معقولة بروفيسور محمد جلال هاشم!!
عبدالله مكاوي
19 July, 2022
19 July, 2022
بسم الله الرحمن الرحيم
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
قبل التعليق علي اندهاش بروف محمد جلال هاشم من دعوة التشبيك في آلية وحدة قوي الثورة مع 70 جسم ثوري! تجدر الاشارة الي ان وحدة قوي الثورة ظل هاجس يؤرق الكثير من الحادبين علي نجاح الثورة، في اسرع وقت وباقل كلفة، من مختلف الاتجاهات والتوجهات. لدرجة ان البعض اطلق عليها محقا الفريضة الغائبة. وهذا الهاجس ليس ترفا او استجابة عاطفية لدعوات التحشيّد، ولكن لان تبعثر الجهود وكثرة الاجسام وتعدد المراكز، اضعف من فاعلية الحراك الثوري، وجعله يستمر طوال الفترة الماضية، دون ان يحدث اختراق حقيقي، في اي من اهداف الثورة الاساسية.
كما ان انتصار الثورة (هو بالمناسبة ليس مضمون كما يعتقد المتفاءلون) رهين بوعي مكونات الثورة بنقاط قوتها وضعفها، واهم عوامل القوة تجسده وحدة قوي الثورة. وكذلك بمعرفة نقاط قوة وضعف الخصم، وهو في حالتنا الراهنة المكون العسكري وحلفاؤه، الدولة العميقة واسلاميوها، محور الشر ونفوذه وقدرته علي التاثير. وهو عدو يحتكم علي كل هذه الامكانات ويسيطر علي السلطة وجهاز الدولة فعليا. والحال كذلك، هو ليس بالخصم السهل كما يتوهم الكثير ممن يعتقد ان اسقاط النظام تفصيل بسيط، وهو قادر علي انجازه بصورة منفردة، بل وله متسع من التصورات ليشغل نفسه بما يلي اسقاط النظام من كيت وكيت وكيت!
مع العلم ان نجاح الثورة لا يخص الثوار او ينتفع به الناشطون في الحقل السياسي وحدهم، ولكنه يعود بالنفع علي كل المكونات، ما عدا الطغمة الانقلابية والمستفيدين من الانقلاب وهم اقلية الاقلية. وهذا يعني ضمن ما يعني ان الثورة شأن يخص جميع هذه المكونات، وتاليا لها نصيب في تحمل المسؤولية يكافئ تعددها وسعة حجمها وحريتها في تحديد خياراتها. بمعني يجب إلا يصادر الثوريون الخيارات المتباينة بحجة الشرعية الثورية، ولكن ان تتاح اكبر مساحة للتعبير عن كل الخيارات والآراء وتحديد الاولويات، في فضاء يسمح ببلورتها، للخروج باشمل تصور يخرج البلاد الي بر الامان. اي الثورة تعني المزيد من الحرية والمسؤولية والقطع مع ثقافة الاستبداد وعلي راسها فرض الوصاية.
وهذا يقودنا الي ان اقصاء مكونات عريضة حزبية ومهنية ومدنية ومستقلة، عن المشاركة في الفعل الثوري، من موقع الاصالة، علي كافة المستويات، وحصره في جهة واحدة (لجان المقاومة) كمقرر للمطلوبات الآنية والمستقبلية، يحمل مخاطر جمَّة منها:
اولا، ترك العبء علي لجان المقاومة وحدها لتقوم بكل الانشطة التعبوية والنضالية والسياسية، ليضاف لها عبء استلام السلطة وتكوين المجلس التشريعي والمشاركة في ادراة الدولة، كما تطرح عديد من الجهات! هذا فوق طاقة اي جهة او مكون مهما كانت امكاناته وقدراته! والحالة هذه، من يتصور ان كل هذه الاعباء يمكن تتاح لجهة واحدة او عدة جهات ذات توجه واحد! فتحمل هكذا عبء لا يعني فشلها المحتوم في كل الجبهات، ولكنه يعني اكثر قطع الطريق حتي علي مد يد العون لها. وعليه، اكبر خدمة تُقدم للجان المقاومة بمختلف تشكيلاتها مواثيقها، وقبلها للثورة ومصلحة البلاد، ليس موافقة اللجان علي اطروحاتها كمكافأة لها علي القيام بعبء النضال، او حياء من تضحياتها الجسام، او فاعليتها في الشارع كاكبر مؤثر في الجبهة المعارضة. وانما بتوضيح ظروف المرحلة الراهنة وتوازن القوي وافضل السبل للتعامل معها، مع وضع المطالب الاستراتيجية في الحسبان كبوصلة حركة ودليل طريق. فمثلا ناهيك عن اسقاط الانقلاب وتصفية ارث النظام الانقاذي وما يحتاجه من تكاتف وصمود، فكم بالله تحتاج هذه البلاد من مجهودات جبارة وامكانات مهولة وعقول نابهة وارادة حديدية وعمل دؤوب، للسيطرة علي السلطة دون تهديدات، وادارة كل هذا التنوع والمشاكل المعقدة والانهيار الاقتصادي والتدهور الامني بحنكة ودراية، واعادة بناء الخدمة المدنية لتستوعب برامج التغيير ومشاريعه. اي باختصار ادارة دولة غير موجودة، بتقاليد وكوادر غير متوافرة، ومشاريع واقعية في رحم الغيب.
ثانيا، محدودية لجان المقاومة، لانه مهما كان عددها وامكاناتها فهي اقل قدرة علي تنويع وسائل المقاومة بما يشكل تهديد جدي للسلطة الانقلابية، الشئ الذي يفتح الطريق امام اسقاطها. وهو ما يعني ان تنويع وسائل واساليب المقاومة، يستدعي اتساع الطيف المقاوم وكسب اكبر قطاعات لساحته. فهل يمكن الحديث عن اضراب سياسي او عصيان مدني كما ظل يطرح دوما، دون مشاركة حقيقية وفاعلة من المهنيين؟ اما المفارقة ان دعوة التشبيك تكاد تغطي معظم هذه المهن! وحتي اذا افترضنا انها كيانات ضعيفة كما يتساءل بروف جلال عن اهليتها، فالمؤكد انها خير من عدم وجودها، اقلاه وجودها يسمح بالبناء عليها وتقويتها، بدل اهدار الزمن في البناء من نقطة الصفر، وهي نفسها ستحتاج لذات هذه الاجسام المهنية!
اما اذا كان هنالك من تساؤل حول طبيعة هذا الاجتماع والتشبيك، هو ليس حول صحة او اهمية هكذا اجتماع يتوخي وحدة مكونات الثورة؟ ولكن حول هل هكذا اجتماع يفترض انه النواة التي تجتمع حولها بقية المكونات (اعادة انتاج نقطة البداية كدائرة مفرغة تمنع تراكم الخبرات والنضوج)؟ ام انه جزء من مجهودات اخري بذلت سابقا في ذات الاطار الاعرض، وتم التنسيق معها واستصحاب جهودها وتجاوز عثراتها، مع الاعتراف لها بقصب السبق، والاهم امتلاك تصور لكيفية العمل الجماعي بحيث يجسد روح الحرية والجدية والمشاركة والمساواة والتعاون وطول النفس، مع الوضع في الحسبان عامل الزمن وجسامة المهام؟
اما بخصوص تساؤلات البروف المحترم وهي اقرب للشكوك (المقصود مقالته المعنونة، معقولة؟ 70 جسم لتشكيل وحدة قوي الثورة! 16 يوليو 2022م المنشور علي سودانايل) فيمكن الرد عليها بالآتي:
مسألة عجز معظم هذه المكونات عن بناء نقابات شرعية لمدة ثلاث سنوات، وعليه هي ليست مؤهلة للتصدي لقيادة الثورة؟
اولا، هذه الكيانات وهذا التجمع لم يدعِ التصدي لقيادة الثورة، ولكنه يتحدث عن توحيد قوي الثورة، والفرق اظنه واضح، وكذلك ما يترتب عليه.
ثانيا، عجزها له عوامل ذاتية مؤكدة كضعف الخبرة، ولكن ما يجب عدم انكاره ان هنالك عوامل موضوعية لعبت الدور الابرز في هذا العجز اذا ما اتفقنا انه عجز، منها ان الظروف لم تكن مساعدة للعمل النقابي خلال الفترة الانتقالية، ليس بسبب تحكم العسكر ومحاربتهم لكل عمل يدعم التحول الديمقراطي، وبما في ذلك اجازة عديد القوانين والمفوضيات وبما في ذلك قوانين العمل النقابي، ولكن لانعدام التوافر علي تقاليد نقابية لانقطاع تعاقب الاجيال، وما تعرضت له بيئة العمل من تميكن وتخريب وارهاب، كجزء من تركة الكيزان الكارثية، قد تركت اثر علي العاملين في الدولة، ازهدتهم في الاهتمام بالعمل النقابي. ولو ان ذلك لا يمنع الحديث عن تقصير وبؤس اداء الحرية والتغيير وحمدوك خلال هذه الفترة.
ولو فرضا اتفقنا إن هذه المكونات عاجزة عن بناء نقاباتها كمهمة اصيلة، فهل ذلك يمنع مشاركتها في مهام جماعية، يمكن خلالها تلافي جزء من عيوبها، خاصة حال نجاح العمل الجماعي (الثورة) يساعد علي نجاحها في مهمتها لاحقا؟ واذا طبقنا هذا الشرط علي احزابنا السياسية والكيانات الناشطة مدنيا واجتماعيا وحركاتنا المسلحة بما فيها الحركة الشعبية، هل هي مستوفية اشتراطات تكوينها من ناحية معيارية، وتاليا تؤدي مهامها علي اكمل وجه، حتي تملك اهلية المشاركة في الشأن العام؟ والحال كذلك، نحن نصادر حقها في المحاولة والتجريب والتعلم من اخطاءها، شريطة ان يتم ذلك علي اسس موضوعية وليست عشوائية او تنحو نحو تحقيق مصالح خاصة لبعض الجهات او النافذين فيها؟
سؤال اين لجان المقاومة؟ اعتقد انه تهمة او احراج اكثر منه سؤال، او هو مبني سلفا علي ان غرض هذا التجمع هو قيادة الثورة! وكل ذلك غير صحيح، فالغرض من الاجتماع كما هو واضح ليس القيادة وانما توحيد قوي الثورة، اما مسالة قيادة الثورة، فهذه مرحلة لاحقة، تحتمها طبيعة ومصلحة المشروع الثوري. وعموما لا اعتقد ان هنالك من يسعي لاقصاء او تهميش لجان المقاومة او سرقة دورها ومجهودها وتضحياتها، لان ذلك اصلا غير ممكن وهي من يلعب الدور الاساس في الميدان، بل هي لب الثورة وروحها. ولكن المقصد تنظيمي، ليتم العمل بصورة مؤسسة، كمدخل للنفاذ للاهداف الاستراتيجية. واالسؤال الثالث احتمالي ومبني علي التساؤلات والشكوك السابقة لذلك سنتجاوزه للسؤال الرابع، الذي يفترض ان لجان المقاومة كيانات لها ملامح واضحة يمكن تمييزها بها، وكل من يود مشاركتها النضال عليه بالتعريف عن نفسه وتقديم بطاقة الدخول (رفع لافتات تعبر عنه)، وإلا لن يتم الاعتراف به، ومن ثمَّ تُحجر عليه المشاركة في تقرير مصير الثورة والبلاد؟ مع العلم ان المشاركة في اغلب هذه المليونيات تتم علي الاساس الفردي غض النظر انتماء المشارك او ميوله! ولو ان عكس تساؤل البروف هو الصحيح، بمعني حتي المليونيات ليس بذات القوة وحجم المشاركة وشدة التاثير، اي هنالك مليونيات مثل 30 يونيو لها وقع مختلف وتاثير مزلزل، لا لشئ إلا لحجم المشاركة وتنوعها وامتدادها علي كافة ارجاء البلاد. وبالقطع هذه المكونات التي يغمزها من طرف خف، شكلت جزء من هذا الحراك. بل هذا ما يؤكد ان وحدة قوي الثورة ينعكس علي اتساع حجم المشاركة وتاليا قوة تاثيرها، ومن ثمَّ هي تشكل العامل الحسام في نجاح الثورة بالدليل العملي.
اما السؤال الاخير فلا اعتقد ان علي هذه المكونات تقديم اي اجابة علي تساؤلات البروف التشكيكية الاتهامية! فما عليها القيام به هو مواصلة جهدها علي ان تتوخي المصلحة العامة في مظانها. وذلك بتجاوز ان تتحول الي مركز وحدة، بدل ان تساهم مع غيرها في بناء هذا المركز الموحد.
اما بروف جلال فيبدو ان دوافع تشككه، قد فسرها بنفسه في مقاله اللاحق هذا او الطوفان! فالعنوان وحده كافٍ للشكك في مصادرة حق الآخرين في طرح حلول مغايرة، اما متنه فيكمل دائرة الشك ويؤكد ان البروف وضع خارطة طريقه لنجاح الثورة، وتاليا كفي الآخرين جهد المحاولة.
اما ما كنا نتوقعه من البروف كمختص في منهج التحليل الثقافي، ليس تقديم الحلول الجاهزة، ولكن تقديم قراءة تحليلية لما يمنع مجتمعنا (اذا صح انا لدينا مجتمع به شئ من التجانس) من الوصول لتلك الحلول، ومن ثمَّ تطبيقها علي ارض الواقع.
وما نقصده الحفر في ثقافة هذا المجتمع، لمعرفة لماذا نحن كسودانين، يصعب علينا الانقياد للغير والاستجابة للتنظيم، وهو نفسه ما يمنع انتاج قيادات بحجم التحديات؟ ويبدو انه نفسه ما يجعل قابلية الانقسام والتنافر هي الاكثر نشاط وحيوية داخل نفوسنا وتشكيل وعينا؟ واحتمال جزء من هذا يرجع لان انسان هذه البلاد يؤمن بالمساواة علي اساس التطابق وليس المساواة علي اساس التفاوت في الملكات والقدرات والاستعدادت الشخصية. واذا صح ذلك، من اين اتت هذه النزعة التطابقية؟ وهل هي تركت اثر علي تنحي استعدادنا للسياسة (قبول التسويات والحلول الوسط وعدم العناد والعيش المشترك واقتسام الموارد)، وسيادة استعدادنا للسيطرة (خفض رتبة الآخر، احتكار التميز)؟ رغم ما يقال عن اننا شعب سياسي، ولكنها قد تكون جزء من المعتقدات/الاوهام الشوفينية التي تسم المجتمعات المقهورة؟
وكذلك لماذا النخب بدل معالجة مشاكل المجتمع تسعي للسيطرة عليه، وبما في ذلك توظيف تبايناته لمصلحتها؟ ولماذا هي اقل حساسية لما يصيب مجتمعها من مآسٍ تسببت فيها (انعدام ادب الاستقالة والاعتذار وتحمل المسؤولية)؟ ولماذا انتج هذا المجتمع وهو ظاهريا مسالم، نموذج الترابي وجماعته وحميدتي ومليشياته، بكل شرورهما وفظائعهما؟ ولماذا لدينا مؤسسة عسكرية تطيع قادتها طاعة عمياء ضد شعوبها؟ ولماذا ذات المجتمع الذي اظهر نبل وجسارة الثوار، خرجت منه كائنات طحلبية لزجة فاسدة، ظلت طوال تاريخها تدعي النضال وتستلف لسان الضحايا، وحين واتتها الفرصة ظهرت علي حقيقتها الانتهازية التافهة؟ ولماذا ولماذا...الخ اصلا تحول وطننا لارض شقاء ومحن، رغم ان كل ما فيه يؤهل ويسمح بعكس ذلك؟ ومن التجاوز والتساهل بمكان، نسب ذلك كله للثقافتين العربية والاسلامية! لانه لو صح ذلك، لماذا عجزت حضارتنا المزعومة عن مقاومتهما والانتصار عليهما، طالما هي الاعلي والاقوي والاكثر تجذرا؟ كما ان الدول الاكثر عروبة واسلام من دولتنا العريقة، من المفترض ان تكون اكثر تدهور وانحطاط، وهذا ما لم يحدث؟!
واخيرا
اتمني ان تنجو هذه المادة مما تعرضت له المادتين الاخيرتين من تشوه يشبه حادث الحركة، لدرجة انني لم اتبين ملامحهما، ويبدو ان الامر له صلة بالناحية الفنية. وهو ما يدعو للاعتذار للقارئ، وعن اي خطأ غير مقصود. ودمتم في رعاية الله.
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
قبل التعليق علي اندهاش بروف محمد جلال هاشم من دعوة التشبيك في آلية وحدة قوي الثورة مع 70 جسم ثوري! تجدر الاشارة الي ان وحدة قوي الثورة ظل هاجس يؤرق الكثير من الحادبين علي نجاح الثورة، في اسرع وقت وباقل كلفة، من مختلف الاتجاهات والتوجهات. لدرجة ان البعض اطلق عليها محقا الفريضة الغائبة. وهذا الهاجس ليس ترفا او استجابة عاطفية لدعوات التحشيّد، ولكن لان تبعثر الجهود وكثرة الاجسام وتعدد المراكز، اضعف من فاعلية الحراك الثوري، وجعله يستمر طوال الفترة الماضية، دون ان يحدث اختراق حقيقي، في اي من اهداف الثورة الاساسية.
كما ان انتصار الثورة (هو بالمناسبة ليس مضمون كما يعتقد المتفاءلون) رهين بوعي مكونات الثورة بنقاط قوتها وضعفها، واهم عوامل القوة تجسده وحدة قوي الثورة. وكذلك بمعرفة نقاط قوة وضعف الخصم، وهو في حالتنا الراهنة المكون العسكري وحلفاؤه، الدولة العميقة واسلاميوها، محور الشر ونفوذه وقدرته علي التاثير. وهو عدو يحتكم علي كل هذه الامكانات ويسيطر علي السلطة وجهاز الدولة فعليا. والحال كذلك، هو ليس بالخصم السهل كما يتوهم الكثير ممن يعتقد ان اسقاط النظام تفصيل بسيط، وهو قادر علي انجازه بصورة منفردة، بل وله متسع من التصورات ليشغل نفسه بما يلي اسقاط النظام من كيت وكيت وكيت!
مع العلم ان نجاح الثورة لا يخص الثوار او ينتفع به الناشطون في الحقل السياسي وحدهم، ولكنه يعود بالنفع علي كل المكونات، ما عدا الطغمة الانقلابية والمستفيدين من الانقلاب وهم اقلية الاقلية. وهذا يعني ضمن ما يعني ان الثورة شأن يخص جميع هذه المكونات، وتاليا لها نصيب في تحمل المسؤولية يكافئ تعددها وسعة حجمها وحريتها في تحديد خياراتها. بمعني يجب إلا يصادر الثوريون الخيارات المتباينة بحجة الشرعية الثورية، ولكن ان تتاح اكبر مساحة للتعبير عن كل الخيارات والآراء وتحديد الاولويات، في فضاء يسمح ببلورتها، للخروج باشمل تصور يخرج البلاد الي بر الامان. اي الثورة تعني المزيد من الحرية والمسؤولية والقطع مع ثقافة الاستبداد وعلي راسها فرض الوصاية.
وهذا يقودنا الي ان اقصاء مكونات عريضة حزبية ومهنية ومدنية ومستقلة، عن المشاركة في الفعل الثوري، من موقع الاصالة، علي كافة المستويات، وحصره في جهة واحدة (لجان المقاومة) كمقرر للمطلوبات الآنية والمستقبلية، يحمل مخاطر جمَّة منها:
اولا، ترك العبء علي لجان المقاومة وحدها لتقوم بكل الانشطة التعبوية والنضالية والسياسية، ليضاف لها عبء استلام السلطة وتكوين المجلس التشريعي والمشاركة في ادراة الدولة، كما تطرح عديد من الجهات! هذا فوق طاقة اي جهة او مكون مهما كانت امكاناته وقدراته! والحالة هذه، من يتصور ان كل هذه الاعباء يمكن تتاح لجهة واحدة او عدة جهات ذات توجه واحد! فتحمل هكذا عبء لا يعني فشلها المحتوم في كل الجبهات، ولكنه يعني اكثر قطع الطريق حتي علي مد يد العون لها. وعليه، اكبر خدمة تُقدم للجان المقاومة بمختلف تشكيلاتها مواثيقها، وقبلها للثورة ومصلحة البلاد، ليس موافقة اللجان علي اطروحاتها كمكافأة لها علي القيام بعبء النضال، او حياء من تضحياتها الجسام، او فاعليتها في الشارع كاكبر مؤثر في الجبهة المعارضة. وانما بتوضيح ظروف المرحلة الراهنة وتوازن القوي وافضل السبل للتعامل معها، مع وضع المطالب الاستراتيجية في الحسبان كبوصلة حركة ودليل طريق. فمثلا ناهيك عن اسقاط الانقلاب وتصفية ارث النظام الانقاذي وما يحتاجه من تكاتف وصمود، فكم بالله تحتاج هذه البلاد من مجهودات جبارة وامكانات مهولة وعقول نابهة وارادة حديدية وعمل دؤوب، للسيطرة علي السلطة دون تهديدات، وادارة كل هذا التنوع والمشاكل المعقدة والانهيار الاقتصادي والتدهور الامني بحنكة ودراية، واعادة بناء الخدمة المدنية لتستوعب برامج التغيير ومشاريعه. اي باختصار ادارة دولة غير موجودة، بتقاليد وكوادر غير متوافرة، ومشاريع واقعية في رحم الغيب.
ثانيا، محدودية لجان المقاومة، لانه مهما كان عددها وامكاناتها فهي اقل قدرة علي تنويع وسائل المقاومة بما يشكل تهديد جدي للسلطة الانقلابية، الشئ الذي يفتح الطريق امام اسقاطها. وهو ما يعني ان تنويع وسائل واساليب المقاومة، يستدعي اتساع الطيف المقاوم وكسب اكبر قطاعات لساحته. فهل يمكن الحديث عن اضراب سياسي او عصيان مدني كما ظل يطرح دوما، دون مشاركة حقيقية وفاعلة من المهنيين؟ اما المفارقة ان دعوة التشبيك تكاد تغطي معظم هذه المهن! وحتي اذا افترضنا انها كيانات ضعيفة كما يتساءل بروف جلال عن اهليتها، فالمؤكد انها خير من عدم وجودها، اقلاه وجودها يسمح بالبناء عليها وتقويتها، بدل اهدار الزمن في البناء من نقطة الصفر، وهي نفسها ستحتاج لذات هذه الاجسام المهنية!
اما اذا كان هنالك من تساؤل حول طبيعة هذا الاجتماع والتشبيك، هو ليس حول صحة او اهمية هكذا اجتماع يتوخي وحدة مكونات الثورة؟ ولكن حول هل هكذا اجتماع يفترض انه النواة التي تجتمع حولها بقية المكونات (اعادة انتاج نقطة البداية كدائرة مفرغة تمنع تراكم الخبرات والنضوج)؟ ام انه جزء من مجهودات اخري بذلت سابقا في ذات الاطار الاعرض، وتم التنسيق معها واستصحاب جهودها وتجاوز عثراتها، مع الاعتراف لها بقصب السبق، والاهم امتلاك تصور لكيفية العمل الجماعي بحيث يجسد روح الحرية والجدية والمشاركة والمساواة والتعاون وطول النفس، مع الوضع في الحسبان عامل الزمن وجسامة المهام؟
اما بخصوص تساؤلات البروف المحترم وهي اقرب للشكوك (المقصود مقالته المعنونة، معقولة؟ 70 جسم لتشكيل وحدة قوي الثورة! 16 يوليو 2022م المنشور علي سودانايل) فيمكن الرد عليها بالآتي:
مسألة عجز معظم هذه المكونات عن بناء نقابات شرعية لمدة ثلاث سنوات، وعليه هي ليست مؤهلة للتصدي لقيادة الثورة؟
اولا، هذه الكيانات وهذا التجمع لم يدعِ التصدي لقيادة الثورة، ولكنه يتحدث عن توحيد قوي الثورة، والفرق اظنه واضح، وكذلك ما يترتب عليه.
ثانيا، عجزها له عوامل ذاتية مؤكدة كضعف الخبرة، ولكن ما يجب عدم انكاره ان هنالك عوامل موضوعية لعبت الدور الابرز في هذا العجز اذا ما اتفقنا انه عجز، منها ان الظروف لم تكن مساعدة للعمل النقابي خلال الفترة الانتقالية، ليس بسبب تحكم العسكر ومحاربتهم لكل عمل يدعم التحول الديمقراطي، وبما في ذلك اجازة عديد القوانين والمفوضيات وبما في ذلك قوانين العمل النقابي، ولكن لانعدام التوافر علي تقاليد نقابية لانقطاع تعاقب الاجيال، وما تعرضت له بيئة العمل من تميكن وتخريب وارهاب، كجزء من تركة الكيزان الكارثية، قد تركت اثر علي العاملين في الدولة، ازهدتهم في الاهتمام بالعمل النقابي. ولو ان ذلك لا يمنع الحديث عن تقصير وبؤس اداء الحرية والتغيير وحمدوك خلال هذه الفترة.
ولو فرضا اتفقنا إن هذه المكونات عاجزة عن بناء نقاباتها كمهمة اصيلة، فهل ذلك يمنع مشاركتها في مهام جماعية، يمكن خلالها تلافي جزء من عيوبها، خاصة حال نجاح العمل الجماعي (الثورة) يساعد علي نجاحها في مهمتها لاحقا؟ واذا طبقنا هذا الشرط علي احزابنا السياسية والكيانات الناشطة مدنيا واجتماعيا وحركاتنا المسلحة بما فيها الحركة الشعبية، هل هي مستوفية اشتراطات تكوينها من ناحية معيارية، وتاليا تؤدي مهامها علي اكمل وجه، حتي تملك اهلية المشاركة في الشأن العام؟ والحال كذلك، نحن نصادر حقها في المحاولة والتجريب والتعلم من اخطاءها، شريطة ان يتم ذلك علي اسس موضوعية وليست عشوائية او تنحو نحو تحقيق مصالح خاصة لبعض الجهات او النافذين فيها؟
سؤال اين لجان المقاومة؟ اعتقد انه تهمة او احراج اكثر منه سؤال، او هو مبني سلفا علي ان غرض هذا التجمع هو قيادة الثورة! وكل ذلك غير صحيح، فالغرض من الاجتماع كما هو واضح ليس القيادة وانما توحيد قوي الثورة، اما مسالة قيادة الثورة، فهذه مرحلة لاحقة، تحتمها طبيعة ومصلحة المشروع الثوري. وعموما لا اعتقد ان هنالك من يسعي لاقصاء او تهميش لجان المقاومة او سرقة دورها ومجهودها وتضحياتها، لان ذلك اصلا غير ممكن وهي من يلعب الدور الاساس في الميدان، بل هي لب الثورة وروحها. ولكن المقصد تنظيمي، ليتم العمل بصورة مؤسسة، كمدخل للنفاذ للاهداف الاستراتيجية. واالسؤال الثالث احتمالي ومبني علي التساؤلات والشكوك السابقة لذلك سنتجاوزه للسؤال الرابع، الذي يفترض ان لجان المقاومة كيانات لها ملامح واضحة يمكن تمييزها بها، وكل من يود مشاركتها النضال عليه بالتعريف عن نفسه وتقديم بطاقة الدخول (رفع لافتات تعبر عنه)، وإلا لن يتم الاعتراف به، ومن ثمَّ تُحجر عليه المشاركة في تقرير مصير الثورة والبلاد؟ مع العلم ان المشاركة في اغلب هذه المليونيات تتم علي الاساس الفردي غض النظر انتماء المشارك او ميوله! ولو ان عكس تساؤل البروف هو الصحيح، بمعني حتي المليونيات ليس بذات القوة وحجم المشاركة وشدة التاثير، اي هنالك مليونيات مثل 30 يونيو لها وقع مختلف وتاثير مزلزل، لا لشئ إلا لحجم المشاركة وتنوعها وامتدادها علي كافة ارجاء البلاد. وبالقطع هذه المكونات التي يغمزها من طرف خف، شكلت جزء من هذا الحراك. بل هذا ما يؤكد ان وحدة قوي الثورة ينعكس علي اتساع حجم المشاركة وتاليا قوة تاثيرها، ومن ثمَّ هي تشكل العامل الحسام في نجاح الثورة بالدليل العملي.
اما السؤال الاخير فلا اعتقد ان علي هذه المكونات تقديم اي اجابة علي تساؤلات البروف التشكيكية الاتهامية! فما عليها القيام به هو مواصلة جهدها علي ان تتوخي المصلحة العامة في مظانها. وذلك بتجاوز ان تتحول الي مركز وحدة، بدل ان تساهم مع غيرها في بناء هذا المركز الموحد.
اما بروف جلال فيبدو ان دوافع تشككه، قد فسرها بنفسه في مقاله اللاحق هذا او الطوفان! فالعنوان وحده كافٍ للشكك في مصادرة حق الآخرين في طرح حلول مغايرة، اما متنه فيكمل دائرة الشك ويؤكد ان البروف وضع خارطة طريقه لنجاح الثورة، وتاليا كفي الآخرين جهد المحاولة.
اما ما كنا نتوقعه من البروف كمختص في منهج التحليل الثقافي، ليس تقديم الحلول الجاهزة، ولكن تقديم قراءة تحليلية لما يمنع مجتمعنا (اذا صح انا لدينا مجتمع به شئ من التجانس) من الوصول لتلك الحلول، ومن ثمَّ تطبيقها علي ارض الواقع.
وما نقصده الحفر في ثقافة هذا المجتمع، لمعرفة لماذا نحن كسودانين، يصعب علينا الانقياد للغير والاستجابة للتنظيم، وهو نفسه ما يمنع انتاج قيادات بحجم التحديات؟ ويبدو انه نفسه ما يجعل قابلية الانقسام والتنافر هي الاكثر نشاط وحيوية داخل نفوسنا وتشكيل وعينا؟ واحتمال جزء من هذا يرجع لان انسان هذه البلاد يؤمن بالمساواة علي اساس التطابق وليس المساواة علي اساس التفاوت في الملكات والقدرات والاستعدادت الشخصية. واذا صح ذلك، من اين اتت هذه النزعة التطابقية؟ وهل هي تركت اثر علي تنحي استعدادنا للسياسة (قبول التسويات والحلول الوسط وعدم العناد والعيش المشترك واقتسام الموارد)، وسيادة استعدادنا للسيطرة (خفض رتبة الآخر، احتكار التميز)؟ رغم ما يقال عن اننا شعب سياسي، ولكنها قد تكون جزء من المعتقدات/الاوهام الشوفينية التي تسم المجتمعات المقهورة؟
وكذلك لماذا النخب بدل معالجة مشاكل المجتمع تسعي للسيطرة عليه، وبما في ذلك توظيف تبايناته لمصلحتها؟ ولماذا هي اقل حساسية لما يصيب مجتمعها من مآسٍ تسببت فيها (انعدام ادب الاستقالة والاعتذار وتحمل المسؤولية)؟ ولماذا انتج هذا المجتمع وهو ظاهريا مسالم، نموذج الترابي وجماعته وحميدتي ومليشياته، بكل شرورهما وفظائعهما؟ ولماذا لدينا مؤسسة عسكرية تطيع قادتها طاعة عمياء ضد شعوبها؟ ولماذا ذات المجتمع الذي اظهر نبل وجسارة الثوار، خرجت منه كائنات طحلبية لزجة فاسدة، ظلت طوال تاريخها تدعي النضال وتستلف لسان الضحايا، وحين واتتها الفرصة ظهرت علي حقيقتها الانتهازية التافهة؟ ولماذا ولماذا...الخ اصلا تحول وطننا لارض شقاء ومحن، رغم ان كل ما فيه يؤهل ويسمح بعكس ذلك؟ ومن التجاوز والتساهل بمكان، نسب ذلك كله للثقافتين العربية والاسلامية! لانه لو صح ذلك، لماذا عجزت حضارتنا المزعومة عن مقاومتهما والانتصار عليهما، طالما هي الاعلي والاقوي والاكثر تجذرا؟ كما ان الدول الاكثر عروبة واسلام من دولتنا العريقة، من المفترض ان تكون اكثر تدهور وانحطاط، وهذا ما لم يحدث؟!
واخيرا
اتمني ان تنجو هذه المادة مما تعرضت له المادتين الاخيرتين من تشوه يشبه حادث الحركة، لدرجة انني لم اتبين ملامحهما، ويبدو ان الامر له صلة بالناحية الفنية. وهو ما يدعو للاعتذار للقارئ، وعن اي خطأ غير مقصود. ودمتم في رعاية الله.