التحول الديمقراطي برواية قوش عن نافع
18 December, 2009
التحول الديمقراطي له معنى واحد في كل مدارس الفكر السياسي وهو الاتجاه نحو الممارسة الديمقراطية الكاملة بكلياتها بكل ما فيها من انتخابات وتبادل سلمي للسلطة واحترام للرأي والرأي الآخر وبكل ما فيها من حكومة ومعارضة وحقوق دستورية تبيح للمواطنين حقوق التعبير السياسي بشتى أنواعه التي يحددها الدستور والقانون وبما فيها من مساءلة قانونية واحتكام للقضاء المستقل وحفاظ على الحقوق المدنية للمواطنين .
كل من يحسن الظن يدرك أن ما يجري حاليا من إجراءات في بلادنا تمهيدا للانتخابات العامة يعنى أن هناك اتجاها حثيثا نحو التحول الديمقراطي بعد ان أدركت الإنقاذ بعد عشرين عاما من الانفراد بالسلطة المثقل بالأزمات أن سبيل الديمقراطية هو السبيل الوحيد الممكن لإيجاد الحلول الممكنة في عالم اليوم المتغير لصالح الحريات العامة والحقوق المدنية وهي المحفز الحقيقي لتحقيق التنمية والسلام وكفالة الحريات الأساسية للمواطنين .
المشكلة الآن هي ان هناك بعض قادة الحزب الحاكم من الذين تعودوا أن لا يروا إلا أنفسهم ولا يسمعوا إلا أصواتهم يجدون صعوبة في إتباع السلوك الديمقراطي والتعود للتعامل وفق ثقافة ديمقراطية تحترم الآخر وتعطي المواطن حقه المشروع الذي كفله الدستور.
وطبيعي أن 20 عاما من السلطة المطلقة قد تجعل من الصعب على الذين استأسدوا وتنمروا على خصومهم أن يستسيغوا الحياة في مناخ ديمقراطي يتساوى فيه الناس محكومين وحكام وأن يتواضعوا للآخرين وفق ما يمليه القانون والدستور الديمقراطي .
وقد كشفت صور القمع والتصدي المفرط في القوة التي تعرض لها المتظاهرون سلميا في ام درمان وعدد من المدن السودانية كعطبرة وسنار والتبريرات ذات المصطلحات وعبارات التحدي الشمولية التي تسفه الآخرين وتلغي عقول الناس من بعض قادة الحزب الحاكم أن قضية التحول الديمقراطي إن صدقت لن تكون سهلة ،ولعل هذا ما يدفع الأحزاب المعارضة للإصرار على تعديل القوانين التي تبرر القمع وإسكات أصوات الآخرين من غير بطانة السلطان وتشوش على قضية التحول الديمقراطي.
ولعل ما يعبر عنه دائما السيد نافع على نافع من تشدد في العبارة واستخفاف تجاه خصومه السياسيين لا ينسجم مع ثقافة الديمقراطية رغم حرصه بأن يبدوا أمام زملائه أكثر المدافعين عن قلعة الإنقاذ مستلهما كل تراث الحماسة في السودان.
ومع الفارق الأفقي والرأسي للحالتين رأينا كيف أدارت السيدة هيلاري كلينتون منافستها مع اوباما وكيف انتهت إلى قمة السلوك الحضاري . مثلما رأينا وشهدنا كيف أدار جون ماكين خصومته مع أوباما وكيف انتهى إلى قمة الاحترام السياسي .
يرى البعض أن ثقافة المدرسة الأمنية التي ينتمي إليها السيدان صلاح قوش ونافع على نافع هي التي تدفعهما إلى التعبير الشمولي والاقصائي تجاه الآخرين وما يتبع هذا التعبير من سلوك تترجمه إجراءات الشرطة والأمن من قمع واعتقال ضد الخصوم حتى من منابر يفترض أنها منصات للتحول الديمقراطي وهذه تعتبر أحد أهم العقبات التي تواجه التحول الديمقراطي وهو ما يقتضي من المؤمنين بالتحول الديمقراطي داخل الحزب الحاكم من لعب دور أكبر لتغليب السلوك الديمقراطي وإعطاء الديمقراطية فرصة بعد 20 عاما من الانفراد بالسلطة حتى توجد البيئة الملائمة لحل مشكلات البلاد وإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان حتى إنقاذ الإنقاذ نفسها من نفسها .
وأمام الإنقاذ فرصة تاريخية نادرة للخروج من مأزقها السياسي بإحداث تحول ديمقراطي حقيقي كما يرده السودانيون لا كما يراه صقور الإنقاذ.
فالتاريخ الإنساني والسياسي عبر الحقب يخلد دائما الذين يعلون من قيم العدل والحرية ويحترمون شعوبهم ويقدرون حق مواطنيهم في الكرامة والحرية والعيش الكريم دون من أو أذى ويزدري أؤلئك الذين لا يريدون أن يرى الناس إلا ما يرون على طريقة ( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد )
لقد ساهمت الإنقاذ في سنواتها الطاردة في بعثرة آلاف السودانيين خارج بلادهم فازداد عشقهم للديمقراطية الذي تطبعوا به في بلادهم ورأوا كيف يحترم الحكام شعوبهم في الديمقراطيات المختلفة وكيف ان قيم الإسلام في تكريم الإنسان حقيقة معاشة في تلك البلدان ومفقودة في بلادنا كما قال جمال الدين الأفغاني فارتفع سقف أحلامهم ومطالبهم، يتزامن كل هذا مع اتجاه جارف يسود العالم نحو احترام حقوق الإنسان وإعلاء القيم الديمقراطية وانتهاج الثقافة والسلوك المتحضر فما أحوجنا في بلادنا لتجسيد هذه القيم بقراءة ورواية ديمقراطية راسخة في ثقافتنا السودانية المتسامحة ومستلهمة من قيمنا الإسلامية لا بقراءة المطففين من أصحاب الهوى .
Hassan Elhassan [elhassanmedia@yahoo.com]