سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم
أخبار أخرى
بقلم د. حسن حميدة
يشير مصطلح “الحرب المنسية” إلى النزاعات التي لا تحظى باهتمام كبير في التصور العام والروايات التاريخية.، على الرغم من عواقبها الجسيمة في كثير من الأحيان. بل تحظى هذه الحروب باهتمام إعلامي أقل من غيرها من النزاعات المعروفة، وغالبًا ما تظل غائبة عن الذاكرة الجماعية. ومن أمثلة هذه الحروب “الحروب المنسية” الحرب الكورية (1950-1953) في آسيا، والتي لم تحظى باهتمام كبير في بعض الدول مقارنةً بحروب أخرى مماثلة.
يمضي الزمن، ويُستخدم المصطلح نفسه لوصف أهم الأحداث في قلب أفريقيا: “الحرب المنسية” في السودان. يشير هذا المصطلح إلى النزاعات الداخلية التي هزت البلاد لسنوات، ولم تحظَ حتى الآن باهتمام دولي يُذكر. وقد خلّفت معارك مثل تلك الدائرة في دارفور وجبال النوبة، بالإضافة إلى الاشتباكات بين مختلف الجماعات المسلحة، عواقب وخيمة ليس فقط على الشعب السوداني، بل على الدول المجاورة أيضًا.
الحرب في السودان هي صراع مسلح مستمر بين جيش البلاد وميليشيا قوات الدعم السريع شبه العسكرية، والذي استعر منذ منتصف أبريل 2023 وتسبب في كارثة إنسانية هائلة في المنطقة. حتى الآن، نزح آلاف المدنيين والذين تعرضوا للاعتداء الجنسي والإصابة والقتل. تستمر الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار ، لكن القتال، الذي يشمل أيضًا هجمات على البنية التحتية المدنية، ما زال مستمر بلا هوادة.
بحلول سبتمبر 2025، تسببت الحرب الطاحنة في السودان، في أكبر أزمة نزوح في العالم، حيث قُتل أكثر من 150 ألف مدني ونزح 12 مليون شخص داخل البلاد أو إلى دول مجاورة. غادر أكثر من 4 ملايين شخص السودان مجبرين، وكانوا معظمهم من النساء والأطفال، الذين وجدوا ملجأ موقتا في الدول المجاورة. وتشير التقديرات إلى أن ما مجموعه 13.5 مليون شخص قد تأثروا بالصراع وعواقبه.
ما يجعل ما يُسمى بـ”الحرب المنسية” في السودان فريدًا من نوعه، هو دورها كصراع يدار بالوكالة. إذ تسعى بعض الدول الغنية إلى توسيع نفوذها في منطقة، غالبًا ما تكون ليس لها صلة عرقية أو جغرافية بها. أحيانًا، تتظاهر جهات فاعلة في هذه الحرب بالتلاعب، وتُموّل الأطراف المتحاربة، وتُؤجج الصراع حتى نهايته المريرة – وغالبًا ما يكون ذلك سرًا وعلى حساب السكان المدنيين الأبرياء.
تؤثر هذه الديناميكية المدمرة على سكان من طبقات اجتماعية متنوعة، محرومين من مواردهم، ويعانون بشدة من عواقب هذه الحرب. وتستغل بعض الدول حقوق الإنسان وتستفيد من معاناة النازحين والمشردين في المخيمات، بينما تُهرّب الأسلحة والمعدات الحربية عبر الحدود سرا، تحت غطاء عون أنساني، مما يُفاقم الصراع القائم.
حتى الآن، تجاهل المجتمع الدولي إلى حد كبير “الحرب المنسية في السودان”، على الرغم من أن أكثر من 18 دولة معروفة تدعم الصراع القائم والمتفاقم بنشاط وبدرجات متفاوتة. وتستمر معاناة السكان المدنيين في المخيمات الداخلية وعلى طول حدود الدول المجاورة: بعضها يُقدّم المساعدة، والبعض الآخر يرفض تقديمها.
يُدرك المجتمع الدولي تمامًا مسار وتطورات الحرب الدائرة في السودان، والتي تجاهلها إلى حد كبير منذ منتصف عام ٢٠٢٣. إلا أن الجرائم البشعة المرتكبة ضد المدنيين في ديارهم لم تُقابل إلا بالإدانة والاستنكار. وهذا يُثير تساؤلات جوهرية حول دور المجتمع الدولي – سواءً كان مُتمثلًا في منظمات الإغاثة الإنسانية الحكومية أو غير الحكومية، أو الأمم المتحدة، أو الاتحاد الأفريقي، أو جامعة الدول العربية، أو دول الجوار، أو الدول الصديقة – ومسؤوليته في أوقات الأزمات، وسبل حلها، وواجبه في إيجاد حلول عادلة ومستدامة للشعوب التي ترزح تحت وطأة الحرب والظلم والاضطهاد في عقر أوطانها – الحرب المنسية في السودان ومجازر الجنينة وود النورة وأخير الفاشر وبارا كأمثلة حية.
معاناة الشعب السوداني متعددة الأوجه وشديدة ومؤلمة. تشير تقارير النزوح الجماعي والفرار إلى أن هذه الأزمة قد تكون من أكبر حركات النزوح الداخلي في التاريخ. فالحرب هنا كأزمة إنسانية حقيقية غالبًا ما تُغفل. وتُجبر العديد من العائلات على مغادرة منازلها واللجوء إلى الدول المجاورة بسبب النزوح، مدفوعين بالحاجة إلى الأمان والشفاء والرعاية الطبية والتعليم وعلاج الأمراض المزمنة. ويتجلى هنا العجز التعليمي بشكل كبير: فقد ضاعت لأجيال ما بين سنتين إلى أكثر من ثلاث سنوات من الدراسة، وتعرض الكثيرون لتجارب مؤلمة للغاية جراء فرارهم من الحرب.
لقد خلّفت هذه الحرب المنسية في السودان عواقب وخيمة: إذ دُمِّرت البنية التحتية، وتشرذمت المجتمعات بسببها، وشهد بسببها نزوحًا جماعيًا وكارثة إنسانية متعددة الأوجه ولا مثيل لها. وفقد الكثيرون من الناس عائلاتهم ومنازلهم وآفاق مستقبلهم. حرب منسية، ولكن تظل عواقبها وخيمة على المستقبل: الفقر المستمر، ونقص التعليم، وصدمات الحرب وما بعدها، وانعدام الأمن المطلوب للعيش، كلها عوامل غيرت حياة الكثيرين من الناس.
على صعيد آخر، تُغذّي الحرب القائمة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية ونهب الثروات والاتجار بالبشر. وتُعرّض هذه العوامل التنمية المستدامة والاستقرار على أرض الواقع للخطر، وتنعكس في الميزان العالمي، حيث تُبدد الصراعات الموارد تؤدي إلى فتور، خمول، وركود، إنهاء الأسواق، وتُدمّر فرص وإمكانات الأجيال القادمة. إن النشأة في بيئة غير مستقرة لا تُلهم، بل تُثقل كاهل المستقبل بدلًا من أن تُثريه.
من الضروري ألا نستمر في نسيان الحرب “المنسية” في السودان والصراعات المماثلة لها في العالم، وأن نعمل على إنهائها عبر كل السبل القانونية والعادلة. عبر هذه الطرق، يُمكننا التعلّم من الماضي وإيجاد حلول مستدامة للدول والشعوب المتضررة – معاناة الشعب السوداني (2023-2025) كمثال حي وواقعي. وهنا يُعدّ الدعم الدولي المحايد لعمليات السلام وإعادة الإعمار والتأهيل الاجتماعي أمرًا أساسيًا لمساعدة السكان المحليين أثناء وبعد الحرب، وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة. يؤكد خبراء النزاعات الدولية، أن الحرب الدائرة في السودان لا يمكن حسمها بقوة السلاح لصالح أيٍّ من الطرفين. على الأطراف المتحاربة أن تعلم: لا رابح بعد الحرب، حتى لو طال أمد الصراع، أو انتصر من انتصر. فالنتيجة النهائية للحرب هي الخسارة والدمار وذكريات أليمة ومروعة لما حدث بالفعل – إلى الأبد.
Email: hassan_humeida@yahoo.de
ترجمة المقال الأصلي من اللغة الألمانية إلى العربية:
مجلة دير شليبر، العدد 112، 01 نوفمبر 2025، كيل، شليسفيغ هولشتاين، ألمانيا.
نقطة أخيرة:
يُثير صمت المجتمع الدولي المُستمر وانسحابه الفعلي من الحرب المُدمرة في السودان، الدولة العضو في الأمم المتحدة منذ 12 نوفمبر 1956، سؤالاً جوهرياً. يفتح هذا السؤال الباب أمام أسئلة أخرى لا تُحصى: هل هناك نية مُتعمدة وراء هذا الصمت والانسحاب – تدمير السودان تدريجياً (القتل البطيء للدولة)، وإعادة رسم حدوده الجغرافية مجددا، لخلق دول ضعيفة وعاجزة عن إدارة شانها، دول تتبنى سياسات دول أخرى تسعى إلى البحث عن مكان، لبسط نفوذها وتقويض مصالحها في المنطقة؟ أم أنها ببساطة فرض وتتويج حكام فاشلين وفاسدين، يكون هدفهم الوحيد هو التشبث بالسلطة المحمية، لنهب ثروات السودان وموارده، ثم تسخيرها لدول أكثر نفوذاً وقوة؟
The Forgotten War in Sudan
Impact on the Population and Neighboring Countries
By Dr. Hassan Humeida
The term “forgotten war” refers to conflicts that, despite their often significant consequences, receive less attention in public perception and historical accounts. These wars receive less media attention than other well-known conflicts and often remain unnoticed in the collective memory. One example of such a “forgotten war” is the Korean War (1950–1953) in Asia, which receives little attention in some countries compared to other similar wars.
Time marches on, and the same term is being used to describe the most significant events in the heart of Africa: the “forgotten war” in Sudan. This term refers to the internal conflicts that have shaken the country for years and have thus far received little international attention. Fighting such as that in Darfur and the Nuba Mountains, as well as clashes between various armed groups, has had devastating consequences not only for the Sudanese population but also for neighboring countries.
The war in Sudan is an ongoing armed conflict between the country’s army and the paramilitary Rapid Support Forces (RSF) militia, which has been raging since mid-April 2023 and is causing a massive humanitarian catastrophe in the region. To date, thousands of civilians have been displaced, sexually assaulted, injured, and killed. International calls for a ceasefire continue, but the fighting, which also includes attacks on civilian infrastructure, persists unabated.
By September 2025, the war in Sudan had triggered the world’s largest displacement crisis, with over 150,000 civilian deaths and 12 million people displaced within the country or to neighboring nations. More than 4 million forced people left Sudan, predominantly women and children, who found temporary refuge in neighboring countries. It is estimated that a total of 13.5 million people have been affected by the conflict and its consequences.
What makes the so-called “forgotten war” in Sudan so unique is its role as a proxy conflict. Some wealthy states are attempting to expand their influence in a region to which they often have no direct connection. Manipulative actors sometimes pose as mediators, finance the warring parties, and push the conflict to the bitter end – often well-hidden and at the expense of the innocent civilian population.
This destructive dynamic affects a population comprised of diverse social strata, deprived of its resources, and suffering greatly from the consequences of war. Some countries exploit human rights and profit from the suffering of displaced and homeless people in camps, while smuggling weapons and equipment across borders under the guise of humanitarian aid and further fueling the conflict.
So far, the international community has largely ignored the “forgotten war in Sudan,” even though more than 18 known countries are actively support the ongoing and escalating conflict to varying degrees. The suffering of the civilian population in internal camps and along the borders of neighboring states continues: some provide aid, others provide or refuse it.
The international community is fully aware of the course and developments of the ongoing war in Sudan, which it has largely ignored since mid-2023. However, the horrific crimes committed against civilians in their homes have been met only with condemnation and denunciation. This raises fundamental questions about the role of the international community – whether represented by governmental or non-governmental humanitarian aid organizations, the United Nations, the African Union, the League of Arab States, neighboring countries, or friendly nations—and its responsibility in times of crisis, how to resolve them, and its duty to find just and sustainable solutions for peoples suffering under the weight of war, injustice, and oppression in their own lands—the forgotten war in Sudan and the massacres of El Geneina, Wad El Noura, El Fasher, and Bara being stark examples.
The suffering of the Sudanese people is multifaceted, severe and painful. Reports of mass displacement and flight suggest that this could be one of the largest internal displacements in history. The war is a true humanitarian crisis that is often overlooked. Many families are forced to leave their homes and seek refuge in neighboring countries due to displacement—driven by the need for safety and healing, medical care, education, and treatment of chronic illnesses. The educational deficit is significant: generations have lost between two and more than three years of schooling, and many are harrowingly traumatic experiences from their flight.
This forgotten war has had devastating consequences: infrastructure has been destroyed, communities torn apart, and there has been massive nonpareil displacement and a humanitarian catastrophe. Many people have lost family, homes, and future prospects. A forgotten war, but its consequences remain dire for the future. As examples for the severe consequences o the future are: persistent poverty, inadequate education, war and post-war trauma, and ongoing insecurity shape the lives of many people.
The war also fuels transnational organized crime and human trafficking. These factors jeopardize sustainable development and stability on the ground and are reflected in the global balance sheet, as conflicts waste resources and destroy the potential of future generations. Growing up in an unstable environment is hardly inspiring and burdens the future instead of enriching it.
It is of crucial importance that we no longer forget the “forgotten” war in Sudan and similar conflicts, and that we end them in a legal and fair manner. Only in this way can we learn from the past and find sustainable solutions for affected countries and peoples – The suffering of the Sudanese people (2023-2025) as a living and realistic example. International indifferent support for peace processes, reconstruction, and social rehabilitation is essential to help the local population during and after the war and secure a better future for future generations.
Experts on international conflict emphasize that the ongoing war in Sudan cannot be decided by force of arms in favor of either side. The warring parties should know: After a war, there are no winners – even if the conflict lasts a long time, or whichever side wins. The end result is loss, destruction, and horrific memories of what actually happened – forever.
Email: hassan_humeida@yahoo.de
Translation of the original article from German to English:
Der Schlieper magazine, issue 112, November 1, 2025, Kiel, Schleswig-Holstein, Germany.
One final point:
The international community’s continued silence and de facto withdrawal from the devastating war in Sudan, a UN member state since November 12, 1956, raises a fundamental question. This question opens the door to countless others: Is there a deliberate intention behind this silence and withdrawal One final point:
The international community’s continued silence and de facto withdrawal from the devastating war in Sudan, a UN member state since November 12, 1956, raises a fundamental question. This question opens the door to countless others: Is there a deliberate intention behind this silence and withdrawal — the gradual destruction of Sudan (the slow killing of the state), and the redrawing of its geographical borders to create weak, incapable states that adopt the policies of other countries seeking to expand their influence and undermine their interests in the region? Or is it simply the imposition and crowning of incompetent and corrupt rulers whose sole aim is to cling to protected power, plunder Sudan’s wealth and resources, and then exploit them for the benefit of more influential and powerful states? The gradual destruction of Sudan (the slow killing of the state), and the redrawing of its geographical borders to create weak, incapable states that adopt the policies of other countries seeking to expand their influence and undermine their interests in the region? Or is it simply the imposition and crowning of incompetent and corrupt rulers whose sole aim is to cling to protected power, plunder Sudan’s wealth and resources, and then exploit them for the benefit of more influential and powerful states?
