آثار الحصار على أهل الفاشر وصراع الإرادة في دارفور

golden.wrist.sd@gmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
أمير حميده ابوالمك

تشكل مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، مسرحًا لأزمة إنسانية ومعركة مصيرية تختزل تعقيدات الحرب الدائرة في السودان. بين مطرقة الحصار وسندان القتال، يعيش المدنيون في دائرة الجحيم، بينما تتحدد في هذه الساحة مصائر قوى متعددة محلية وإقليمية ودولية.

آثار الحصار الكارثية على أهل الفاشر:

يعاني سكان الفاشر من حصار خانق تفرضه مليشيا الجنجويد المدعوة بقوات الدعم السريع. وقد أدى هذا الحصار إلى:

  1. كارثة إنسانية تلوح: انقطعت معظم الإمدادات الغذائية والدوائية عن المدينة. ارتفعت أسعار المواد الأساسية إلى مستويات فلكية، مما جعلها بعيدة عن متناول معظم السكان. بدأت مظاهر سوء التغذية الحاد تظهر، خاصة بين الأطفال والنساء والحوامل.
  2. انهيار الخدمات الأساسية: تعطلت خدمات المياه والكهرباء بشكل شبه كلي. تعمل المستشفيات والمراكز الصحية بأقل من طاقتها مع نفاد الأدوية والمستلزمات الطبية والوقود، مما جعل الأمراض البسيطة تتحول إلى أحكام إعدام.
  3. نزوح داخلي داخل أسوار المدينة: يفر آلاف النازحين من القرى والمناطق المحيطة بالمدينة إلى داخلها، معتقدين أنها قد تكون أكثر أماناً، ليجدوا أنفسهم في فخ حصار آخر، مما يزيد الضغط على الموارد الشحيحة أصلاً.
  4. صدمة نفسية جماعية: يعيش السكان تحت رحمة القصف العشوائي والاشتباكات اليومية، مما خلق جيلاً يعاني من الرعب والقلق المستمر، مع تهديد مباشر للنسيج الاجتماعي المتماسك تاريخياً في دارفور.

مليشيا الجنجويد وفرص اختراق المدينة:

تعتمد مليشيا الجنجويد، او( الدعم السريع) ، على تكتيك الحصار لتحقيق عدة أهداف:

· إضعاف معنويات المدافعين: من خلال خنق المدينة وإثارة الغضب الشعبي ضد القوات الموجودة داخلها.
· الضغط العسكري غير المباشر: حيث أن المدينة المحاصرة تفقد قدرتها على المقاومة الطويلة.
· ارتكاب جرائم حرب: بمنع وصول المساعدات الإنسانية وهو ما يعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني.

أما فرص نجاحها في دخول المدينة، فهي مرتبطة بعدة عوامل:

· استمرار ضعف التموين العسكري واللوجستي للقوات المدافعة عن المدينة.
· القدرة على تحمل الخسائر في هجوم أمامي محتمل على دفاعات المدينة.
· الدعم اللوجستي والإمدادي الذي تتلقاه من الكفيل الخارجي.
· الصمود الداخلي لأهل الفاشر والمدافعين عنها، والذي ظل حتى الآن صلباً رغم الظروف القاسية.

موقف القوات المسلحة السودانية والقوات المشتركة:

تدافع عن الفاشر تشكيلة من القوات المسلحة السودانية، وحركات دارفور المسلحة التي وقعت على اتفاقية جوبا للسلام(المشتركة) ، إلى جانب فصائل المقاومة الشعبية “الكتيبة 6”. يقوم هذا التحالف بالدور التالي:

· الدفاع عن المحيط والمداخل الرئيسية للمدينة ومنع اختراقات للمليشيات.
· محاولة فتح طرق إمداد بديلة وإن كانت خطرة ومتقطعة.
· تأمين المناطق الحيوية داخل المدينة مثل المطار والمستشفيات.

فرص كسر الحصار تتوقف على:

· نجاعة التنسيق بين هذه القوى المختلفة وتحقيق انتصارات تكتيكية في محاور خارج المدينة لتخفيف الضغط.
· وصول إمدادات عسكرية ولوجستية منتظمة تمكنهم من القيام بعمليات هجومية.
· الدعم الجوي الذي يمكن أن يحدث فرقاً في موازين القوى، إذا ما استخدم بشكل فعال.

موقف المجتمع الدولي والرباعية: صمت مشبوه وتقاعس مريب

يتابع المجتمع الدولي الأزمة في دارفور والفاشر بقلق، لكن فعاليته تبقى محدودة:

· الأمم المتحدة: تطلق تحذيرات إنسانية ولكن دون اتخاذ إجراءات جادة على الأرض. بعثة UNITAMS أنهيت ولايتها، مما قلل من وجود مراقبين دوليين.
· الرباعية (السعودية، الولايات المتحدة، الإمارات، المملكة المتحدة): تلعب دوراً رئيسياً في مفاوضات جدة، لكنها تواجه انتقادات بسبب:
· عدم القدرة على فرض وقف إطلاق نار دائم ومضمون.
· فشل في معاقبة الطرف الذي يمنع وصول المساعدات الإنسانية بشكل علني.
· ادلة حول دور بعض أعضائها في تمويل الأطراف المتحاربة سابقاً أو حاليا، مما يفقدها الحياد الكامل.
· الاتحاد الأفريقي: يحاول الوساطة لكن تأثيره الميداني محدود دون آلية تنفيذ قوية.

الموقف الإنساني في الفاشر يمثل اختباراً حقيقياً لمصداقية المجتمع الدولي ومدى التزامه بحماية المدنيين في النزاعات.

فرص وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب: طريق شائك

فرص تحقيق وقف إطلاق نار دائم وإنهاء الحرب في السودان لا تزال ضعيفة للأسباب التالية:

  1. عدم وجود إرادة سياسية حقيقية: كلا الطرفين (الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع) يعتقدان أنهما قادران على تحقيق نصر عسكري، أو على الأقل تحسين موقعهما التفاوضي عبر القوة.
  2. طبيعة الحرب الأهلية المعقدة: الحرب لم تعد بين طرفين فقط، بل تحولت إلى صراع متشعب مع تدخلات إقليمية ومصالح متضاربة تجعل أي حل شامل أمراً بالغ الصعوبة.
  3. فشل المفاوضات: مفاوضات جدة وغيرها توقفت أو وصلت إلى طريق مسدود بسبب الخلافات الجوهرية حول الانسحاب من المدن والتموضع النهائي للقوات.
  4. غياب آلية رقابة قوية: حتى في حال الإعلان عن وقف إطلاق نار، لا توجد آلية دولية قوية على الأرض لمراقبته وإنفاذه.

الخلاصة:

مدينة الفاشر هي رمز للمأساة السودانية. الحصار عليها هو جريمة إنسانية، وكسره هو واجب أخلاقي وعسكري. انتصار أحد الأطراف عسكرياً لن يحقق السلام المستدام. الحل الحقيقي يبدأ بوقف إطلاق النار فوراً تحت رقابة دولية صارمة، وفتح ممرات إنسانية آمنة دون قيد أو شرط، ثم العودة إلى عملية سياسية شاملة تضع مصلحة الشعب السوداني فوق كل الاعتبارات، وتؤسس لدولة تتحقق فيها العدالة والمواطنة المتساوية، وتجرد كل المليشيات من سلاحها، لئلا تتكرر مآسي دارفور مرة أخرى. الوقت ليس في صالح أحد سوى الموت، وأهل الفاشر والسودان كله يدفعون الثمن.

عن أمير حميده ابو المك

Avatar

شاهد أيضاً

تحليل الأزمة السودانية: قراءة في الجذور البنيوية ومآلات الصراع

أمير حميده ابوالمكمستشار حوكمة المؤسساتgolden.wrist.sd@gmail.com يمر السودان بحرب طاحنة ليست صراعًا عشوائيًا، بل هي تتويج …