العهد الوثيق ونهاية الطريق واستمرار الحريق
لا يمكن لسلطة أن تبقى في سدة الحكم قرابة الثلاثين عاما ثم تتحدث عن العهد الوثيق وبداية الطريق!!! قبل الحديث عن أي بداية جديدة يجب أولاً التقييم لتجربة مستمرة منذ اكثر من ربع قرن!!! ومن المنطقي انه ولو بحكم عدد السنين فقط وعدم كمال الفعل الانساني ان تكون قد صاحبت تلك التجربة أخفاقات !!!
إذن الحديث عن بداية جديدة دون التطرق بالحديث عن من تسبب في إزهاق الالاف من الارواح في حروب عبثية ومن تسبب في امتلاء معسكرات النازحين بمئات الالاف من ألسودانيين دون الحديث عن القابعيين في السجون والذين اختفوا خلف الشمس!!! هو حديث غير جاد وغير مسئول ويستهزئ بمن يوجه لهم بل يستحقرهم!!! .
هل كانت طغمة الانقاذ الحاكمة باستبداد منذ 27 عاما وأهلها عمي بصر وبصيرة خلال تلك السنوات الطويلة، وضاع منها الطريق ولم تجده الّا بعدالوثبة وما سمي بالحوار الوطني وما هو بحوار ولا هو وطني، بل هو أبلغ دليل على عدم وطنية من دعى له، لأنه يستخدمه ك "تقية" بدلاً عن الاعتراف بفشله وتقديم استقالته واعتذاره للشعب على كل تلك السنيين الضائعة هدراً وعلى كل ما تسبب فيه من الخراب والدمار !!!.
لعل النقطة الوحيدة التي يمكن ان يشار اليها بالايجابية من مخرجات هذا الحوار غير الوطني هي نقطة وقف إطلاق النار وحتى هذه النقطة نجد إن تحديدها بنهاية العام ليس مؤشراً إيجابياً بل دليل على إمكانية الرجوع للحرب بعد تلك المهلة أي بعد شهرين من الآن !!! . أما ماعدا ذلك من مخرجات الحوار فهو هراء بكل معنى الكلمة وعموميات أقرب للشعارات الانتخابية منها إلى برامج وخطط!!! فليس هناك معنى لتكوين آلية قومية لوضع دستور دائم للبلاد في ظل إنعدام الحريات، ولا معنى لكتابة "النص على رقابة دستورية للقانون، وضع الضوابط التي تحد من تجاوز الدستور والقانون والنص على استقلالية القضاء والمحكمة الدستورية" ، اذا حرصت مخرجات الحوار على تكريس كل السلطات والصلاحيات بيد الرئيس من تعيينه قضاة المحكمة الدستورية!!! وتعيينه للولاة واستمرار تبعية قوات الدعم السريع للقصر الجمهوري واستمرار كل تلك الصلاحيات "المطاطة" لجهاز الامن والاستخبارات !!!
أخيرا، إن تنفيذ تلك المخرجات يحتاج صلاحيات وأموال وهذه لاتملكها الا الحكومة القائمة والتي بدورها ممتلكة للحزب الحاكم، اي أنه حتى على المستوى النظري إذا قبل الحزب الحاكم بأي أمر ظاهره بعض الانفتاح فعلى المستوى العملي والتطبيقي يمكنه ان يفشل تطبيقه بسبب عدم إمتلاك اي مسؤول قادم من الاحزاب الاخرى لسلطة وميزانية تساعده على النجاح، وهو ما لخصه أحدهم قائلاً "تنفيذ مخرجات الحوار معناه ذهاب النظام ومقاضاته"!!!"
نقطة ايضا تدل على الفشل التام وهي غياب زعماء المعارضة السلمية أو المسلحة وخاصة الصادق المهدي وعلي محمود حسنين وفاروق ابوعيسى وجبريل ابراهيم ومناوي وعبدالواحد ، هذا الغياب الذي لن يغطيه ولا يحل محله حضور رؤساء دول أخري!!! كذلك لن يجدي شيئا قول البشير للصادق المهدي "مكانك الطبيعي الحوار"!!! بعد أن أنقلب على الدستور والحكومة الشرعية التي كانت بقيادة الصادق المهدي في 1989م!!! كما سبق للبشير أن هدد الصادق المهدي بعد حضوره لقاء باريس الاول وقال " إن المهدي إذا عاد سيحاكم وفق القانون لا أكثر ولا أقل"!!!
تكفي رسالة الصادق للبشير في شهر يوليو 2016م للدلالة على "خوار" الحوار وقوله "يا أخي أخاطبك بما يجمع بيننا من إخاء الدين والوطن بلا ألقاب، أن تقفز من مكانة في التاريخ تنسجها لك عذابات الضحايا، إلى مكانة تصوغها آمال الناجين والمتطلعين لحياة أعدل وأفضل" وسبق للصادق ان قال في اغسطس 2014م "...لن اعود قريبا للخرطوم ولجنة الحوار مع (الوطني ) دفناه في احمد شرفي"!!!
كان هناك أمل أن يعود الصادق المتطلع الى العودة الى منصب رئيس وزراء اذا تم استحداث هذه الوظيفة في الحكومة القادمة بعد مخرجات الحوار، خاصة إذا افترض البعض أن هذه "الاستحداثة" تحمل أمل ولو ضئيل لإحداث بعض التغير والانفراج السياسي!!!! ولكن قام د.نافع علي نافع الباب بقتل ذلك الامل على الملء بقوله " لن يذهب منصب رئيس الوزراء لغير المؤتمر الوطني"!!!
كذلك يكفي للدلالة على فشل الحوار ومخرجاته ما كتبه أحد صحفي الانقاذ اي عبدالباقي الظافر أمس الموافق 09/10/2016م، اي قبل يوم واحد من تسليم مخرجات الحوار الوطني ومن المؤكد إنه قد إطلع على المخرجات ورغم ذلك كتب ما كتبه ليصرخ بأن السودان اصبح كسفينة تواجه الغرق وطالب ببساطة بحكومة تركية لحكم السودان بسبب فشل الانقاذ " في تقديري علينا التفكير في استيراد كادر بشري تركي لمساعدتنا في الخروج من عنق الزجاجة"!!! ، ..."..بإمكان الخرطوم "تتريك" منصب وكيل وزارة الزراعة ...علينا ان نفكر بمنطق أن السودان شركة كبيرة تتعرض إلى خسائر فادحة أو سفينة بين الأمواج وتواجه مخاطر الغرق...لهذا الحل يجب ان يكون عبقرياً..من حسن حظنا أن هناك أصدقاء يسعون لمساعدتنا"
إن طغمة الانقاذ قد حكمت واستبدت وأفسدت كل مناحي الحياة بالسودان وعهدها الوثيق هو استمرار للحريق وفرار نحو الأمام!!! ولن يحدث أي تغيير إيجابي طالما البشير وطغمة الانقاذ على سدة الحكم مما أضطر أحد صحفي الانقاذ للمطالبة بعودة المستعمر التركي!!!
أنشد الشاعر حميد
"وأنا واحد من شعب مضارعْ
سمّيت ومشيت ما متراجعْ
غنيتك يا عشقي وتيهي
يا بلاداً كم سمحة وجيهي
لو لِقَتْ النّاس البتدورا".
wadrawda@hotmail.fr