الحركة الإسلامية بين الحقيقة و الوهم
إن تجربة الإنقاذ الماثلة اليوم أمام الناس، تكشف حقائق الحركة الإسلامية، و تفضح ما كان مستبطنا، فالشعارات دائما تحاول أن تغطي العيويب و يبقي الواقع هو الحقيقة التي لا تحتاج إلي أية جدل، والغريب إن جدران الحركة الإسلامية السودانية قد تصدعت من داخلها، و بعوامل تفاعلت في صراع المصالح بعد قبضهم علي مفاصل الدولة، و ليس كما تصدعت الأخريات بسبب عوامل خارجية " الأخوان في مصر" و العوامل الداخلية ياليتها كانت بسب الأختلافات الفكرية أو القيمية فعلاجها كان أسهل، لأنه يقوم علي شروط الإقناع، و الاختيار بين أفضل التصورات، و لكنها كانت بسبب النزاع علي كارسي السلطة و غنائمها، التي أدت لاتساع دائرة الفساد، و التصدعات التي تنتج عن هذه الأسباب لا يجدي الإصلاح و الترميم معها، فالصراع لم يصبح بين إختلاف الأفكار، فصراع الأفكار يؤدي لانتشار الوعي، و يرسخ المبادئ الفاضلة عند المتاصرعين، لأنه يقوم المعارف و الثقافة و القدرة علي التآويل، لذلك يكون بين عناصر تشتغل بالفكر، إنما الصراع الحادث الآن بين مجموعة تتخندق بالدولة، و توظف مؤسساتها بهدف المكاسب الذاتية، و العمل علي الاستمرارية في السلطة و الحفاظ علي استغلال ثرواتها، و أخرى تنازعها في ذلك من خلال شعارات ترفها عن الحرية و لكنها في حقيقة الأمر لاتعبر عن ثقافتها، إنما تريدها للإستقطاب لتقوية جانبها في الصراع، و ليس كمبادئ قائمة علي الحرية و الديمقراطية، و ظهر ذلك عندما هروت للسلطة و تركت مخرجات الحوار الداعية للحرية وراء ظهرها، فالتجربة أكدت إن الحركة الإسلامية لا تبي ركائزها علي الفكر، و هي أضعف الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي إنتاجا للمعرفة و الثقافة و التآويل و إشتغالا بالفكر، و رغم إن هذه الحقائق قد عكستها التجربة، و لكنها أيضا قناعات عند العديد من القيادات في الحركة الإسلامية، حيث يقول الدكتور عبد الوهاب الأفندي في لقاء مع جريدة الصيحة ( أعتقد إن تجربة الإسلاميين قد أضرت بالإسلام ضررا قد يصعب إصلاحه، و أكاد أقول إنها مثلت جريمة في حق الإسلام و المسلمين و قد يحتاج الأمر إلي عقود قبل إصلاح هذا الخلل، لم يكتف من يسمون نفسهم الإسلاميين بتضيع فرصة قد لا تتكرر، و لكنهم ضيعوا علي من بعدهم و علي أجيال قادمة) هذه شهادة من داخل الحركة فماذا يريد علي الحاج من قيادات إسلامية تحمل وصمات الفشل و السقوط علي جباهها و غرات للصلاة مصنوعة من النفاق و الوهم.
تأتي دعوة علي الحاج لقيادات تاريخية في الحركة الإسلامية لجلسة علي مائدة عشاء في منزله، بدوافع عاطفية لفتح صفحة جديدة في التاريخ للحركة، لكي تتجادل حول كيف أن تتوحد من جديد أمام التحديات التي يشهدها الأخوان في المنطقة، حيث قال الدكتور علي الحاج للحاضرين (يجب علينا أن نتوحد علي أن لا تكون وحدتنا مبنية علي عاطفة، أنما علي حجج قوية) و أضاف قائلا (ربما يتفق البعض مع هذه الدعوة و ربما يختلف البعض معها، و لكن إذا اختلفنا يجب أن لا نتباغض و لا نتنابذ) حذر الدكتور علي الحاج أن لا تكون الوحدة مبنية علي عاطفة، بل علي الحاج نفسه دعوته ترتكز علي العاطفة، و لم يحدد فيها ماهية شروط الحجج، و علي أية برنامج تؤسس الوحدة. فدعوة القيادات التاريخية هي ستفزاز لعاطفة الإسلاميين و دفعهم إلي الوحدةبشكل عاطفي، و علي الحاج يعلم إن الحركة ألإسلامية في مأزق حقيقي، و إبعاد عدد من قيادتها عن المسرح السياسي فرضته شروط التحالفات الجديدة في المنطقة، و السلطة التي صنعتها الحركة الإسلامية بدأت تنفك من يديها، و في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة، ليس أمام سلطة الإنقاذ طريق آخر غير الانصياع لشروط التحالف الذي دخلت فيه بحثا عن مخرج لأزمتها الاقتصادية، و فروض التحدي جعلت علي الحاج يبحث عن مخرج، ليس الآن و لكن النظرة للمستقبل.
إن البحث في أضابير التاريخ لن يفيد أية دعوة للإصلاح و الوحدة، و القيادات التاريخية التي دعاها الدكتور الحاج لكي يحاورها في قضية وحدة الحركة، هل يعتقد إن هذه القيادات تمتلك الجرأة لكي تفضح أسباب فشلها في تجربة الإنقاذ علي المستويين السياسي و الأخلاقي. علي المستوى السياسي؛ جميعهم شاركوا و بفاعلية، و الذي لم يشارك سكت عن قول الحق، إلا القلة. فكان الحظر السياسي و الاعتقالات و ممارسة جميع انتهاكات الحقوق، و التشريد من العمل، و فصل الجنوب، و حالة الفقر التي ضربت الناس و جعلت 85% من هذا الشعب تحت مستوي الفقر، و تردي الخدمات إلي جانب النزاعات و الحروب التي أدت إلي التشريد و قتل مئات الآلاف من المواطنيين. و علي المستوى الأخلاقي تعين أهل الولاء دون أهل الكفأة، الفساد الذي استشرى في المؤسسات الحكومية، و كل هؤلاء محسوبين علي عضوية الحركة الإسلامية و حتى قيادات تاريخية تلوثت بهذه الفساد التحلل و التجنيب و غيرها. فهذه القيادات التاريخية كانت مشاركة و مراقبة و لم تنطق ببنت شفا، هل هؤلاء يريدهم علي الحاج أن يعيدوا إنتاج التجربة مرة أخرى، لكي يمارسوا فاشيتهم علي هذا الشعب، أم يريدوهم إرشاده للطريق الحق؟ و هل هؤلاء اتبعوا الحق في قبضتهم للسلطة أم كان الانحراف سببا للفشل؟ هؤلاء سقطت اقنعتهم و أصبحت الشعارات الطهرانية لا تتلاءم معهم، فالفشل أصبح صنوا لهم.
إن العواطف و الأشواق لا تبني دولا و حضارة، و لا تسهم في إصلاحات في الدولة أو حتى في المؤسسات الحزبية، أختارت قيادات الحركة الإسلامية أن تعيش علي تاريخ أشواقها و عواطفها، و أفضل لها أن تنسحب من الساحة، لأنها لا تملك العقل الذي يساعدها علي البناء، و تجربتها مؤلمة علي الناس، و أفضل لها أن تفسح المجال لأجيال جديدة تخالفها الرآي، و ترفض أن تعيش علي الإرث القديم، ولا تعطل عقولها كما عطلتها القيادات التاريخية، و تميل للإشتغال بالفكر و الاجتهاد في التآويل و المعرفة، و هؤلاء يمكن أن يعيدوا بناء الحركة الإسلامية علي أسس جديدة و أفكار جديدة تتصالح مع الأخر و دعوات الحرية و الديمقراطية. و كما قال الدكتور الأمين عبد الرازق المسؤول السياسي لحزب المؤتمر الشعبي في لقاء مع "قناة سودانية 24" إن الدكتور الترابي الوحيد الذي كان يشتغل بالفكر و ينتج المبادرات للتنظيم أما البقية الباقية كانت معطلة عقلها. و يقول في ذات اللقاء فتح العليم عبد الحي الأمين العام لاسائحون " إن أية دعوة لوحدة الإسلاميين لا تجيب علي الأسئلة المطروحة حول الحرية و مفهوم الدولة و التعليم و غيرها من الأسئلة تكون الوحدة غير مقبولة. و أيضا قال الدكتور قطبي المهدي في ذات اللقاء إن الحركة الإسلامية واجهت انشقاقات في مسيرتها التاريخية و أسبابها كانت في كيفية مواجهة التحديات، باعتبار هناك تصورات مختلفة. لكن نحن الآن مطالبين بمراجعات فكرية، و أيضا روحية.
إذا كانت بعض القيادات في الحركة الإسلامية تنادي بمراجعات فكرية ، و الإجابة علي الأسئلة المطروحة حول مفهوم الدول و الشورى و الحرية و غيرها، إن الإجابة لا يمكن أن تأتي من عقلية قد ساهمت في صناعة الفشل، أو من أولئك الذين أرتضوا أن يعطلوا عقلهم طواعية متثالا لرغبة الزعيم، أو عدم الدخول معه في جدل فقهي أو تآويلي، هؤلاء لا يستطيعون المساهمة في التغيير. و أية داعية إلي الإصلاح لا يمكن أن يبحث لنجاح دعوته عند الذين فشلوا في تجاربهم، إنما تجاوز تلك العقليات ضرورة لتفادي السير في طريق الفشل. إذا، وحدة الحركة الإسلامية بالدوافع العاطفية و الأشواق ليست في مصلحة الشعب السوداني، و لا في مصلحة الإسلاميين أنفسهم، و لا يمكن أن تتم مراجعات فكرية قفزا علي التجارب السابقة، إنما تأتي المراجعات من خلال إخضاع التجربة إلي دراسات نقدية تقوم بها ذات القيادات التي تنادي بالإصلاح، و الدراسات النقدية لا تميل للعواطف أو المحابة، فهي تخضع ظاهرة التجربة للخطوات العلمية المطلوبة، لكي توضح للشعب السوداني لماذا فشلت تجربتها، أو تؤكد إن هذه التجربة هي ذات المشروع الذي كانت تبشر به أهل السودان و ليس في جعبتها أفضل منه. و نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com