قضايا ليست كذلك أن الأنسان ليتعجب لسلوك السودانيين فى المزايدة على الآخرين على صفات لا يتمتعون بها ولا تنطبق على أنفسهم وليس لهم منها الكثير فى تركيبتهم من كل النواحى. وأقرب الأمثال لهذا السلوك الغير مفهوم أدعائهم بأنهم عرباً وعرباً أكثر من العرب الآخرين. ثم من بعد ذلك كلهم أدعوا أن انسابهم تمتد الى عرب الجزيرة العربية. وفى عرب الجزيرة العربية انتموا للنبى صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة ولم ينتمى أحد أو قبيلة لعمرو بن هشام (أبا جهل) مع أنه من سادات قريش وأبنه عكرمة من الصحابة الأجلاء ولا أدرى هل هذا التوجه نحو الأستعلاء والمزايدة هو نتيجة لشعور داخلى عند السودانيين بمركب النقص ولذلك يذهبون لتغطيته بالأنتساب او الألتصاق بما يظنون أنه قمة الصفات. ما دعانا لهذه المقدمة هو مزايدة السودانيين حكومة وشعباً على جميع العرب والمسلمين وذلك برفضهم أقامة علاقات سياسية وأجتماعية بدولة أسرائيل بحجج واهية سواءاً كانت عربية أو أسلامية. وأكثر القوى مزايدة فى هذا من يدعون أنهم عرباً أكثر من عرب الجزيرة العربية وأنهم مسلمين أكثر من بقية الدول الأ سلامية هم الأسلاميون والعروبيون فى السودان. وأظن أن السودانيين قد نسوا أو تناسوا أن بقية اعضاء جامعة الدول العربية قد وقفوا فى أعتبار السودان دولة عربية وأشد الدول فى ذلك كانت دولة لبنان. هذا هو أدعاء الرعيل الأول الذى حقق استقلال السودان بالعروبة ورفضهم للجانب الأفريقى فى تكوينهم ورفضههم الأنضمام الى دول الكمونولث مفضلين الأنضمام الى جامعة الدول العربية التى قياداتها رافضة لأعتبارالسودانيين عرباً وأعتقد أنهم محقين لأن السودانيين لا يحملون سمات العروبة شكلاً ودماءاً وثقافة أذ أن كل ما ذكرناه هو خليط بين الزنوجة والعروبة أما الأنتماء للأسلام فشئ آخر ومع ذلك السودانيين أكثر مزايدة رغم جهلهم الكبير بالفقه والشرع الأسلامى. وأكثر القوى تمسكاً بالعروبة كصفة أحادية للسودانيين وأن اسلامهم متفرداً هم القوى العقائدية فى اليمين من أخوان مسلمين وأنصار سنة وغيرههم كثر من الحركات الأسلامية ويضاف اليهم العروبيون من قوميين عرب وناصريين وبعثيين. لقد قام كثير من الأسلاميين والعروبيين بالهجوم على الداعية الأسلامى يوسف الكودة لأنه نادى بالتطبيع مع دولة أسرائل مستدلين على عدم المعاملة مع اليهود من منطلقين أحدهما من منطلق عروبى بأن اليهود اغتصبوا أرض الفلسطينيين العرب من ناحية عروبية وأنهم احتلوا بيت المقدس من ناحية أسلامية لأن القدس هى أولى القبلتين للمسلمين وكلا المبررين باطل ولا تسنده الوقائع التاريخية بأى حال من الأحوال. فمن ناحية عروبية وضد أغتصاب أرض الغير غلاباً فان الحقيقة التاريخية تقول أن أرض فلسطين هى أرض اليهود من قبل العرب الفلسطينيين فهى أرض وموطن سيدنا يعقوب بن أسحق بن ابراهيم خليل الله وهو الذى عرف باسرائيل وهو والد الأثنى عشر أسباطاً واستمرت ذريته فى هذه الأرض حتى بعد مولد سيدنا عيسى بن مريم وحتى دخول العرب المسلمين هذه الأرض وطردوهم ولذلك تفرقوا فى اصقاع الدنيا وخاصة فى أوروبا الى أن حلت عليهم نكبة هتلر الذى أباد غالبيتهم ولذلك تعاطف معهم الآخرون للرجوع الى أرض موطنهم الأصلى وهى أرض فلسطين هذه. أضافة الى أن اليهود والمسيحيين تاريخهم مرتبط بهذه الأرض التى بارك الله حولها وخاصة تاريخهم المرتبط ببيت المقدس وكل آثار اجدادهم مربوطة بهذه الأرض وملوكهم منذ داؤود وابنه سيدنا سليمان فكيف يتسنى للأخرين ان يجردوهم من هذا الأرث والأسلام عرف بميزان العدل فما لكم كيف تحكمون؟. هذا اذا اضفنا أن اليهود قد قاموا بشراء أرضهم التى هى ملكاً لهم ماضياً وحاضراً ومستقبلاً وقد قاموا بشراء جل تلك الأرض بيع وشراء من الفلسطينيين. فكيف يكون لمن باع ارضه الحق بأدعاء ملكيتها. هذا وقد كان الأمر بعد وعد بلفور ان تقسم الأرض بين اليهود والفلسطينيين لقيام دولتين أو ان يعيشوا فى دولة واحدة مع بعض وقد قبل اليهود ورفض العرب فكانت هزيمة 1948م لكل الجيوش العربية وجاءت الهزيمة الكبرى لجمال عبد الناصر الذى قال انه سيلقى باسرائيل واليهود فى البحر فكانت هزيمته عام 1967م منكس الرأس وجاء اصحاب المزايدة فى العروبة ليرفعوا رأسه فى مؤتمر الخرطوم مؤتمر اللاءات الثلاثة وكان جزاء النظام الديمقراطى فى السودان من جمال عبد الناصر ان تأمر عليه بأنقلاب عسكرى بواسطة ضباطه الأحرار داخل الجيش السودانى فكان انقلاب مايو العروبى وكذلك الذى تم فى ليبيا بواسطة الضباط الأحرار الليبيين ليكون القذافى وذمرته. ولذلك لا اعتقد أن أغتصاب الأرض مدعاة لعدم التطبيع وألا لكان الواجب أن تقطع الحكومة السودانية علاقاتها مع مصر فهى محتلة لحلايب وشلاتين وان تقطع علاقاتها مع كينيا لأن مثلث أزو محتل بواسطة كينيا وتقطع علاقاتها مع أثيوبيا لأن أرض الفشقة محتلة بواسطة الأثيوبيين ولتقطع علاقاتها مع ليبيا لأن مثلث عوينات أيضا كان محتلاً بواسطة ليبيا. فلذلك يجب الا يزايد السودانيون على بقية العرب والمسلمين الذين طبعوا علاقاتهم مع أسرائيل، هذا اذا اضفنا أن الفلسطينيين أنفسهم يسكنون ويعملون داخل دولة أسرائيل وهذا قمة التطبيع فكيف يتسنى لنا أن نكون فلسطسنيين أكثر من الفلسطينيين. أما من ناحية اسلامية فلم أجد فى الكتاب والسنة ما يمنع التعامل والتطبيع فى العلاقات مع اليهود. وفى صدر الأسلام وزمن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كانت له تعاملات مع اليهود. وهنالك قصص كثيرة تدل على تعامل الصحابة مع اليهود تجارياً وديناً ورهناً. وهنلك من الصحابة من رهنوا دروعهم وسيوفهم لليهود مقابل الدين وهذا لا يمنعنا من القروض الأسرائلية وهنالك فلسطينيون كثر يقترضون ويتعاملون مع البنوك الأسرائلية. ثم نأتى للمتشنجين من ناحية اسلامية ويعتقدون أن بيت المقدس ملكاً لهم والحقيقة التاريخية أن الرسول صلى الله عليه وسلم أتخذ بيت المقدس قبلة له لأنه دخلها فى الأسراء وعرج به منها وعندما فرضت عليه الصلاة أتخذ بيت المقدس قبلة له ولم يكن راضياً لها تماماً ولذلك قال له جل من علا "أن أول بيت وضع للناس للذى ببكة" " ولنولينك قبلة ترضاها فولى وجهك شطر المسجد الحرام وأينما كنتم فولوا وجوهكم شطره ". فبيت المقدس حقاً وتاريخاً لليهود والنصارى مرتكز دياناتهم بمثلما مكة والمدينة مرتكز ديانة المسلمين ومع ذلك فأن اليهود لم يمنعوا المسلمين أن يزوروا مقدساتهم واعتقاداتهم وتعبداتهم فى بيت المقدس. ولذلك عندما فتحت القدس فى عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب لم يمس معابد وكنائس اليهود والنصارى بل رفض أن يصلى فى الكنيسة لئلا يقوم الذين من بعده بأغتصاب الكنائس غلاباً. وحتى الآن فى أوروبا تم تحويل كثير من الكنائس الى مساجد ولم يستنكر المسيحيون هذا التحويل ما دام هذه الكنائس قد صارت فارغة فلا ضرار أن يعبد فيه الله بديانات غير ديانتهم. لا أعتقد أن هنالك غضاضة فى التطبيع مع الدولة الأسرائيلية أذا كان هذا فيه مصلحة العرب والأسرائليين وفيه مصلحة المسلمين واليهود فهم أهل كتاب وليس كفاراً بالعلى القدير وهم أيضاً ذوى قربى فهم أبناء اسحق ونحن أبناء اسماعيل. ولهم التقدير والتجلة فمعظم أنبياء الله من ذرية سيدنا أبراهيم لأن الله قد قال وجعلنا فى ذريته النبوة والكتاب ومعظم الأنبياء والكتب المرسلة كانت فى ذرية سيدنا أسحق ويعقوب "أسرائيل" ونحن المسلمين ولو اردت أن تقول العرب فأنبائنا هم اسماعيل ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم هؤلاء الأنبياء والمرسلين. فيجب ألا نزايد نحن السودانيين على العرب ولا على المسلمين بأننا نحن العرب والمسلمين الحقيقيين وما غيرنا قشوراً عربية ومسلمين ويقينى ما ذلك ألا أنعكاساً نفسياً داخلياً بشعورنا بالدونية ونحاول تجاوزها بالمزايدات الفارغة هذه.