السودان في الكوميديا البريطانية .. ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
السودان في الكوميديا البريطانية
Sudan in British Comedy
دوقلاس جونسون Douglas H. Johnson
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
مقدمة : هذه ترجمة لمعظم ما ورد في مقال صغير عن "السودان في الكوميديا البريطانية" نشر في العدد 51 من مجلة "الدراسات السودانية" الصادرة في يناير 2015م.
والكاتب البريطاني - بحسب سيرته المبذولة في الشابكة الإسفيرية –عمل من قبل زميلا في "معهد الوادي المتصدع" وباحثا وأستاذا للتاريخ في كلية سانت أنتوني بجامعة أكسفورد، متخصصا في تاريخ شمال شرق أفريقيا والسودان وجنوب السودان، وسبق له العمل خبيرا في شئون المناطق الثلاث (أبيي والنيل الأزرق وجبال النوبة) في مفاوضات السلام الشامل في 2003م. وللرجل كتاب بعنوان "جذور أسباب الحرب الأهلية في السودان" وآخر عن "نبوءات النوير"، وعدة مقالات وفصول في كتب تدور كلها حول تاريخ وحاضر شمال شرق أفريقيا والسودان وجنوب السودان. وسبق لنا ترجمة إحدى مقالاته بعنوان " بنية إرث : الرق العسكري في شمال شرق أفريقيا"..
الشكر موصول دكتور عبد الله جلاب لمدي بالمقال.
المترجم
*************** *********** *************
لا يمكن أن يعد السودان موضوعا للفكاهة في هذه الأيام، وأشك كثيرا في أن يكون ذلك البلد مادة مطلوبة دوما عند ممثلي الفكاهة البريطانية (مثل سندويتشات القطارات البريطانية أو Mafeking Night)، إلا أنه ذكر في معرض الفكاهة في بعض الأفلام والمسلسلات البريطانية.
وأذكر أن أول فيلم (كوميدي) شاهدته وجاء فيه ذكر للسودان كان في نهاية خمسينيات أو أول ستينيات القرن الماضي. غير أني نسيت الآن اسم ذلك الفيلم واسماء من لعبوا أدوار البطولة فيه. وكان الفيلم يدور حول زوجين يحاولان توظيف مربية أطفال / مدبرة منزل. وكانت أول المتقدمات هي امرأة عجوز (أتت مع زوجها الشيخ الكبير) وقالت لصاحب البيت وزوجه إنهما تقاعدا لتوهما من العمل بالسودان. وتبين لاحقا أنهما ليسا سوى لصين محتالين زعما أنهما عملا في السابق بالسودان لإبهار المخدمين وكسب احترامهما، لإخفاء غرضهما الحقيقي وهو النفاذ عبر قبو (بدروم) البيت إلى خزن المصرف الذي يجاور بيت الزوجين.
وهنالك فيلم آخر اسمه (Lady Killers قتلة السيدة) وردت فيه مشاهد للصوص أيضا. كان لأرملة عجوز بيت تؤجر غرفه كنزل للعابرين، وكان لها ببغاء اسمته "الجنرال غردون". وفي أحد المشاهد تراها وهي تقرع رجال عصابة من اللصوص سكنوا في غرفها لأنهم أزعجوا "الجنرال غردون"!
وكان السودان مصدرا للنكات عند الممثل الفكاهي روان اتكنسون (المشهور بمستر بين Mr. Bean. المترجم) في مسلسله المسمى (Blackadder Goes Forth بلاكادر يمضي قدما ) عن الحرب العالمية الأولى. وفي المسلسل يكثر النقيب بلاكادر من القول بافتخار بأنه عندما كان بالسودان يفعل هذه وذاك بهذه الطريقة أو تلك. وفي الحلقة الأخيرة للمسلسل حاول النقيب التخلص من هجوم وشيك لأعدائه بإدخال قلمي رصاص في منخاريه، ووضع لباسه الداخلي على رأسه، والتظاهر بالجنون. وزعم لرفقاه بأن تلك هي حيلة قديمة تعلمها في السودان.
(لرؤية الممثل وهو بذلك المنظر يمكن مشاهدة تلك الحلقة على يوتيوب عند الدقيقة السادسة وما بعدها. المترجم)
https://www.youtube.com/watch?v=qnFeJzOfvxQ
ولسوء حظ النقيب فقد كان ضابط القيادة عنده (لعب دوره الممثل استيفن فراي) قد عمل بالفعل في السودان، وكان عليه ذات مرة أن يصوب نيرانه نحو مفرزة جنود حاولوا تلك الحيلة من قبل. لذا أخفقت خطة النقيب بلاكادر، وبدأ في استعطاف المشير هيج (لعب دوره الممثل جيفري بالمر) أحد الضابط القدامى من الذين عملوا بالسودان من قبل، والذي لم يجد ما ينصحه به سوى تكرار "حيلة السودان". وبالفعل قام النقيب بتقدم جنوده وهو على تلك الحالة.
وكان السودان، وخاصة معركة أم درمان – للغرابة – مصدرا لبعض النكات في المسلسل القديم Dad’s Army” جيش الأب "، فالعريف المخضرم جونز يفرط في استخدام هذه الجملة: "عندما عملت بالسودان ...". وزعم في أحد الحلقات الباكرة أنه اشترك في حملة إنقاذ غردون. ولم يرد ذكر "أم درمان" على لسانه إلا في الحلقات التالية.
وكانت الميداليات المعلقة على صدره تشمل ميدالية ملكة مصر، ونجمة الخديوي في حملات السودان الصادرة في 1884 – 1895م، وميداليات الملكة والخديوي بين عامي حملة "استعادة السودان" في 1896 و1899م.
وذكرت "أم درمان" صراحة في مشهد في حلقة من حلقات ذلك المسلسل كان عنوانها"Two and a Half Feathers" وهو محاكاة ساخرة للفيلم المشهور "The Four Feathers الريش الأربع".
(يمكن مشاهدة تلك الحلقة على يوتيوب عند الدقيقة 56 5 وما بعدها. المترجم)
https://www.youtube.com/watch?v=PnbLuY2hdb8
ويرد في المشهد واحد من الجنود يتهم العريف جونز بهجره في الصحراء ليموت. وقام جنود المفرزة الذين صدقوا ذلك الاتهام بإرسال ريشا بيضاء لجونز(كإشارة لجبنه). ولم يشذ عن هؤلاء غير الحانوتي الأسكتلندي والذي بلغ به البخل حدا جعله يستكثر إرسال ريشة كاملة لجونز، فأرسل له نصف ريشة!
غير أن جونز أفلح في استعادة شرفه العسكري بذكره لزملائه ما قام به في السودان صبيحة يوم معركة أم درمان. وفي مشاهد متلاحقة في حلقة ذلك المسلسل يظهر عدد من الجنود فيها في أدوار تعاكس تماما ما ورد في قصة جونز. وورد أيضا مشهد أحد الممثلين وهو يلعب دور "فكي" سوداني، وقليل من الممثلين وهم يلعبون دور المحاربين "الدراويش".
ويبدو من كل ما ذكر أن تلك المسلسلات لم تكن عن السودان بقدر ما كانت عن مواقف واتجاهات وسلوك البريطانيين British attitudes تجاه دورهم في السودان. وتنتهي كل تلك المسلسلات والافلام دوما برد شرف بريطانيا وجنودها.
alibadreldin@hotmail.com