبقات إجتماعية غير عمالية. وهذه الطبقات غير العمالية هي التي رفدتْ الحزب بجل اعضائه وقياداته. الشاهد، ان الحزب الشيوعي لم "يعرض عن الانخراط اليومي الحميم"، وإنما كان موجوداً بشكل لصيق بفكر طبقي "عمالي" وسط طبقات "غير عمالية" !، وقد اصبح يتجه إلي طبقاتٍ، بفكرٍ لم يُنتج أصلاً لتسليحها!. فهذه واحدة من معضلات الفكر حين يُحشر حشراً في قالب طبقة واحدة، والمعضلة هذه تمثل جانباً واحداً من جوانب ازمة الحزب الشيوعي، اما الجانب الاخر من الازمة، فهو تعامل الحزب الشيوعي مع الفكر الماركسي وبشكل "طبقي" متزمتْ، وذلك بإعتباره، أي الفكر الماركسي، مقياساً صارماً واساساً للتصنيف بين العضوية، وكل ذلك في حزبٍ يمثل العمال نسبة ضئيلة فيه!، في حين ان المنحازين فيه لفكر الطبقة العاملة، و هم ليسوا بعمال، يمثلون الاغلبية الساحقة!. كان التعامل الميكانيكي مع ذلك الفكر لتأكيد "الهوية البروليتارية" و"نقائها" قد أضر بالحزب كثيراً. نلمس واحدة من تجليات ذلك الضرر في إشارة محكمة، لخصها الخاتم قائلاً ، " كما أن النقاء البروليتاري قد تطابق في كثيرٍ من الاحيان مع التعصب والجمود وإحتقار الرأى الاخر، وقمعه، بإعتباره يمثل "فكراً غريباً" عن آيديولوجية الطبقة العاملة. لقد كانت هذه التهمة فادحة بالفعل. فالتعبير عن "أفكار غريبة" يعني الوكالة الفكرية عن طبقات اخرى، وتمثيل مصالحها، غير المشروعة، داخل الحزب. وهو عمل يمكن ان يوصم بالخيانة، وفي حالة براءة الشخص من تهمة الخيانة فانه في هذه الحالة لن يكون بريئاً من الجهل، ولا من عدم نضوج الانتماء البروليتاري. وتكون مجهوداته السابقة كلها في التثقيف الماركسي قد ضاعت هباء".( أوان التغيير، ص 44 و 45) وفي الوقوف عند ما ذهب اليه الخاتم أعلاه، نود القول بأن التركيبة الطبقية للحزب الشيوعي السوداني لا تؤكد باي حال من الاحوال انه حزب "عمالي". ليست هنالك إحصائيات دقيقة، ولكن لا أعتقد ان منْ ينتمون الي الطبقة العاملة يمثلون نسبة معتبرة في الحزب. وهذا وضعٌ تعكسه نتائج آخر انتخابات نقابية قبل إنقلاب الجبهة الاسلامية في 30 يونيو 1989م، حيث لا مقارنة تذكر بين وزن ونفوذ الحزب في نقابات الموظفين والمهنيين، ووزنه ونفوذه في نقابات العمال!. لقد كان وجود الحزب بين العمال ضعيفاً، وذلك لضعف عدد أعضائه من العمال، وعلي النقيض منه تماماً، كان وجوده في حركة الموظفين والمهنيين، وهي الحركة الحضن، والمفرخة والمنتجة للمثقفين، اؤلئك الذين يعتمد عليهم الحزب في المساندة والمناصرة، وفي الذهاب بين الناس للتبشير برسالته الطبقية، وببرنامجه للتغيير الإجتماعي!. في الواقع لم ينفرد الحزب الشيوعي السوداني لوحده بتلك المفارقة المحزنة، وإنما الحركة الشيوعية العالمية وبكل أحزابها، قد عاشت تلك المفارقة، وستظل تعيشها، وذلك امرٌ تفرضه حقائق واقعية متعلقة بالتركيبة العضوية نفسها للاحزاب الشيوعية، حقائق تتناقض مع التصورات النظرية والتجريدات الذهنية. فالحزب الشيوعي السوفيتي، اعرق الاحزاب الشيوعية قاطبةً، لم يكن باحسن حالٍ، "فى اواخر الثمانينات من القرن المنصرم وعشية بدء زوال الاتحاد السوفيتى كانت الاحصاءات تشير الى ان في الدولة السوفيتية 25 مليوناً من العاملين ذوى الياقات البيضاء، واولئك هم الموظفون والمهنيون من اطباء ومهندسين وعلماء ومتخصصين فى حقول مختلفة. نجد ان 30% من ذوى الياقات البيضاء كانوا اعضاءاً فى الحزب الشيوعى السوفيتى، هذا من جانب، اما من الجانب الاخر فان عدد العاملين ذوى الياقات الزرقاء فيقدر بثلثي سكان الدولة وهؤلاء هم العمال بكل فئاتهم فاحصائياً يقدر عددهم بـ 160 مليون تقريباً وهم يمثلون الطبقة العاملة فى الدولة. نجد ان 7% فقط من العمال هم اعضاء فى الحزب الشيوعى السوفيتى !. لابد من ملاحظة ان الحزب الشيوعى هو حزب الطبقة العاملة الا اننا نجد ان 93% من الطبقة العاملة خارج عضوية الحزب الشيوعى الذى يحكم الدولة ويسيرها بإسمها!، فهذا وضع لا يمكن تفسيره، او بالاحرى تبريره، الا من خلال السياقات النظرية عن الانحياز الطبقى !."( مقال، في الرد علي د. صدقي كبلو، سودانايل ) إن "الوكالة الطبقية" تلك، وبالإستناد علي ما تحقق من تجارب، تحتم ضرورة إعادة النظر في التعامل مع الفكر بشكل عام، وبشكل خاص الفكر الثوري التقدمي. فلقد وضح من تجارب الاحزاب الشيوعية العالمية دون إستثناء، أنه حتى ولو إنسلخ أعضاء الحزب من منشأهم الطبقي، و إنحازوا كليةً لفكر الطبقة العاملة، فإن ذلك لن يجعل منهم عمالاً!. الفكر التقدمي بشكلٍ عام، والفكر الماركسي جزءٌ من، له المقدرة كفكرٍ للعدالة الإجتماعية، علي خلق احزابٍ جاذبة، احزاب لكل الناس، مفتوحةً للشعب. وهذه بالقطع حقيقةٌ يكمن، في إستيعابها الواقعي، الخروج من الحصر القسري والميكانيكي لفكر العدالة الإجتماعية بمجمله في طبقةٍ ما، وهو حصرٌ نابعٌ من التوهم بان الماركسية، هي خلاصةٌ ومستودعٌ نهائي لفكرة العدل الإنساني! هذا كله من جانب، أما من الجانب الآخر، فإن في إستيعاب حقيقة تلك المقدرة، إقرارٌ بالتحول والتغير المرتبط بدنامية النشاط الانساني في جانبه الاقتصادي، والتكنولوجي، وكل جوانبه الاخرى. إنه تحولٌ قد يفضي في المستقبل إلي زوال طبقاتٍ كاملةٍ وفق تعريفها الكلاسيكي، ومن ثمّ يؤدي إلي بروز اخرى لم يحيط التعريف الكلاسيكي بها وبخصائصها، ولا بقدراتها، ولا بضرورتها، كذلك، في صيرورة العملية الانتاجية التي تمثل عاملاً حاسماً في صناعة التاريخ البشري.