المرحوم علي عبد الله يعقوب (1): أحد المساهمين العظام في إفساد الحياة السياسية السودانية
* في الموت وصية إسلامية تربوية حسنة المقاصد حول الشفاعة للمتوفي واحترام حرمة الموت والمتوفي معاً عن طريق ذكر محاسنه قدر حدود الاستطاعة، ونحن إذ نقر بذلك نعترف للمرحوم علي عبد الله يعقوب غفر الله له، أن أحد أبرز حسناته هو اعترافه الصريح ودونما أي لجلجة بأنه كان مشاركاً عظيماً في إفساد الحياة السياسية السودانية في أخطر منعطفات مراحلها التي مرت بها.
* فقد كان الراحل المهندس البارع في استثمار حادثة معهد المعلمين العالي “حالياً كلية التربية جامعة الخرطوم" وعمل على حل الحزب الشيوعي عام 1965، عندما وقف طالب وصف بالسفيه وخاض في أعراض بيت النبوءة، خلال ندوة طلابية سياسية أقيمت في باحة المعهد، ثم ادعى أنه شيوعي.
* وبقرني استشعار ذكية وتحت مسميات الحمية والغيرة على سيرة الرسول الكريم، تحرك يعقوب في كل مساحات الاتجهات السياسية والفكرية التقليدية والمحافظة، من أجل تصوير ما تم باعتباره إعتداءاً صارخاً على الاسلام، وعلى وضرورة التصدي للحزب الذي فرخ كوادر تتبجح في رابعة نهار المسلمين بكفرها، والغريب أنه عندما اتصل في أولى تحركاته لاقناع قادة حزبه في حركة الأخوان المسلمين وحزبهم السياسي "جبهة الميثاق الاسلامي " وقتها، وكان أبرزهم كل من د. الترابي ود. عبد الرحيم حمدي سكرتير صحيفة حزبهم باسم "الميثاق"، لم يقتنعوا في بداية الأمر بوجهة نظر أخيهم في الله معتبرين أن ما جرى هو عادي وفي إطار نشاط طلابي بين تيارات سياسية متباينة ولا يرقى لمستوى رفع الرماح والسيوف.
* لم يقنع يعقوب ومضى لتنفيذ مخططه الجهنمي وحده وهو يستهدف حل الحزب الشيوعي السوداني، أو على أقل تقدير الحكم بكفره عن طريق استغلال حادثة المعهد، وهكذا وعن طريق اتصالات أجراها بهمة وخفة وسرعة وبدهاء ومكر سياسي، مع قوى دينة محافظة ورجال دين وأأمة جوامع وحفظة قرآن وقضاة شرعيين، استطاع أن يحرك حميتهم تجاه "إسلامهم"، إضافة لجر كل من طائفة الأنصار وحزبي الأمة والوطني الاتحادي الذي حدى بزعيمه إسماعيل الأزهري ،، زعيم معارك الاستقلال ومؤلف كتاب الطريق إلى البرلمان لكي يعتلي أحد طوابق منزله بمدينة أم درمان فيخاطب مظاهرة رتبها الأخوان المسلمون من غوغاء الشارع السياسي ويخطب فيها مصرحاً بجاهزيته للنزول للشارع وقيادة المظاهرات إن لم يستجب البرلمان لمطلب الشعب بالحل الفوري للحزب الشيوعي.
* وهكذا استطاع يعقوب أن يجر القوى المعادية للحزب، إلى أتون معركة حله وتعطيل نشاطه وطرد نوابه من البرلمان، وهي نفسها القوى التي انتظمت لاحقاً داخل جبهة الدعوة للدستور الاسلامي وتطبيق الشريعة الاسلامية والتحول إلى الجمهورية الرئاسية بدلاً عن البرلمانية.وكأن مشكلة البلاد تكمن في هذه الجزئية! حيث توصلت الجمعية التأسيسية في اجتماعها التاريخي في الخامس عشر من نوفمبر عام 1965 لقرارها الكارثي عن طريق العددية الميكانيكية وأجازت قراراً يلزم الحكومة إلى تشريع قرار بحل الحزب الشيوعي وحظر نشاطه وطرد نوابه من البرلمان. وعندما انتبهوا إلى أن القرار يأتي مخالفاً للدستور، لم يحاروا فلجأوا دون أن يطرف لهم جفن لتعديل الدستور نفسه ليأتي متوافقاً مع مراميهم السياسية، وهكذا نالوا ما أرادوا، فمهدوا لما هو أسوأ عندما انقض الانقلاب العسكري للنميري في 25 مايو 1969 وقطع الطريق أمام أحزاب اليمين التقليدي التي كانت تمهد لفرض الدستور الاسلامي، ثم لاحقاً أجهز على ما تبقى من آخر حقوق للجماهير في حريات التعبير وحقوق الانسان بمصادرته لنشاط الأحزاب وتعدديتها، وهكذا دخلت بلادنا في أتون الحلقة الشريرة للانقلابات العسكرية التي استطاعت ثورة أكتوبر إبطلها لحين، بحكم تآمر السيد يعقوب وباعترافه على كل نضالات الحركة الجماهيرية.
* ما هو جدير بالملاحظة أن الراحل يعقوب، يوصف بعدة ألقاب وتسميات في أروقة الحركة الاسلامية وحزبها بأسمائه المتعددة، فهو عندها شيخ شيوخها، ثم هو عندها المشرف على قطاع شباب المسلمين، في منظمة الشباب الوطني، في شرخ شبابه وقتذاك، ثم مديراً لجماعة المسرح السوداني بفرقته المغمورة ستينات القرن الماضي، وهو أيضاً صاحب مشروع بنك فيصل الاسلامي الذي أقنع الأمير محمد الفيصل بالاستثمار به في السودان، فولد هذا البنك "الفلتة"، ثم أول من صاغ تعبير "المسيرات المليونية" في المنطقة العربية عندما أعلن عنها سنوات تطبيق "قوانين سبتمبر" فترة لوثة نميري الدينية عام 1983، وهو الذي تباهى كثيراً عند استضافاته المتعددة في البرامج التلفزيونية بأنه ناظر الشهيد محمود محمد طه وفند طروحاته الفكرية والفقهية وهزمه فكرياً حتى ضج الجمهور المتابع بالضحك على الشيخ محمود، مما كاد أتباعه أن يفتكوا بالحاضرين حسب إفاداته، ثم هو صاحب ومالك المشاريع الزراعية الكبرى بالنيل الأبيض. وفوق كل هذا وذاك فهو العقل الأساسي المدبر لفتنة وحوادث حل الحزب الشيوعي السوداني عام 1965.
* فأين هي إذن يا ترى مساهمات الراحل الملموسة فكرياً؟.
{نواصل}
ــــــــــــــــــــــــ
عن صحيفة الميدان sudancp.com
helgizuli@gmail.com