إلى حمدوك ووزير ماليته: لا توجد أزمة اقتصادية ولكنها أزمة إدارية

 


 

خالد أحمد
19 November, 2019

 

 

kh_ahmmed@hotmail.com

ندرك الآن لماذا طالب الكيزان بشدة بمشاركة التكنوقراط في السلطة فهذه الفئة هي التي تعرف كل شيء في جزئية صغيرة فقط وتوجه نظرها له إذا أحسنا الظن بهم ولكن إذا أسئنا الظن فسوف نراهم متواطئين مع الكيزان من اجل تمكينهم على الاستمرار إلى الآن في كل ساحات الدولة وفاعلين من اجل إفشال الثورة. فالسعي إلى رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب والبحث عن مصادر تمويل خارجية هو هدف أساسي للكيزان ولكنه هدف ثانوي للثورة، فما يفعله حمدوك ووزير ماليته يخدم الكيزان ولا يخدم الثورة.
فكما نرى يصر حمدوك ووزير ماليته على النظرة الجزئية للواقع السوداني وتحديدا الواقع الاقتصادي من خلال إحصاءات حسابية للناتج الإجمالي والميزان التجاري وسعر الصرف، دون إدراك لأهداف الكلية لتلك الميزانية وهي الفلسفة التي تقود الدولة والتي تقوم على علاقة الدولة بالمجتمع والفرد والأسس الاقتصادية التي تحدد أولويات الصرف وغيرها. فحمدوك ووزير ماليته لا علاقة لهم بالاقتصاد السياسي والاجتماعي ويعتمدون فقط على الليبرالية الجديدة التي تعمل على إخراج الدولة من القطاع الاقتصادي لتكون مراقب فقط، فأولويات تلك المدرسة هي الخصخصة ورفع الدعم وتعويم العملة، وهي ذات المدرسة التي كان يعتمدها البشير ماعدا الدعم الذي بدا مع تراجع العملة نتيجة للسياسات الخاطئة واضطرت معه السلطة إلى دعم القمح والوقود. فلا يتحدث حمدوك ووزير ماليته عن ضرورة ولاية وزارة المالية على المال العام أو البحث في أضابير الفساد التي كانت وغيرها من الأفعال التي كان يجب ان تقوم بها حكومة الثورة ولكن يحدثونا فقط عن 300 جنيه كدعم من الدولة للمواطن لان الدعم المباشر لا تتحدث عن المؤسسات الدولية.
فإذا كان لحمدوك ووزير ماليته أفق خارج إطار الاقتصاد الإحصائي والقياسي لأدركوا ان ما يحدث في السودان هو ليس اقتصاد دولة ولكنه اقتصاد عشائري ريعي وهو دولة بين الكيزان فقط دون بقية المواطنين أدي إلى تحدث البشير في لحظة إفاقة لحظية عن الحديث عن النهب المصلح لأموال الدولة وهو في حقيقته ليس نهب أو فساد أو سؤ في ترتيب الأولويات ولكنه منهج اقتصادي يرجع إلى عقلية الكيزان تلك التي ترى الدولة في الجماعة والجماعة في الدولة، فالميزانية التي تأتي من جيوب المواطنين وتدفع كضرائب من اجل خدمات محددة تحولت إلى جبايات في مقابله يترك الكيزان الفرد ليحي فقط، ولأدركوا ان هنالك أموال خارج إطار ولاية وزارة المالية ولا تدرك عنها أي شيء، اما الأموال التي في الميزانية فتذهب إلى الفصل الأول المرتبات والفصل الثاني الذي يوظف من اجل تسيير مصالح الكيزان من خلال الحوافز والهبات والمنح والدعومات وشراء الذمم.
وتوزع هذه الجبايات 70% منها للامن والدفاع والقصر الجمهوري ويذهب اغلبه إلى صرف المرتبات والتسيير ويصرف القليل منه للعتاد والتدريب حتى انتهي الجيش واتوا بالدعم السريع ليصرف على نفسه وعليهم. وتوزع ال 30% الأخرى لبقية المؤسسات ليصرف بذات العقلية الكيزانية، فلا وجود لميزانية مشروعات أو بنود حقيقية فقد كانوا يحتالون بكل المسميات الاقتصادية من اجل الاستحواذ على تلك الأموال.
وإذا حاول حمدوك ووزير ماليته النظر إلى الميزانية بعيدا عن الأرقام لأدركوا ان كل المشاريع التي قامت في السودان لم تأتي من الموازنة بل جاءت بقروض من الخارج ولم تقم لجدواها الاقتصادية ولكن من اجل إيجاد مشاريع تقنع الآخرين من اجل تزويدهم بالأموال، فهنالك الكثير من القروض التي جاءت لمشاريع لم تقم ومشاريع بدأت ولم تكتمل كل ذلك نتيجة لتحويل تلك الأموال لفائدة الكيزان ويكفي المدينة الرياضية والمطار الجديد وغيرها من المشاريع.
وإذا حاول حمدوك ووزير ماليته النظر إلى السودان بعيدا عن الأرقام لأدرك ان كل السودان عبارة عن قرى يدار بذات المفاهيم التي كانت ما قبل وجود الدولة، فهل نحدثك عن الأسواق الأسبوعية لقرى وما يسمي بمدن السودان وشكلها العشوائي وكيفية إدارتها وان ما يهم الحكومة بها هو كمية الجبايات التي ستخرج بها. ولأنكم لا تعلمون عن السودان شيئا هل من الممكن ان نحدثكم عن مدينة الضعين حاضرة ولاية شرق دار فور وان بها مجرد ظلط واحد يمتد لمسافة واحد كيلو متر وهذه هي كل البني التحتية من الطرق بها، للأسف انتم لا تعلمون ولا تريدوا ان تعلموا شيئا عن ولايات السودان الأخرى. فلنحدثكم عن الخرطوم هل يعلم حمدوك ووزير ماليته ان الخرطوم عبارة عن قرية كبيرة فلا وجود لصرف صحي إلا في مساحة ضيقة ولا وجود لإزالة للنفايات إلا كما يحدث في القرى بالجهد الشخصي والشعبي ولا اثر للدولة، هل نحدثك عن المستشفيات الحكومية وشراء المريض للإبر والشاش وكل المستلزمات الطبية أم حدثك بها وزيرك للصحة، هل يدرك حمدوك ووزير ماليته بالرغم من دفع المواطن السوداني لكل أنواع الجبايات فانه يقوم بكل تكاليف الحياة من مياه وصحة وتعليم وكهرباء وغيره. هل نحدثكم عن ماسورة البنك الزراعي وما فعله بالمزارعين وخروج الدولة من الزراعة أم نحدثك عن بنك الأسرة الذي قالوا انه يعمل من اجل المساهمة في تخفيف أعباء المعيشة وهو يأخذ فوائد تبلغ 33%، ام نحدثك عن الصناعة وعدم الجودة وهل حدثك وزير الصحة عن الأدوية التي فحصت ووجد بها مواد جيرية وغير ذلك الكثير.
فالأزمة يا حمدوك ويا وزير ماليته ليست ممثلة فقط في الأرقام ومن أين نأتي بالعملة الصعبة، ولكن الأزمة تكمن في دولة كانت بين الكيزان والجماعة فقط ونريدها دولة لكل السودانيين ولذلك يجب إزاحة كل الطاقم الكيزاني المالي من كل مؤسسات الدولة فهؤلاء لا يفهمون سوى تحويل الأموال إلى نثريات وحوافز فيما بينهم، ثم ولاية وزارة المالية على المال العام بالمعنى الحقيقي وذلك يعنى إدخال كل الأموال إلى الدائرة الاقتصادية، حل الشركات الحكومية التي تتبع لكل المؤسسات العسكرية والأمنية وغيرها، إعادة مؤسسات الدولة التي تم خصخصتها، متابعة الأموال المنهوبة والتي سماها البشير بالنهب المصلح من كل الكيزان وعلى الدولة الحجز على كل أصولهم وعلى الكيزان مسئولية إثبات من أين لهم تلك الأموال. بعد ان تفعل كل ذلك يمكن ان نحدثك عما نريد فنحن لا نبحث عن دولة اقتصاد عشائري تكون بين الثوار ولا نبحث عن دولة الاقتصاد الرأسمالي المتوحش المعتمد على مفاهيم صندوق النقد الدولي ولا نريد دولة الرعاية الشيوعية، ولكننا نبحث عن دولة الكرامة الإنسانية التي يجد فيها الفرد حقوقه الأساسية مثل حق التعليم والصحة والسكن وغيره، أي يجب ان يكون هدف الاقتصاد الكلي تحقيق تلك الحقوق. ويمكنكم بعد ذلك ان تسموها دولة التكافل الاجتماعي أو الاقتصاد الرأسمالي المرن أو الاقتصاد الاجتماعي فلن نختلف في التسمية ولكن في المعنى. فتلك هي اهداف الثورة الحقيقية اما أي حديث عن الإرهاب والعقوبات والدين الخارجي يمثل تواطؤ مع الكيزان ومحاولة إيجاد دورة جديدة لهم وعدم محاسبتهم على ما اقترفوه. واي حديث عن عطية أو منحة مثل 300 جنيه سيعيدنا إلى حديث البشير اكلناكم وشربناكم وهو حديث مرفوض، فنحن نتحدث عن حقوق وكرامة إنسانية وليس منح وعطايا.

 

آراء