اتفاقية بلغنة وتفكيك السودان

 


 

 

 

مقدمة:

لأجيال تعاقبت لا تعرف الكثير عن خلفيات الأحداث.
يحاول جنرنالات الكيزان وحميتي حمايتي التحلل من مسئولية دم ضحايا المظاهرات والاعتصامات بالرياء والنفاق وخلط الأوراق ولخبطة الكيمان لدقمسة القضية واهدار دم الضحايا، وهي جرائم كبرى تستلزم تكوين لجنة تحقيق قضائية، ويتميز السودانيون بالوعي بحكم واقعهم التعددى، فلا تنقصهم القدرة علي ادراك العلاقات الخفية بين الأشياء والأمور والتناقضات الكامنة بين المواقف والأقوال والأفعال والظاهر والباطن، فلا تنطلي عليهم الكلمات المزخرفة والشعارات البراقة والوعود الكاذبة والفبركات الاعلامية ويتعلق ذلك بمصائرهم ومقدراتهم والحاضر والمستقبل، ولا يمكن فهم الانسان الا من خلال مواقفه، وليست اختيارات الانسان كلها خارجية لأن لها علاقة بطبائعه ودوافعه ومزاجاته ومخاوفه، وفي ملمات الأفراح والأتراح يأتي الناس من مختلف المناطق الجغرافية والشرائح الاجتماعية ويتبادلون المعلومات والاشاعات ويحللون الأحداث ويصدرون الأحكام ضد القوى التي تصنع الأحداث، والناس يعرفون بالضرورة ان تقييد حرية الصحافة وتدفق المعلومات يقصد به التستر علي عورات الحكام، وبحكم واقعهم التعددى يعلمون ان الدولة القومية تقوم علي الأرض والتاريخ والمصير المشترك والقواسم المشتركة ولا تقوم الا علي واقع تعددى وان الوطن حاصل عملية جمع تحوله القسمة الي صفر.
الانقلابيون والنخب المتسلطة:
كان الانقلابيون يزعمون ان الشعب السوداني سياسي بطبيعته لتبرير الوصاية السياسية باسم الوطن والأجيال القادمة، وكانت النخب المتسلطة تزعم ان ديموقراطية ويست منستر لا تصلح في العالم الثالث، وكانت بريطانيا أول ديموقراطية في العصر الحديث وكانت الشعوب البريطانية التي تمردت ضد الملوك ورجال الدين والنبلاء ورجال الاقطاع والعبودية السياسية والظلم الاجتماعي في القرن السادس عشر أكثر تخلفا من الشعوب السودانية في القرن العشرين، وتدعي جماعة عبد الرحيم حمدى ان الجنوب كان سببا في تخلف الشمال لتبرير ضم الشمال الي مصر.
نافع والطيب مصطفي:
قال الطيب مصطفي لن أزرف دمعة علي انفصال الجنوب وان الجنوبيين لا يشبهونا ولا ينتمون الينا فمن هم الذين أشار اليهم بصغة الجمع؟ لكن 75% من سكان السودان لا يشبهون الطيب مصطفي وكذلك الناس في حوش بانقا ودار جعل لأن الطيب مصطفي أشد بياضا من شيوخ وأمراء دول الجزيرة العربية، وقال ان موقفه ضد الجنوب والجنوبيين ليس له علاقة بابنه الذى قتل في الجنوب وكان ابنه في الجنوب مجاهدا ضد الجنوب وقاتلا أو مقتولا ولا تعتدو ان الله لايحب المعتدين، وكان الكيزان مختلفون حول الجنوب منهم من يرى ان الجنوب أرض اسلامية لا يجوز شرعا التفريط فيها لكنه يريد الجنوب أرضا بلا شعب، ومنهم من يرى ان الجنوب عقبة في طريق الدولة الاسلامية ولا بد من التخلص منه بالانفصال، وقال الطيب مصطفي انه فخور بعروبته واسلاميته وللآخرين الحق في الافتخار بلغاتهم ومعتقداتيم الدينية وكل بما لديهم فرحون، فقد تضخمت الأنا عند الطيب مصطفي فأنكر علي الآخرين حق الأنا، وقال ان الدين هوية تعلو ولا يعلي عليها فكيف يكون الدين هوية وهو رسالة للناس كافة والدين حق عام والعرق حق خاص وحلق الله الناس شعوبا وقبائل لم يخلقهم مسلمين وغير مسلمين، ولماذا عدد النصارى في عصرنا هذا ضعف عدد المسلمين سؤال طرحته علي الطيب مصطفي في سلسلة حلقاتي بجريدة التيار بعنوان الطيب مصطفي وعثمان ميرغني فتجاهله الطيب مصطفي، وقال نافع علي نافع لو أن الانقاذ لم تنجز شيئا سوى فصل الجنوب لكان ذلك انجازا، واحتفل الطيب مصطفي بالانفصل وذبح الذبائح.
الفرعون الأكبر:
قال الترابي صبيحة يوم الانقلاب في سجن كوبر أمام محمد عثمان الميرغني والصادق المهدى ومحمد ابراهيم نقد وغيرهم من المعتقلين ان الشعب السوداني لن يسلك الطريق المستقيم الا بالقهر وقد يكون القهر شاذا لكن الناس يعتادون علي القهر فعطل آيات الحرية والتسامح وعددها مائة آية، وقديما قالوا الناس ينقادون اذا جاعوا ويتمرون اذا شبعوا وجوع كلبك يتبعك، والسلطة بقرة حلوب والعلف مادة خام تحولها البقرة الي لبن فلم يكن الترابي يريد السودانيين ضعفاء فيموتون ولا أقوياء فيتمردون، لكن تلاميذ الترابي اعتصروا الشعب عصرا حتي أصبح أمبازا ليس فيه قطراة من الزيت، والكلب اذا جاع أكل سيده وهذا ما حدث في ديسمبر أبريل 2019 ، وكلام الترابي في سجن كوبر دليل علي أنه مصاب بداء العظمة والاعجاب بالذات بالوراثة من جده حمد النحلان الذى ادعي أنه المهدى المنتظر الذى يملأ الأرض عدلا مثلما ملأت جورا في التركية الأولي، لكن الترابي أباح أكبر الكبائر وهي الظلم وقتل النفس وأكل أموال الناس بالباطل والكذب الذى جاء ترتيبه في قائمة الكبائر قبل الزنا والخمر، فكم عدد ضحايا سياسات الأرض المحروقة والابادة الجماعية والثكالي والأرامل والأيتام والنازحين والمشردين في الأرض في الجنوب وجبال النوبة والنيل الأزرق ودار فور، وكان الاسلام في مفهوم النرابي وتلاميذه كاليهودية دينا عنصريا فقد كان الاسلام والعروبة وجهان لعملة واحدة ولا يمكن الفصل بينهما، وكان الترابي يذكرني بميكافيلي وعبيد الله بن زياد طاغية العراق في عهد معاوية بن أبي سفيان وقال عبيد الله لن نصل الي الحق حتي نخوض في الباطل خوضا، وجيء اليه بأعرابي متهما فقال له قد تكون بريئا أيها الأعرابي لكن في قتلك صلاح الرعية.
ميثاق أسمرا 1995 :
كان الاتفاق بين أطراف المعارضة في التجمع الوطني الديموقراطي واعلان ميثاق أسمرا 1995 تجاوبا مع اعلان جون قرنق بأن سودان المليون ميل مربع لا يمكن عمليا توحيده باسم العروبة أو الاسلام أو الأفريكانية لأنه خليط من ذلك كله، وهذا حقيقة بحكم الواقع الحي كالشمس في وضح النهار لا تحتاج لبرهان وكيف يجوز في الأذهان حكم اذا احتاج النهار الي دليل لولا شنآن الصادق المهدى، فقد انسحب حزب الأمة من التجمع وأعلن الصادق المهدى ان له تحفظات ضد مشروع السودان الجديد موضوعها هوية السودان العربية والاسلامية والعربية فالتقي في ذلك مع الكيزان، وكانت اتفاقية جيبوتي يبن النظام وحزب الأمة حدا فاصلا بين حزب الأمة والمعارضة، وتخلي مبارك الفاضل عن منصب الأمين العام للتجمع الوطني الديموقراطي كما تخلي الأمير نقد الله عن منصب الأمين العام بالداخل، وأذكر أنني كنت أكتب افتتاحية النشرة السرية برئاسة الصحفي محمد عبد السيد وكان الأمير نقد الله يرى ان المقاومة المسلحة في الخارج ليست بديلا للعمل الجماهيرى بالداخل، ويفترض أن تكون الحكومة كسلطة في وطن يمور بالأحداث الدامية سعيدة بأى اتفاق سياسي بين أطراف وطنية لكن عمر البشير ادعي ان الموقعين علي ميثاق أسمرا مرتدون عن الاسلام ودعاهم الي الاغتسال من جنابة الكفر في البحر الأحمر والتوبة والعودة الي الخرطوم أو مقارعة الانقاذ بالسلاح والدايرا يجي يشيلا وما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة، وفي مشاكوس أصر الكيزان علي استثناء المعارضة من حضور المفاوضات وكان هدف الايقاد والمجتع الدولي الذى كان شريكا ايقاف الحرب وليس وحدة السودان الجغراية والبشرية، واعترض الكيزان علي المبادرة المصرية لآنها لم تكن تتضمن حق تقرير المصير واختاروا مبادرة الايقاد وحق تقرير المصير.
حق تقرير المصير:
لو أن الايقاد طالبت الطرفين بابراز هويتيهما لما وجدت لديهما هوية سوى البندقية ويتعارض ذلك مع مواثيق الأمم المتحدة لأنه اعتراف بالبندقية أداة لحسم الخلافات السياسية ومابني علي باطل باطل بالضرورة، وكانت الحكومة تعطي بلا حساب من رصيد الشعوب السودانية الذى تكون بالتعايش والتسامح والمعاشرة وكسر حاجز اللغة في زمن وجيز بحساب التاريخ بحكم الواقع التعددى، والناس يكرهون الفتن والصراعات ويفضلون السلامة وتبادل المنافع لولا طلاب السلطة الذين يتاجرون في آلام الناس ومتاعبهم، فقد اعترفت الايقاد بحكومة الكيزان ممثلاوحيدا للشعوب السودانية المغلوب علي أمرها وتجاهلت المعارضة الشمالية وميثاق أسمرا 1995 وفشل الكيزان في تمرير القوانين الدينية في الجمعية التأسيسية، وكان الانقلاب العسكرى رد فعل بخلق واقع جديد وتكريسه بقوة السلاح في مواجهة الجنوب والأحزاب الطائفية المتهمة بالمماطلة والتسويف في تطبيق الشريعة الاسلامية المزعومة، فقد اتفق الطرفان علي اتهام والدهما بفقدان الأهلية واقتسام بيت الأب وهو لايزال حيا يرزق، بدليل ان الحركة تجاهلت حقها في تحييد العاصمة القومية وتطبيق القوانين الدينية علي الجنوبيين في الشمال، وتأبطت الحركة حق تقرير المصير ووثقته دوليا واقليميا مقابل التنازل عن حقوق ضحايا سياسات الأرض المحروقة والابادة الجماعية في الجنوب، ويتعارض حق تقرير المصير مع قرار منظمة الوحدة الأفريقية الصادر في سنة 1965 بأن الحدود التي ورثتها الدول الأفريقية من الاستعمار تعتبر حدودا نهائية وبموجب ذلك القرار اعترضت المنظمة علي انفصال اقليم كاتنقا من نيجريا، وكان جون قرنق يواجه ضغوطا من بعض المثيقفين الجنوبيين الذين يتهمونه باحراق الجنوب في سبيل وحدة يعارضها الشمال أذكر منهم أبيل الير وبونا ملوال.
الاستفتاء في الجنوب:
تحالفت حكومة الكيزان مع الحركات الانفصالية في الجنوب وأمدتها بالمال والسلاح واستعانت بها في الحرب ضد الحركة الشعبية ومشروع السودان الجديد وكانت تعرف بالقوات الصديقة، كما تحالفت مع جيش الرب وهو مليشيا مسيحية تسغي لاقامة دولة انجيلية في شمال يوغندا وجنوب السودان، ونصت اتفاقية السلام علي التزام الطرفين بتشجيع الوحدة الجاذبة لكن حكومة الكيزان كانت تتعمد العمل علي تعويق الوحدة الجاذبة ليأتي الانفصال مطلبا جنوبيا، فقد كان الكيزان يريدون الانفصال ولا يريدون تحمل مسئولية الانفصال، ولو أنصفت الايقاد لأجرت الاستفتاء في الشمال بين الدولة الدينية ودولة المواطنة لأن الحرب في الجنوب عرض ما أعراض الصراع في الشمال، وقد يحل الاستفتاء مشكلة الجنوب لكنه لا يحل مشكلة الشمال بدليل تجدد الجرب في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، وكانت القوات المشتركة في اتفاقيات نيفاشا نواتا للجيش القومي لكن الطرفين لا يريدان جيشا ثالثا، وأذكر أنني ناديت بتدخل القوات المشتركة كمؤسسة قومية في دارفور لكن الحكومة لم تكن ترغب في التضحية بملشياتها المسلحة، واقترحت الاستفادة من الاغاثة الدولية في اعادة توطين النازحين كالتواريب والأدوات الزراعية والأغنام والمناحل في مناطق السافنا الغنية لمساعدة النازحين علي اكتساب قوتهم بانفسهم والعودة الي حياتهم الطبيعية ولعل حكومتنا النقالية تتنبه لذلك.

abdullah.alsadeg@gmail.com

 

آراء