مئوية استشهاد السُّلطان علي دينار (ت. 1916م): سلاطين دارفور وصُرَّة الحرمين الشريفين

 


 

 


الحلقة الرابعة

مدخل تمهيدي

تناولنا في الحلقات السابقة (1-3) سيرة السُّلطان علي دينار بن زكريا ودوره في الحرب العالمية الأولى، وكيف خرج على إجماع الحلفاء (بريطانيا، وفرنسا، وروسيا)، واتباعهم في السودان، معلناً مناصرته للخلافة العثمانية ودول المحور (الإمبراطوريَّة الألمانية، والإمبراطوريَّة النمساويَّة المجرية، والمملكة البلغارية)، وبذلك سجل تحدياً تاريخياً صريحاً لإدارة الحكم الثنائي في السودان، التي أعلنت الحرب عليه، وطاردته حتى استشهد عام 1916م، وبذلك قضت على سلطنة الفور وسلطانها المجاهد، ثم أحكمت قبضتها على مديرية دارفور. وفي المقالين الآتيين (الرابع والخامس) نحاول أن نلقي الضوء على علاقة السُّلطان علي دينار بالحرمين الشريفين في الحجاز. وهل هناك آبار تُعرف بآبار علي دينار في الحجاز، كما يُشاع بين الناس؟ وهل السُّلطان علي دينار كان مواظباً على إرسال كسوة الكعبة إلى الأراضي المقدسة؟ أم كان محمل السُّلطان علي دينار وسلاطين دارفور من قبله قاصراً على إرسال صُرَّة دارفور إلى الحرمين الشريفين؟

أفضال السودان على البيضان
يرى المؤرخ البريطاني أورنولد توينبي (ت. 1395هـ/1975م) أن الفعل التاريخي يقوم في كلياته على جدلية "تحدي واستجابة"، ويبدو أن هذه الجدلية قد ألقت أيضاً بظلالها على حركة البحث العلمي، وثقَّفت مسارها في أكثر من موضعٍ. وفي ضوء هذه الفرضيَّة يحضرني المقال الجيِّد الذي نشره الأستاذ سيف الدين عيسى مختار بعنوان: "الجواب الجلي لمن سأل عن آبار علي" في صحيفة سودانايل الإلكترونية، وخلص بموجبه إلى أن آبار علي الواقعة على مشارف المدينة المنورة لا يصح نسبتها تاريخياً إلى السُّلطان علي دينار (ت. 1335هـ/1916م) ، لأن المؤرخ شهاب الدين بن فضل الله العمري المتوفى عام 749هـ/1348م قد ذكرها في كتابه الموسوم بـ "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار"، وذلك قبل أكثر من ستة قرون من إعادة السُّلطان علي دينار لعرش أجداده المسلوب في دارفور في خواتيم القرن التاسع عشر للميلاد، وذهب أيضاً إلى القول بأن مؤرخ مكة المكرمة الأستاذ أحمد السباعي لم يعط أية إشارة تؤكد "أن علي دينار قام أو ساهم بالمال في كسوة الكعبة، أو أنه أقام مصنعاً في الفاشر لهذا الغرض، فقد كانت مصر في تلك الفترة تتولى هذا الأمر، وتحتفل به، وترسل الكسوة على رأس وفد عال إلى الديار المقدسة". فلا غرو أن الكاتب قد أسس أطروحته على شواهد تاريخية، ربما لا تتوافق مع مزاج بعض الباحثين في أدبيات التراث السوداني، لذا فقد وصفها الدكتور علي بحر الدين دينار بأنها شواهد تاريخية منتقاة لا تعكس حقيقة الواقع الذي كان قائماً آنذاك، وذلك في مقال جيِّد الصنعة، نشره في سودانايل، استجابةً للتحدي الذي أثاره الأستاذ سيف الدين مختار. وكان المقال بعنوان: "السُّلطان علي دينار والمحمل الشريف: حول أفضال السودان على البيضان"، حاول الدكتور علي بحر الدين من خلاله أن يؤكد إسهام السُّلطان علي دينار في إرسال المحمل الشريف إلى الحرمين، باعتباره حقاً مثبوتاً له في الوثائق السودانية المحفوظة في دار الوثائق القومية بالخرطوم تحت الرمز "مخابرات"، والتي تعطي صورة حيَّة لمحمل دارفور الشريف الذي درج السُّلطان علي دينار على إرساله إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة في الأعوام 1320هـ/1903م، و1321هـ/1904م، و1324هـ/1906م، و1327هـ/1909م، و1331هـ/1913م.
وفي هذا البحث لا أود الخوض في غمار الرأي والرأي الآخر بأسلوبٍ سجاليٍ، دحضاً أو تعضيداً لما ذهب إليه الأستاذ سيف الدين مختار، أو تأكيداً لما أثبته الدكتور علي بحر الدين دينار، بل آثر الارتقاء بأدبيات الحوار، ووضعها في نصاب تاريخ أرفع، يقوم على تقديم مقاربة، تهدف إلى نفض الغبار الذي ران على حقيقة العلاقات الوطيدة التي كانت قائمة بين سلاطين الفور والأراضي المقدسة، وإسهامات أولئك السلاطين في ترقية خدمات الحرمين الشريفين، وإرسال "صُرَّة دارفور" على محمل مشهود إلى أم القرى ويثرب. وتُؤسس مفردات هذه المقاربة على منهج تاريخي يقضي باستقصاء المعلومات الأولية من مظانها الأرشيفية والمكتبية، ثم تحليلها في منظومة الواقع التاريخي الذي تشكلت فيه، والظروف المحلية والإقليمية التي أحاطت بعمليه صياغتها عبر الزمان والمكان.

الصُرَّة والكسوة والمحمل
الصُرَّة والكسوة والمحمل هي مصطلحات متداولة في أدبيات الحج، ومتداخلة مع بعضها بعضاً، لأن المحمل يعني ضمناً حمل كسوة الكعبة وصُرَّة العاملين فيها إلى الحجاز، وتُستخدم الكسوة أحياناً كمصطلحٍ جامعٍ لكسوة الكعبة المطهرة وصُرَّة أم القرى ويثرب، ويُخصص أحياناً جُعلٌ من الصُرَّة لتجهيز كسوة الكعبة. إذاً التعامل مع هذه المصطلحات يحتاج إلى توطين دقيق في الإطار التاريخي الذي نتعامل معه، دون تعميم يفضي إلى خلط في الفهم، ينتج عنه إسقاط وقائع الحاضر، بقصد أو دون قصد، في مجريات الحدث التاريخي، فيعكر صفوها، وبذلك يضحى الميز بين الحقيقة والخيال ضرباً من المستحيل. وتحقيقاً لموضوعية العرض وتناول الأحداث التاريخية التي نحن بصدد الكتابة عنها يضحى توطين هذه المصطلحات في منظومتها التاريخية ضرورة ملحة لفهم الإسهام الذي حققه سلاطين دارفور في مجال التواصل مع الحجاز ومقدساته، دون أن نعرضها مجردةً من واقعها التاريخي والظروف التي أحاطت بعملية تشكيلها وتخلُّقِها.
تحدثنا المصادر التاريخية المتواترة أن إرسال صُرَّة الكعبة المشرفة إلى البيت الحرام كان أمراً مألوفاً في جزيرة العرب قبل مجيء الإسلام، ولكن هذه المسألة أخذت شكلها المؤسسي في عهد الخلافة الأموية (40-132هـ/661-750م)، التي خصصت أوجه صرف الصُرَّة إلى العاملين في الحرمين الشريفين، وإصلاح طرق الحج، وصيانة الأماكن المقدسة. وتعني الصُرَّة بهذا المفهوم الهدايا النقدية والعينية التي كان يرسلها الخلفاء الأمويون إلى مكة والمدينة لتغطية المصروفات الخدمية للحرمين الشريفين ورواتب العاملين فيهما. وبعد الأمويين، طوَّر العباسيون (132-655هـ/750-1258م)، والفاطميون (358-566هـ/969-1171م)، والأيوبيون (566-647هـ/1171-1250م)، والمماليك (647-922هـ /1250-1517م)، هذه السنة الحسنة إلى أن أستقر الأمر في يد سلاطين الدولة العثمانية (698-1342هـ/1299-1924م)، الذين واظبوا على إرسال صُرَّة الكعبة إلى الحجاز كل عام في موسم الحج، وكانت صررهم صُررَ مشهودة، تحملها مئات الجمال، وتحيط بها كتائب من الفرسان المدججين بالسلاح. وكانت محاملها تحوي كسوة الكعبة، وكثيراً من الهدايا العينية والنقدية ذات القيمة العالية المخصصة للفقراء، والشرفاء والسادة، وصيانة مرافق الحرمين الشريفين. ويعود تاريخ أقدم وثيقة عثمانية في هذا الشأن إلى عام 800هـ/1389م، حين أرسل السُّلطان بايزيد الأول صُرَّة سلطانية "بمقدار 80 ألف قطعة ذهبية تنفق في مرافق الحرمين الشريفين، وتوزع على فقرائها، وأشرافها، وساداتها، وعلمائها." وأُرسلت آخر صُرَّة عثمانية في عهد السُّلطان مراد عام 1335هـ/1917م، إلا إنها لم تبلغ هدفها المنشود، بل عادت أدراجها إلى إستانبول نتيجة لهزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى وتدمير سلطانهم السياسي ونفوذهم الديني في بلاد الشام ومصر والحجاز.
أما المحمل فيرمز به إلى البعير الذي كان يحمل كسوة الكعبة ومستلزماتها، والطابور المرافق له من الجمال الأخرى التي كانت تحمل الماء وأمتعة الحجاج. وقد درجت العادة أن يكون المحمل تحت إمرة أمير الحج، ويرافقه حرس المحمل، وأمناء الصُرَّة، والأغوات الموفدون إلى الحرمين، وفيالق الحجيج المصاحبة لهم. وعند خروج المحمل كانت تُدق الطبول، وتُضرب الزمور، وتُرفع البيارق والأعلام، ويخرج كبار الأمراء، والجند، والعلماء، وعِليَة القوم، والأهالي لتوديع أمير الحج والحجاج ومحملهم الميمون.
وهنا يجب أن نفرق بين المحمل وكسوة الكعبة، فالكسوة هي الهدية السُّلطانية التي كانت تُحمل بداخل المحمل، وهي في حد ذاتها مصنوعة من حرير مشجر، وموشى بالذهب، ومزين بآيات قرآنية. وتقديراً لأهميتها الدينية كانت الكسوة تُوضع على ظهر بعير أصهب، وداخل هودج مزركش يُعرف بالمحمل، قاعدته من صندوق مربع الشكل، وله قمة هرمية، تعلوها قبة فضية. وقد درج أهل السُّلطان على تذويقه بأبهى الزخارف والرسومات، والحرير الموشى بالذهب، والآيات القرآنية المنقوشة على جوانبه.
لا يعني هذا المظهر العام لكسوة الكعبة ومحملها الشريف، كما يرى الدكتور علي دينار، أن العلاقة بين الاثنين كانت علاقة تلازمية، لأن هناك محامل كثيرة تأتي من بقاع الأرض المختلفة لا تحمل كسوة، ولكنها في الغالب الأعم تكون محمَّلةً بصُرَّة الحرمين الشريفين. وعند هذا المنعطف يجب أن لا ننظر إلى الكسوة باعتبارها أمراً دينياً صِرْفاً، لأن أمر إعدادها وإرسالها إلى الأراضي المقدسة كان يحمل بعض الدلالات السياسية، لأن أهل السُّلطان وذوي الشوكة كانوا يحرصون على فضل تجديدها كل عام، لأنها في قاموسهم السياسي كانت تعني شارةً من شارات السيادة وشرعية قيادتهم للعالم الإسلامي. إذاً السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المضمار، هو: أين موقع سلاطين دارفور من هذا الزخم السياسي المصاحب لكسوة الكعبة، والفضل الديني الذي درج أهل السُّلطان والجاه في العالم الإسلامي أن يتباروا عليه في ذلك الزمن الذي كان حافلاً بالتحديات السياسية واستجابات الفعل السياسي المرافق لها؟

سلاطين دارفور وصُرَّة الحرمين
سلطنة دارفور من السلطنات الشهيرة في حزام بلاد السودان، الذي يقع جنوب الصحراء وشمال غابات السافنا المطرية، ويمتد شرقاً إلى ساحل البحر الأحمر وغرباً إلى نهر السنغال والمحيط الأطلسي، فقد تأسست هذه السلطنة في القرن التاسع للهجرة/ الخامس عشر للميلاد، وجلس على عرشها ثلة من السلاطين الأقوياء، الذين أسهموا في بسط الأمن والاستقرار في ربوعها، ونسجوا حولها شبكة علاقات خارجية واسعة مع سلطنات الجوار (ودّاي، وبرنو) والحواضر الإسلامية. وشاهدنا في ذلك، الأمر العالي الذي بعثه الخديوي محمد سعيد باشا إلى سلطان دارفور محمد الحسين في 19 جمادى الأولى 1273هـ/ 15 يناير 1857م، وخاطبه فيه قائلاً: "من محمد سعيد كافل الديار المصرية وما تابعها من الأقاليم السودانية إلى حضرة عريق الحسب والنسب والتمسك من الدين بأقوى سبب، حضرة السُّلطان محمد الحسين سلطان دارفور لا زال حظه من الهداية موفور ..." ويمضي الخطاب في ذات النسق، معلناً هدفه الأساس الذي يتمثل في زيارة الخديوي إلى الأقاليم السودانية التي كانت خاضعة لسلطانه السياسي، وفي خاتمته يقول الخديوي: إننا مصممون على "استمرار المحبة، واستقرار المودة التي هي بين المتجاورين أعظم عدة، كما أن ذلك حق المتجاورين والله يحب المتقين، ولتكون حضرتكم من أسرار سرائرنا على بصيرة، والأعين تبقى من هذه الجهة مسرورة قريرة، لاسيما وتجمعنا مع حضرتكم جماعة الإسلام...".
وهذا الخطاب لا يعنى أن العلاقة بين الطرفين كانت طيبة لا تشوبها شوائب الحذر والترغب، بل أن العمل في مجمله كان عبارة عن تواصل دبلوماسي يقضى بصون مصلحة الطرفين، والرسائل المتبادلة بينهما والهدايا المصاحبة لها. ونستشهد في هذا المضمار بالخطاب الآخر الذي أرسله الخديوي محمد سعيد إلى السُّلطان محمد الحسين سلطان دارفور في 18 ربيع الأول سنة 1274هـ/5 نوفمبر 1857م، حيث استهله بقدح في فتور العلاقة بين الطرفين، ثم ختمه بقوله:

مرسول من طرفنا برفقة رسولكم محمد الشنقيطي أشياء برسم الهدية لحضرتكم، وهي سيف مذهب مرصع بالجوهر، وأربعة سيوف مفضضة طرز سودانية، وخيمة داخلها مقصب وخارجها أسطوفه، وعربية ركوب بأربع عجلات برفق واحد عربجي من أجل تعليم بعض الخيول لجر العربية بطرف حضركم [...] وأربع طاقات من مقصب للملبوس، وستون ذراعاً أسطوفة مقصب للفرش، ومائة ذراع أسطوفة حرير للفرش أيضاً، ومرشحة مخيشة بترتر، وحيث علمنا حب حضرتكم في كتب التفسير، فمرسول نسخة من روح البيان، وجعلناه في هذه خاتمة الهدايا ليكون الختام مسك، فالمأمول حسن القُبول ليكون سبباً لتواصل المحبة الصادقة على الدوام.

هكذا كانت تدار الروابط الدبلوماسية في ذلك العصر بين البلدان الإسلامية، ويعكس النموذجان المذكوران أعلاه بعض الجوانب الدبلوماسية المشرقة لسلطنة الفور في المنطقة، ويوثقان لطرف من علاقتها الخارجية مع دول الجوار. لكن هذا لا يعني أن هذه العلاقات كانت قاصرة على مصر دون غيرها، بل نجدها قد تجاوزت هذا الإطار الجغرافي وشملت السلطنات المجاورة في حزام بلاد السودان، وحاضرة الخلافة العثمانية في استانبول، والأراضي المقدسة. وتجلَّت طبيعة التواصل مع الأراضي المقدسة في الصُرَّة السنوية التي كان يرسلها سلاطين دارفور إلى الحرمين الشريفين. ونستشهد في هذا المضمار بثلاث وثائق صدرت في القرن الرابع عشر للهجرة/التاسع عشر للميلاد، وتوجد أصولها بدار الوثائق القومية المصرية بالقلعة تحت الرمز: محفظة 104، ملف مجموعة السودان. صدرت الوثيقة الأولى في 4 رجب 1291هـ/18 أغسطس 1874م وعليها خاتم السُّلطان إبراهيم قرض، وتقرأ بعض مقاطعها هكذا:

واصل من أمير دارفور للحضرت الخديوي عشرون سنان من سن الفيل وزنها قنطار عشرة، وست أغوات صحبت الحاج حمزة سر تجار وأخيه محمود [...] وقد أرسلنا الحاج إدريس صحبة المذكورين متوجه للحرمين معه صُرَّة لمكت [مكة]، وأغوات لخدمة البيت، وصُرَّة لمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، معها أغوات لخدمت الحرم الشريف، يكن معلوم حضرتكم من الوصول يصير توجه الحاج إدريس هناك، أدامكم الله تعالى، والسلام.

والوثيقة الثانية عبارة عن خطاب من أمير سلطنة الفور، السُّلطان إبراهيم المعتصم بالله تعالى (الشهير بإبراهيم قرض)، إلى حضرة كبير أغوات المدينة المنورة، يوضح فيه أنه مرسل صُرَّة من ألف ريال ونيف لتوزع لمصارفها حسب القائمة المرسلة مع أمين الصُرَّة الحاج إدريس. وجاءت الوثيقة الثالثة على ذات النسق، تحوي كشفاً يوضح كيفية توزيع صُرَّة دارفور التي تقدر بعشرين ألف ريال إلى الحرمين الشريفين، وشملت مصارف توزيعها في مكة المكرمة الشريف عبد الله، وأغوات الحرم المكي، ومأمور جدة، وصيانة بئر زمزم، وإمام المذهب الحنفي، وطلبة العلم، والبوابين، والمطوفين، والعجزة. أما صُرَّة المدنية المنورة فكانت تقدر أيضاً بعشرة آلاف ريال، شمل توزيعها كبير الأغوات، وأهل البقيع، والمطوفين، ومأمور المدينة، والبوابين، وخدام مسجد قباء، والإمام الراتب في المسجد والمؤذنين.
هكذا كان تواصل دارفور مع الحجاز تواصلاً تاريخية وأريحياً، يقوم على إرسال الصُرَّة السنوية إلى أم القرى ويثرب، وكانت الصُرَّة تُرسل في شكل منتوجات عينية، تباع في مصر، ثم تُكشف عائدات المبيع وتُبعث إلى الحرمين الشريفين، وذلك بخلاف الأغوات الذين خصصوا لخدمة البيت العتيق والحرم الشريف. والوثائق المذكورة أعلاه توثق فقط لفترة السُّلطان إبراهيم قرض آخر سلاطين الفور، والذي حكم لمدة عام وبضعة أشهر، قبل أن تخضع دارفور إلى الحكم التركي المصري عام 1292هـ/1875م. فهذه الشواهد تؤكد ما ذهب إليه الدكتور علي بحر الدين دينار بأن لدارفور أفضال لا تحصى على الأراضي المقدسة وأهل الحجاز، إلا أن عجلة الزمن دارت الآن بسنواتها العجاف، وأضحت يد دارفور العليا يداً سفلى، تستجدي عطاء ذوي القربى، وعطاء الذين يرفدون معسكرات مشرديها بـ"مساويط الرماد" من أجل اغتناء خير تكنـزه بواطن أرضها المعطاة وأهلها الطيبون.

يتبع (الحلقة الخامسة والأخيرة)

ahmedabushouk62@hotmail.com

 

آراء