سيشارك احمد عبدالله جلاب وفرقته الموسيقية Sinkane في مهرجان كرمكول الثقافي الضخم الذي أعدت له كل من منظمة اليونسكو ومعهد جوته والوكالة السويسرية للتطور والتعاون والصندوق الدولي لترقية وظيفة الثقافة والذي يستمر على مدي ثلاثة أسابيع بداية بمنتصف هذا الشهر. ووفق ما جاء من خبر من منظمي المهرجان بانه هو الاول من نوعه اذ يجمع ما بين المعرض السوداني الثقافي وفنانين عالميين في ورش عمل وعروض ثقافية متنوعة تضم الموسيقى والسينما والمسرح و الآداب.
وبقدر ما يعرض المهرجان مسالة الثقافة السودانية في ابعادها وتنوعها فهو ايضا يعرض ايضا والعالم شهود في ارقى ممثليه القائمين بأمر الثقافة من فنانين سودانيين وعالميين مشاركين في المهرجان ومنظمات مثل اليونسكو ومن معها من منظمات اخرى العمق التاريخي الذي يقوم عليه السودان كتجربة إنسانية تتجاوز التاريخ والجغرافيا وما تواصل في ذلك من اثر ومن ما يتواصل من احوال وتجليات ثقافية تجاوزت المكان لتعطي الزمان ما جادت به تجربة جموع وأفراد السودانيين الثقافية. هنا وبلا شك قد يرد اول ما يرد الى الذهن العام والخاص ان كرمكول وهي مسقط راس الطيب صالح والذي جعل منها بقعة ثقافية مضيئة تأملها وظل يتأملها العالم في الجامعات والمكتبات وجموع وأفراد الذين يجيدون القرأءة على طول وعرض العالم. بدأ ذلك ذات يوم من موقع الطيب في لندن حيث كان هو من اوئل سودانيي دياسبرا القرن العشرين. واليوم يأتي احمد جلاب الذي ولد في لندن الى كرمكول كواحد من شباب الديسبرا السودانية الجدد من نيويورك ليقدم واقعا جديدا تتداخل فيه الهويات الصغيرة مع تلك الكبيرة لتحكي لنا وللعالم كيف تتسع تلك الهويات لتجد أمكنة هامة في إطار الزمان الثقافي والقيم الكبرى لإنسانية جديدة هي من تجليات واقع العولمة وما أعطى الجماعات العاملة في إطار الجهد الإنساني من هويات جديدة تجاوزت الهويات الصغرى وان احتوت الهويات الاولى.هنا يتجلى لنا النموذج الجديد لسودانيي المهجر الذي اتسع ليشمل ما يقارب ثلث عدد المواطنين السودانيين. جاءوا يحملون همومهم واولادهم وخرج من رحم تلك التجربة من تعالوا على الآلام ليعطوا مجتمعاتهم الجديدة والبشرية ما يعلي من مقام هويتهم الموروثة والمكتسبة.
اول ما جاني من اخي جابر عبدالله معروف وهو من المهتمين جدا بأصول اهلنا الذين هم من المكون الأساسي لما نتعرف عليه جميعنا "بناس بارا" عن ما ذكرت له بان احمد سيشارك في مهرجان كرمكول الثقافي ان قال لي ان كرمكول هي بلد الطيب صالح وبها قبة ودبوبا مشيرا الى أصل اهلنا الذين توافدوا من ذلك المكان ذات يوم الى بارا وثم انتشروا في كردفان شمالها وجنوبها ليكونوا بعضا عضويا من المكون الاجتماعي والاقتصادي والزراعي لكردفان ومن ثم السودان. وكردفان وتجربتها الانسانية تمثل جزءا أساسيا في هويتنا كسودانيين بما أعطت في إطار المكون السوداني. وقد فاجأني احمد جلاب ذات يوم عندما عرض على واحدة من أعماله الموسيقية التي اسماها كردفان كما عرض على مرة اخرى عملا آخراً اسماه ام درمان. والذين يعرفون ام درمان يعرفون ايضا ان بارا واهلها هم جزء هام من المكون الاجتماعي لام درمان منذ الوجود الاول لامدرمان عاصمة الثورة السودانية الكبرى ومن ثم المركز الشعبي والثقافي للسودان.
هنا كان لابد لي من أتأمل جليا عندما يصل احمد جلاب الى بارا في الأيام القادمة كيف لمهرجانات الهوية تلك ان تتداخل في بعدها الإنساني لتجعل من كل تلك الامكنة منابر مشرقة للجهد الإنساني السوداني في تعظيمه وهو ان الهوية السودانية هي تلك التجربة الانسانية التي هي اعمق من التاريخ واسع من الجغرافيا الامر الذي ظل وسيظل يقف شامخا ضد كل ما يقع في إطار من يسعى بالسودان من كل محاولات تغزيمه.