الجيش والدعم السريع.. طاولة التفاوض السرية بين ضغط الرباعية وظلال الإسلاميين

أواب عزام البوشي
Awabazzam456@gmail.com
تُشير مصادر متطابقة إلى اجتماعات غير معلنة تُعقد منذ أسبوع بين قيادات من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بمشاركة ممثلين لتحالف “صمود” المدني، بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار ووضع ترتيبات أولية للمرحلة الانتقالية.
الاجتماعات، التي تجري في أجواء حذرة وتحت إشراف مباشر من أطراف إقليمية ودولية، تأتي بعد ضغط متزايد من الرباعية الدولية (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، مصر)، التي رفعت من مستوى انخراطها السياسي بعد أن وصلت الأزمة الإنسانية في السودان إلى مستويات غير مسبوقة.
تزامن الحراك الدبلوماسي مع موقف أمريكي أكثر تشددًا تجاه الطرفين، خاصة بعد تقارير أممية تشير إلى تدهور واسع في الوضع الإنساني، وتعثر وصول المساعدات إلى أكثر من 25 مليون شخص بحاجة للدعم.
وتُعد هذه المفاوضات إن صحّت تسميتها كذلك أول تواصل مباشر بين الجيش والدعم السريع منذ انهيار مفاوضات جدة في 2023، ما يثير تساؤلات حول دوافع كل طرف وإمكانية نجاح هذه المساعي في ظل التعقيدات السياسية والعسكرية الراهنة.
بحسب معلومات من مصادر مطلعة، فإن الجيش كان على علم مسبق بنية قوات الدعم السريع الانسحاب من بعض المناطق في الخرطوم والجزيرة، وهي خطوة وُصفت بأنها تنفيذ غير معلن لبعض بنود تفاهمات جدة السابقة.
ويرجح أن هذا الانسحاب جاء نتيجة لضغوط دولية متزايدة وتهديدات بعقوبات إضافية على قيادات الدعم السريع، إضافة إلى تقارير تحدثت عن استخدام أسلحة غير تقليدية في مناطق بالعاصمة، ما دفع القوات إلى إعادة التموضع .
في المقابل، يرى مراقبون أن الجيش يحاول استثمار هذا الانسحاب سياسيًا عبر تصويره كـ “انتصار ميداني”، وهو ما يتماشى مع خطاب الإسلاميين الداعي لاستمرار الحرب تحت شعار “معركة الكرامة”.
لكن الواقع الميداني لا يدعم رواية النصر الحاسم، إذ لا تزال قوات الدعم السريع تحتفظ بقدرات قتالية ولوجستية معتبرة، ولم تظهر مؤشرات على تفككها أو انهيار بنيتها القيادية.
العامل الأكثر تعقيدًا في المشهد يبقى النفوذ المتجذر للحركة الإسلامية داخل مؤسسات الدولة، وخاصة الجيش والأمن.
فمنذ انقلاب 1989، نجحت هذه الشبكات في بناء منظومة نفوذ تمتد من مفاصل القيادة إلى التمويل والتجنيد، وهو ما جعل أي محاولة لإصلاح المؤسسة العسكرية تصطدم بمقاومة داخلية قوية.
العديد من التقارير الإقليمية تشير إلى أن شخصيات محسوبة على الإسلاميين لا تزال تملك تأثيرًا فعليًا على القرار العسكري، وتسعى إلى تعطيل أي تسوية سياسية تُعيد السلطة إلى المدنيين، خوفًا من إعادة إحياء لجنة تفكيك التمكين والملاحقات القانونية اللاحقة.
الرباعية الدولية تدرك هذه المعضلة، وتتعامل معها بحذر. فقد بدأت واشنطن في توسيع نطاق العقوبات لتشمل شركات وواجهات مالية تابعة للإسلاميين، بينما تسعى الرياض وأبوظبي إلى بناء مسار تفاوضي متوازن يضمن استقرارًا أمنيًا على المدى القصير، دون الانحياز الكامل لأي طرف.
الرهان الدولي حاليًا هو الوصول إلى اتفاق “تهدئة مؤقتة” يسمح بعودة المساعدات الإنسانية وتهيئة المشهد لعملية سياسية أوسع بإشراف مدني.
ومع ذلك، تظل فرص النجاح محدودة ما لم يتم معالجة القضايا الجوهرية: إعادة هيكلة الجيش، إنهاء ظاهرة الميليشيات، وقطع الارتباط بين المؤسسات العسكرية والتيارات العقائدية.
أي اتفاق لا يتضمن هذه البنود سيكون مجرد هدنة مؤقتة، لا تختلف عن تجارب السودان السابقة في إدارة الأزمات بدلًا من حلها.
السودان اليوم يقف أمام اختبار معقد: إما أن يدخل مرحلة تفاوض جاد تحت مظلة مدنية قادرة على إدارة التوازنات، أو أن يعود إلى دورة جديدة من الحرب تُدار بالإنهاك لا بالانتصار.
التحركات الحالية تمثل بداية مسار، لكنها لن تُثمر ما لم يُتخذ القرار السياسي الصعب بفصل الدولة عن الولاءات الحزبية، وتغليب منطق الدولة على منطق السلاح.

عن أواب عزام البوشي

أواب عزام البوشي

شاهد أيضاً

الهدنة جاية جاية.. بس بالقطارة!

أواب عزام البوشيawabazzam456@gmail.com الهدنة الإنسانية باتت أقرب من أي وقت مضى، لكنها تتقدّم ببطءٍ محسوب، …