للحفاظ على البناء الأسري من المهددات المحيطة

 


 

 


كلام الناس السبت

• *تفاقمت المشاكل الأسرية التي كتبنا عن بعض نماذجها في "كلام الناس السبت" أكثر من مرة، خاصة في المجتمعات المفتوحة المختلفة ثقافياً ومجتمعياً، وقد طفح الكيل للدرجة التي بدأ البعض يطرح هذه المشاكل في فيديوهات منتشرة عبر وسائط التواصل الإلكترونية.

• * إستمعت في اليومين الماضيين لأكثر من فيديو يجأر أو تأجر فيه المتحدث/ة عن بعض حالات إنهيار الأسر السودانية نتيجة ل"الصدمة الحضارية" التي تسببها النقلة النوعية بعد الإنتقال لهذه المجتمعات الحضارية مادياً الغريبة عننا ثقافياً.
• * ليس المجال هنا مجال تلاوم أو تبادل إتهاملات لأن الخلل في كثير من الأحيان يتم من خلال الفشل المشترك في الحفاظ على البناء الأسري متماسكاً، وذلك بسبب سطوة الحياة المادية الجافة داخل الأسرة وسط مغريات سهلة التناول خارجها.
• * لسنا في حاجة للحديث عن الفهم الخاطئ للإستقلال والحرية الفردية وإساءة إستغلالها من أي طرف من اطراف الاسرة، لكن المؤسف هو إفتعال المشاكل المصطنعة و إصرار الطرف المتطلع للإنطلاق من القيود الأسرية على اللجوء للشرطة وإلقوانين السائدة في هذه البلاد دون إعتبار للقيم والمعاملات والموروثات الثقافية الخاصة.
• * لهذا إنتشرت ظاهرة الطلاق وسط الأسر السودانية في أستراليا وأمريكا وأوروبا، وبعض حالات الطلاق تتم كما ذكرنا مع سبق الإصرار والترصد وإختلاق المشاكل والهفوات للحصول على الطلاق من أجل الإستمتاع الظاهري بالحياة الجديدة بكل مافيها من خروج على أخلاقيات المسؤوية الأسرية.
• *مهما تكن الأسباب والدوافع التي تجد من يغذيها من بنات واولاد الحرام الذين يستغلونها لإيقاع الاخرين في شباك الإنحراف والرزيلة تحت مظلة الحرية الفردية والتحلل من القيود والإلتزامات الأسرية.
• *مرة أخرى نؤكد أننا لسنا بصدد إلقاء اللوم على طرف دون الاخر أو تقديم النصح والإرشاد لأن " الحلال بين والحرام بين" لكننا قصدنا فقط التنبيه للمخاطر المحيطة والإغراءات سهلة التناول في المحيط المجتمعي الجديد، التي تهدد البناء الأسري .
• * نقول أيضاً انه : مازالت هناك فرص مواتية أمام الأسر لمواجهة الإختلالات المادية والنفسية والعاطفية بتعزيز مشاعر المودة والرحمة والتقدير المتبادل لتحقيق التوازن المطلوب بين موجبات الإندماج المجتمعي و التماسك الأسري الأهم للبنات والأولاد الأكثر تضرراً من إنفراط عقد الأسرة والاكثر تعرضاً للضياع والإنحراف والجريمة في غياب المسؤولية الأسرية والتربوية.

noradin@msn.com

\\\\\\\\\\\\\\\


مفازة الإياب: الجزء الثاني: النجيع .. فصل من رواية.

لا خيط أبيض أو أسود يلوح عند فجر الانتظار. لا قبسٌ يضيءُ عتمة الرجاء، فهل ثمَّة وفاء؟ عند أقصى الاحتمال، تبرق شظايا النجوم، أمطارٌ وغيومٌ، وخيالٌ يرمح بين قطرات الدمع، كجناحي طائرٍ يرفرفُ هارباً من بؤرة الهمود. طائرٌ عنيدٌ، ومقلةٌ حزينةٌ سكبتْ قطرةً من الدمعِ على حبة رملٍ، صفعتها ريح الدروب. فلأيِّ الأقدار سترمي بها العواصف، والغيوب، وهل أتاك حديث القلوب؟
الخزَّافة قررت تحدي الكهنة والأحزان، ومضت إلى عشيقها المصلوب تحمل قارورة عطر.. تحدَّت الخوف وعيون الملك، وقصدت شجيرات السُّنُط، حيث صُلِبَ الرَّاعِي غير بعيدٍ عن الضفاف.. غير وجلةٍ ولا هيابةٍ توغَّلت وسط الشجيرات. وحين أبصرته، مصلوباً على جذع شجرةٍ عتيقةٍ؛ صفعتها موجةٌ عاتيةٌ من القشعريرة، ثم غمَّ على قلبها، لكنها تقدمت بعد حين، تغالب الدموع.. اقتربت منه فأبصرت قطرةً من الدم، يبست عند زاوية فمه اليسرى فارتعدت.. اختلج جسدها من حزنٍ صاعقٍ؛ سقطت القارورة من كفها، وانثالت قطرةٌ من العطر.. منتوفة الأعصاب في مرجل التوتر، وبصرها معلقٌ بقطرةِ العطر على التراب.. لحظاتٌ من الكَبَد، كأنَّ الزمن قد توقف عن المسير. وحين انحنت إلى الأرض، وكادت أناملها تلامس القارورة، شَخَصَ بصرها إلى وجهه المصلوب، الغارق في السهوم. كأنَّه مسافرٌ إلى عوالمَ مجهولة. وكأنَّه سابحٌ وسط الغيوم.. مسَّت القارورة بأناملها، ثم تناولت حفنةً التراب المبتل بالعطر. فركتها بين كفيها، ثم مسحت بها وجهها، بينما خيالها يراوغ شهد الذكريات.. أغمضت عينيها لبرهةٍ فرشحت حبيبات العرق من صدغها.. هل تتقدم إليه وترشه بالعطر، ثم تمسح به قدميه؟ دارت بدماغها الخواطر، وشوَّش أذنيها فحيح التردُّد، ثم دهمتها أطياف التوجّس.. ممَّ تخاف؟ هل أرعبتها قطرة الدم، أم أنَّها خافت من الميت؟ وما الموت؟ أهو صنو الحياة أم خصمها؟ غطت عينيها غشاوة الدمع، وانفلت خيالها بحثاً عن أمان: رأت الأشجار وارفة الظلال، وأمها وأباها على الضفاف ساجيين. بلَّلهما الندى وحولهما تحلِّق الفراشات، وفوقهما طيورٌ تغرد لحن الإياب عند الغروب. كان لهيب الشمس يتراقص على سطح النهر، وثمَّة من يناديها. خيِّل إليها أنَّها عادت طفلةً. ركضت إلى أمها واندست بأحضانها. برفقٍ مسحت كف الأم على شعرها، ضمَّتها إلى صدرها، ثم قبَّلت جبينها.. رشيقةً تركض على الضفاف، تطارد الفراشات، ثم تتوقف لتلملم قواقع النهر وتتأمل ألوانها. قواقع بأحجام مختلفة حملتها على كفيها، ثم عادت ركضاً إلى والديها الساجيين. كانت الطيورُ تغرد شجناً نازفاً بالتمنِّي، وشراعٌ يلوح عند الأفق الغربي. زورقٌ يعبر عرض النهر.. ريحٌ تهفهف الشراع فينطلق الزورق وسط الأمواج، التي تصاعدت وتلاطمت. صفعت الريحُ الشراع فارتج الزورق، طوَّحت به الأمواج فولولت بصدرها أصداء النحيب.. طفلةٌ تركضُ في المدى، تمدُّ ذراعيها شراعاً علها تُدْرِك أمّها التي تلوح على الأفق البعيد، قبيل أنْ تُدْرِكها عتمة الغروب..
في دوامة الحيرة ظلَّت ترنو إلى أفقٍ غامضٍ، ثم نكَّست بصرها إلى التراب. خيِّل إليها أنَّ الرَّاعِي المصلوب ينظرُ إليها في عتاب! فإلى متى ستظلُّ واقفةً؟! رمحت بخيالها بعيداً عن سهام الأحزان، وعن أقواس الردى. ثم تمترست في بؤرة التمنِّي، علَّها تروِّضُ الاحتمال..
اكتملت أناشيد الوداع إلا من رحيق الفراق. وفي الرمق الأخير من تجلي البصيرة، غشيتها أطياف الرؤى.. لبرهةٍ سحيقةٍ أدركت، أو كادت، خيط المعنى، ثم انبهمت الدروب. وكأنَّها عند حافة الغيوب؛ قطراتُ العرق على جبينها، وبين رموشها دمعٌ حائرٌ، وعلى لسانها طعم قطرة الشهد والنحيب..

□□□


عباس علي عبود

abbaskawa@gmail.com

 

آراء