استراحة

 


 

 


(كلام عابر)

عندما انتخب البرلمان اللبناني  الرئيس سليمان فرنجية رئيسا للبنان بفارق صوت واحد عن منافسه إلياس سركيس عام 1970، قال شقيق فرنجية الأكبر قولته المشهورة(الآن حلّ الخراب بلبنان). وسرعان ما صدقت نبوءة الشقيق الأكبر، فبدأت الحرب الأهلية اللبنانية في ابريل 1975م ولم تتوقف إلا في أكتوبر 1990. كان يمكن للنيران أن تصمت وهي في بداياتها  عندما طلب العديد من الفرقاء المحتربين استقالة فرنجية كمدخل للحل،ولكنه رفض بعناد (القبضايات)،  وأصر على إكمال فترة ولايته، حتى لو احترقت كل الديار اللبنانية، فتواصلت الحرب وحل الخراب بلبنان. المعروف أن مدخل سليمان فرنجية للسياسة جاء من خلفيته الإجتماعية كقبضاي. و(القبضاي) تعني (بلطجي) في مصر، و(شبّيح) في سوريا و(فتوّة) في بلدان أخرى.
وعندما جاء  عبدالرحمن الخضر واليا للقضارف، تواصل ما كان في الولاية من خراب ، واستمر الإنفاق الجريء من المال العام في مشاريع غير موفقة، لم تسبقها دراسات جدوى فنية واقتصادية حقيقية،وتولت التنفيذ  جهات عاطلة من القدرات المؤهلة لهذه الأعمال، وتواصل تحويل أموال الولاية وزكواتها  للمركز دونما إعطاء الأولوية لحاجات الولاية الفعلية وفقرائها، وكانت أبرز مظاهر الخراب هدم مبنى المجلس البلدي التاريخي. ثم لما حدثت الملاسنة الشهيرة بين الخضر وكرم الله رئيس المجلس التشريعي في نفس ولاية القضارف، جاء الرجل القوي السيد نافع علي نافع للولاية وأقال الإثنين معا في لحظة واحدة،الوالي ورئيس المجلس التشريعي. وقبل أن يذهب الخضر في (استراحة المحارب)  التقليدية القصيرة  التي تفرغ فيها لأعماله التجارية، كانت لحظة الوداع المؤثرة التي تغنت بها الركبان، و كان نصيب حرمه المصون من الكرم القضارفي كيلوجرام من الذهب الخالص جاء على شكل قندول ذرة يسر الناظرين، أما نصيب السيد عبدالرحمن الخضر فقد كان  قطعة أرض سكنية مجانية في مدينة القضارف، ومشروعا زراعيا مجانيا هو الآخر في منطقة سمسم، ومبلغا كبيرا من المال، وتوج كل ذلك بسيارة "برادو" جديدة. وقد كانت وزارة المالية الولائية من بين المتكفلين بحفل الوداع. حفل الوداع نفسه  لم يكن مناسبة سرية، بل كان بكافة تفاصيله متاحا للجميع. وغادر الرجل القضارف المثخنة بجراحها، ولسان حاله يلهج بالشكر والثناء،وخلفه وال مؤقت، من كوادر الحزب ، وهو رجل فوق الشبهات، ولكنه كان ميالا لفقه السترة، رغم أنه يشهد له بأنه المنصب سعى إليه، ولم يسع هو للمنصب. ثم خلفه كرم الله واليا منتخبا، وقبل ذلك، وعد كرم الله مرارا في حملته الإنتخابية  بفتح كل الملفات القديمة وإطلاق يد الجهات الرقابية والعدلية في دواوين الولاية، ولم يوف كرم الله، أو لم يستطع أن يوفي، بما وعد. وما لبث القوم أن ضاقوا به ذرعا لينتهي المشهد بخروجه الحزين  من دار الحكم، ربما بلا رجعة.
ثم سرعان ما انتهت استراحة المحارب، وكانت قصيرة نوعا ما، وعاد السيد عبدالرحمن الخضر واليا من جديد، ليس للقضارف هذه المرة، ولكن لعموم الخرطوم ،معيّنا أول الأمر، ثم (منتخبا) فيما بعد، وجاءت معه أيام الخرطوم العصيبة، مثلا لا حصرا عبثية  تحويل البصات المتكرر، وشراء وتشغيل  البصات المتهالكة التي بشّر بأن فيها البلسم الشافي لأزمة المواصلات الخانقة، وانتهاء  بمأساة السيول والأمطار التي  أنتجت الكارثة،التي يرفض سيادته،لا فض فوه، وصفها بالكارثة لأنها لم تتجاوز مرحلة الأزمة، فالكارثة في فقه السيد الخضر أن يموت نصف السكان، وهو أمر لا يتأتي، في أزمنة السلم، إلا بفعل غازات سامة كتلك التي حصدت أرواح أهل بلدة حلبجة الكردية العراقية أيام صدام حسين، أوبفعل زلزال عنيف كذلك الذي حصد أرواح أهل مدينة أغادير المغربية قبل عقود خلت، أو بفعل الأوبئة التي كانت شائعة في التجمعات الإنسانية في القرون الماضية قبل ظهور المعارف الطبية الحديثة. نسأل الله العافية والسلامة لعباده.
السيد عبدالرحمن الخضر رجل محترم، يحمل خلفية البيطري القدير، والقيادي الحزبي الملتزم،ونفترض أنه حسن النية، ولكنه يلازمه عدم التوفيق أينما حلّ، وينهج السياسات الكارثية، ولا يتورع من إطلاق الفتاوي في كل المعارف الإنسانية والشرعية. ليته يذهب مرة أخرى في استراحة محارب، ولو لفترة قصيرة، يسترد فيها عباد الله أنفاسهم ولو إلى حين.
(عبدالله علقم)
Khamma46@yahoo.com

 

آراء