البروف الطيب زين العابدين في ذمة الله

 


 

 


انتقل يوم الخميس الماضي البروف الطيب زين العابدين ، إلى جوا ربه ، بعد حياة حافلة بالكثير من الأعمال ، والمواقف التي كانت تثير جدلا طويلا بسبب انتمائه السابق لجماعة الاخوان المسلمين ولما أثاره بخروجه منهم من ضجة كبيرة .
عاصرت الدكتور الطيب زمانا في الجامعة الإسلامية بباكستان وعرفته عن قرب فكان من أبرز صفاته الوضوح والشجاعة الفريدة ، فهو يقول ما يؤمن به ويتبع ذلك القول بالعمل ، ولا يهمه ما يجده في سبيل ذلك من المشقة والعنت .
ومن أبرز مواقفه معارضته لانقلاب الجبهة الإسلامية وهو القيادي فيها ، وعضو مجلسها الأربعيني .
جاءت معارضة البروف الطيب رحمه الله في وقت لم يكن من الممكن لأي كائن ما كان أن يعارض خاصة وأن القوم قد أخذتهم العزة بالأثم ، وقد استكبروا وعلو في الأرض وساموا المعرضين لهم صنوف العذاب والهوان . وبينهم كبيرهم الذي يأمر فيطاع من الكبير قبل الصغير .
جاهر البروف بمعارضته للانقلاب ونصح قومه سرا وعلانية فلم يسمعوا له ،فهاجر الدكتور الطيب وذهب فارا بمبادئه وأفكاره التي لم ينتازل عنها قيد أنمله ، وقد عرضت عليه المناصب العليا التي يسيل لها لعاب المتلهفين للاستوزار وما سيجنونه منها من مكاسب الدنيا الزائله ، وهو في أمس الحاجة لعلاج ابنه ، فلم يهن ولم يلين ، وظل ثابتا عند موقفه . رافضا كل العروض المغرية التي ظلت تقدم له .
لم يخف يوما معارضته لمبدأ الانقلاب ، ولم يخف رأيه فيما حدث ، وظل مجاهدا ومقارعا بقلمه ورأيه وتشهد له مواقفه الأخيرة على وطنيته وحبه للديمقراطية .
كتب قبل وفاته وهو في أوج مرضه مباركا للثورة وداعما لها ، ولم يخف فرحه بانتصارها وكانت مقولته الشهيرة { لا خيار للجيش إلا بالانحياز للثورة } .
من أقوال الراحل :
"أنا شخصياً لم أسمع بالبشير داخل الحركة الإسلامية إلا بعد الانقلاب "
"الحركة الإسلامية تنازلت عن افكارها حتى في تنفيذ التعاليم الإسلامية فالمعارضون عُذّبوا وفصلوا من أعمالهم بالشبهات فقط "
"الفساد الذي ظهر بسبب نظرية "أموال السلطة هي أموالك"
"الحركة الاسلامية (اتفرتقت)"
* جريمة ارتداء الزي الفاضح مبتدعة وليست من الشريعة في شيء
* الوضع الحالي لن يستمر طويلاً لأن القصة “باظت” والوضع الاقتصادي صار صعباً
* قيادات النظام شاطرة في التكتيك، ولا تريد إصلاحاً حقيقياً تدفع ثمنه
* عندما يقتل طالب من المؤتمر الوطني يقبض المتهم بسرعة غير متوقعة * الحكومة تحاول “التملص” من بعض مخرجات الحوار مثل الحريات وموضوع الحكم
* تطبيق الشريعة شعار تحاول الحكومة أن ترضي به بعض السذج من أتباعها
ماذا قال عن الرئيس المخلوع وهو في قمة سلطته :
” لقد ظل رئيسا للبلاد منذ 89 والى الوقت الحاضر وهى اطول فتره قضاها رئيس سودانى وفى عهده فشلت الدوله فى الحفاظ على وحدة البلاد وفى تحقيق الامن والسلام وبسط العداله واتسمت الفتره الطويله بمصادرة الحريات وغياب الشفافيه وتفشى الفساد فى كل اجهزة الدوله وضياع اكثر من 50 مليار دولار عائدات البترول وشهد عهده احتلال حلايب ”
هذه الأقوال والتصريحات والمواقف الواضحة لم تشفع له عند بعض دعاة الثورية ممن نصبوا أنفسهم قضاة يحاكمون الناس بماضيهم مهما كان فيها من نزاهة ، حاديهم في ذلك قولهم بالباطل أن الرجل يلعب دور المعارض في لعبة توزيع الأدوار القذرة .
ومن يعرف الدكتور الطيب معرفة حقه يعلم أن الرجل لم يكن منافقا بطبعه ، وأنه صريح لحد الحدة ، ولا يقبل لنفسه لعب مثل هذه الأدوار التي لا تليق بقامة مثله .
فقد كان في غنى من أن يضع نفسه في هذا الموقف المبتذل ، وكان في امكانه أن يجد وبكل سهولة منصبا عاليا وهو المؤهل لكثير منها .
كان ابنه وهو من ذوي الإحتياجات الخاصة ووحيده بين عدد من البنات وكان من ضمن أسباب إغترابه علاجه وتأهيله في الأردن ، رفض البروف عليه رحمة الله منصب سفير السودان في تلك الدولة . وفضل أن يعالجه بمجهوده الخاص . حدث هذا ولا حرج في زمن الغفلة والنهب .
بالرغم من علاقتي الوطيدة بالدكتور واحترامي الكبير له ومناكفتي له وعلمه بأني لا انتماء سياسي لي ولا علاقة لي بالاحزاب إلا أنه لم يكن يضيق بالنقاش ولا يفرض رأيه على أحد لذا نال المغفور له بإذن الله احترام الكل ممن عاصره من أعضاء الجالية السودانية في باكستان ومن كل زملائه الذين عمل معهم في الجامعة هنا . وقد كان نعم السفير لبلاده قدم الشخصية السودانية بما يليق بها من مكانة سامية ورفيعة خلقا وعلما ومعاملة . وكان مثار اعجاب الأجانب ومحط تقديرهم . فتبوأ في الجامعة وهي جامعة عالمية بطلابها ومدرسيها منصب نائب رئيسها للشئون الأكاديمية ، وعميد كلية الشريعة والقانون ومدير دراسات متطلبات الجامعة .
وعندما رجع للسودان فضل أن يرجع لجامعته "جامعة الخرطوم " ليواصل عمله الأكاديمي فيها بعيدا عن الضغوط السياسية ودروبها التي يترفع عنها .
ألا رحم الله الفقيد البروف الطيب زين العابدين رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا . ولأسرته الكريمة خالص التعازي في فقدهم الجلل .
د.عبدالمنعم أحمد
أكاديمي بالجامعة الإسلامية
إسلام اباد . باكستان

moniem60@hotmail.com

 

آراء