اللحمة مسكول.. والكريم قدر ظروفك.. والغاز بالكيلو .. . بلدو: الحكومة تمارس حرباً نفسية على المواطن .. كبج: الأزمة الاقتصادية الحالية أكبر من النظام الحاكم…
الكثيرون كانوا يظنون أن ما يتداول حول تناول بعض الفقراء والمساكين لرؤوس الدجاج وأحشائه، وبيع كيلو اللحمة بالقطاعي بوزن إضافي مبتكر كـ(نصف الربع) أو ما يعرف بـ(المسكول)، أمراً فكاهياً ومحض خيال وليس له وجود على أرض الواقع إلا أنه تم التأكد والكشف عن هذه الظواهر الناتجة عن الضغوط الاقتصادية التي أوصلت المجتمع إلى درجة من الفقر. فلم يجد أمامها سوى ابتكار اسلوب جديد كي يعيش وتبعاً لهذه(المخارجات)، أصبحت الحكومة تلجأ للحلول العشوائية غير المدروسة حتى تُجمِّل بها وجه الاقتصاد المشوه القرارات الأخيرة تدل على تخبطها وعدم قدرتها على إيجاد طريق للخروج لبر الأمان حول هذه القصاصات المعقدة أجرينا قراءة مع بعض المراقبين للوضع الراهن فإلى ما جاء في تفاصيله .
الخرطوم: صحيفة الجريدة
لحمة مسكول.. هو عبارة عن وزن أقلّ من ربع الكيلو مخصص لتلك الأسرة التي لا تستطيع الحصول على ربع (كيلو لحمة) ويحدث ذلك بالمناطق الطرفية في الغالب إلا أنه مؤخراً أصبح معمولاً به في بعض الأسواق في وسط العاصمة مما يدل على أن الأزمة أصبحت عامة وأن السواد الأعظم من الأسر لا يستطيع شراء (ربع كيلو لحم).. حالة الفقر الإجباري التي داهمت المواطنين زادت من حيرتهم وارتفعت تكاليفهم اليومية وأصبحوا أسرى للهموم في محاولة منهم للخروج من هذا النفق. قدر ظروفك.. أول ما استخدم هذا المصطلح كان من قبل الفتيات حيث كن يحصلن على (الكريم) من محال بيع الكريم (بوتيك) بالقطاعي حيث ابتكر أصحابها هذا النوع من البيع لتصريف بضاعتهم وكسب أكبر عدد من الزبائن، حيث يُباع الكريم بالـ(ملعقة) الصغيرة من جنيه حتى وصلت الملعقة لـ 5 و10 جنيهات) بعد ارتفاع أسعار كريمات التفتيح لأكثر من (150 _200 جنيه) الأمر الذي أدى لتذمر الفتيات ورفضهن القاطع لسياسات الحكومة كما علق بعضهن على مواقع التواصل الاجتماعي بشيء من الطرفة (الكريمات خط أحمر) وما بين السخرية والواقع تظل موجة الاحتجاجات متواصلة على تأزم الوضع الاقتصادي. الغاز بالكيلو.. وزارة النفط والغاز قالت: بأنها بصدد بيع غاز الطهي بالكيلو للمواطنين، من يقرأ الخبر يرفع حاجب الدهشة ولكن عندما يعود إلى الواقع فلن تستغرب.. فالحكومة عودت مواطنيها على القرارات السطحية وغير المنطقية، في ظل تهجس المواطن من انحدار الأزمة الاقتصاية . الخبير الاقتصادي محمد إبراهيم كبج يرى أن المخرج من الأزمة الحالية لا يتم إلا بحكومة جديدة بدلاً عن النظام الحاكم تشارك فيها كل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والقطاعات المختلفة، لأن الأزمة الراهنة أكبر من النظام بالرغم من أنه هو من خلقها، وأضاف المؤتمر الوطني يسخر منا وهي الآن تلهث تجاه المبادرات إذ أنها تطلق في كل يوم مبادرة جديدة حتى ترقع الحكم. وهذا ما لا يجدي في مثل هذه الظروف، واستغرب كبج من تصريحات الحكومة التي تشير فيها بأن هنالك مؤامرات ضدها بالداخل والخارج، وقال يجب أن تنصرف عن هذه التصريحات وتتيح الفرصة للجميع للمشاركة في الحكمة وتترك سياسة الكنكشة التي لا تجدي في معالجة الوضع السياسي والاقتصادي، والمخرج الوحيد هو تغيير النظام الحاكم وإشراك كافة القطاعات السياسية. اتهم البروفيسور علي بلدو أستاذ الطب النفسي والعصبي والصحة النفسية وزارة المالية والنفط وبنك السودان بممارسة حرب النفسية على الموطن السوداني موضحاً أن التعبير عن الأخبار السيئة وحدوث زيادات في الأسعار والإجراءات المصاحبة لها يجب أن تخدع لمعايير نفسية صارمة في طريقة توصيلها للمواطن وإرشاده للتعامل معها وكيفية الخروج من آثارها السالبة ويلي ذلك تهيئته بطرق متعارف عليها دولياً إلا أن وزارات الحكومة الاقتصادية قد رسبت في مادة توصيل الأخبار السيئة بامتياز، وأصبحت هي نفسها أول مَن يمارس هذه الحرب النفسية على المواطن وتؤدي لشعوره العارم بعدم ارتياح وبالتالي أصبح يعاني من ارتفاع الأسعار كما أصبح يعاني من اضطرابات التصريحات واختلاط الحابل بالنابل في الطواقم الحكومية التي أثبتت فشلها الشنيع والذريع في التعامل مع هذا الملف وهو ملف معاش الناس.. وبحسب بلدو فإن أولى الآثار لمثل هذه القرارات والأخبار غير المدروسة هي شعورالكثير جداً من المواطنين بالهلع والذعر، وهذا يؤدي إلى حالة من عدم التوازن الشعوري داخل المنزل والرغبة في شراء احتياجات غير ضرورية أو اللجوء للبنوك والصرافات وأماكن تبادل العملة وما شابه للحصول على أكبر قدر ممكن من السيولة نتيجة لهذه الحالة النفسية الشنيعة التي وصل إليها المواطن نتيجة لهذه السياسات أضف إلى ذلك ايضاً عدم الثقة في التصريحات الحكومية والشعور بالخوف من المستقبل مثل الزيادات المتوقعة أكثر أو الشح أو الندرة، وهذا ينتقل أيضاً للتجار والوكلاء وبالتالي تزداد النار سعيراً واستعاراً وتؤدي للتخزين والاحتكار والتهريب وما شابه نتيجة لعدم اليقين في المستقبل والذي أصاب الكثير جداً من المستهلكين السودانيين وليس هذا فحسب بل يتعداه للشعور بأن القادم أسوأ وهذا يؤدي لزيادة في معدلات القلق والتوتر وعدم الاستقرار الذهني الذي ينعكس حتى على أداء الطلاب في الامتحانات وأداء الحياة الأسرية والعمل المكتبي التي تصيب الكثيرين بحالة من حالات الإحباط واليأس والشعور الدائم بالإعياء البدني والاقتصادي نتيجة لواقع السوق والذي زاد ايضاً من صعوباته مثل هكذا أخبار التي تطلق جزافاً وتؤدي لزيادة الهلع والخوف كما تصيب الكثير من هوس بما يمكن أن يأتي في الأيام المقبلة وسيكون أسوأ مما عاشه على أرض الواقع. كما يضيف بلدو أن الأخبار المتعلقة ببيع الغاز بالكيلو أو مراكز البيع المخفض أو البطاقة التموينية وغيرها من اجراءات يمكن النظر إليها باعتبارها رحيمة بالمواطن وتهدف لتخفيف وقع المعيشة عليه الا أنها في واقع الأمر ظاهرها الرحمة وباطنها من قبله العذاب؛ لأن هذا يعطي شعوراً نفسياً للمواطن بأنه يعيش ظروفاً استثنائية ويعيش في عام الرماد غير المعلن ويعيش في أوضاع يمكن أن تؤدي به لمجاعة طاحنة أو ضيق في العيش، وبالتالي شعوره بعدم الراحة في طرق تحصيل الحياة اليومية كما تؤدي أيضاً لاستهلاك غير مبرر للموارد وبالتالي زيادة في الأسعار وظهور أنماط استهلاكية جديدة تعبر عن هذه الروح غير المستقرة وشعور بعدم الأمان النفسي في التعامل مع السوق بكل تجاهاته سواء كان حكومياً أو موازياً أو حتى على نطاق الأحياء وأماكن العمل. وتوقع د. بلدو حدوث هجمة شرسة من المواطنين البسطاء على الأماكن الاستهلاكية وشراء الكثير من السلع وتخزينها وايضاً سحب الأرصدة من البنوك وتسهيل الكثير من الأصول العقارية والزراعية والصناعية وتحويلها لأماكن أخرى أو الاحتفاظ بها في المنزل وهذا بدوره سيؤدي إلى ظهور أنماط مختلفة من الجريمة كالاحتيال والسرقة والنصب وقد تكون أكثر من ذلك بسبب مثل هذه التصريحات غير المسؤولة. خروج.. ليست المرة الأخيرة التي تصدر فيها الحكومة تصريحات مضحكة ومحيرة في ذات الوقت، فالخطط التي ترسمها لا تتماشى مع الأزمة الاقتصادية التي فاقت تصور الجميع كما أنها لا تتوزن مع السواد الأعظم من الشعب الذي يغالب معظمه الفقر لأنه غير قادر على توظيف هذه الحلول التي تحتاج إلى خطط أخرى تتعلق بالإنتاج والتمويل كما يشير المحللون الاقتصاديون، ولكن إصرارها على مواصلة خططها غير المجدية سيعقد الأزمة أكثر وهذا ما يخشاه الكثيرون، والسؤال الذي يطرحه المواطن البسيط إلى أين نسير ومتى تنتهي هذه الأزمة ؟. الجريدة