الحركة الشعبية والبلطجة السياسية !! التعداد نموذجاً!!

 


 

 

زفرات حرى

 

الطيب مصطفى

  

شر البلية ما يُضحك... وهل من بلية أكبر من عقد شراكة مع حركة تحتكم إلى شريعة الغاب التي تعرِّف المعاني بأضدادها؟! إن العهود والعقود عند الحركة الشعبية لا تساوي ثمن الحبر الذي كُتبت به فضلاً عن أن إعمال مثل هذه القيم في الأساس يحتاج إلى درجة من التحضر لا تتسق مع شريعة الغاب التي تحتكم إليها الحركة الشعبية!

  

أقول هذا بين يدي الضجة التي أثارها باقان أموم أمين عام الحركة الشعبية وكبير أولاد قرنق فور صدور نتيجة التعداد السكاني فقد أرغى الرجل وأزبد واحتج على الاحصائيات لا لسبب إلا لأنها لم تُرضه أو تحقق أجندة الحركة وأعلن عن رفض النتيجة بالرغم من أنها كانت قد اعتُمدت من قِبل رئيسه الفريق أول سلفاكير رئيس حكومة الجنوب ورئيس الحركة والنائب الأول لرئيس الجمهورية في إطار اجتماعات مؤسسة الرئاسة!!

  

الأدهى والأمر ما أدلى به الفريق أول سلفاكير الذي كثيراً ما أبدى تبرمه من خروج باقان وأولاد قرنق على قيادته وقراراته ولعلكم تذكرون تلك الكلمة الرصينة التي حذر فيها كير أولاد قرنق خاصة باقان وعرمان من لعب دور الفأر الذي »يقد« المركب من الخلف داخل البحر رغم أنف قائدها »سلفاكير« !! فقد طالب كير في مؤتمر ملوك وسلاطين الجنوب الذي انعقد مؤخراً في مدينة بانتيو بعدم اعتماد نتائج التعداد السكاني الخامس كأساس لتوزيع الدوائر الجغرافية بجنوب السودان بل إن الرجل طالب بعدم استخدام تلك النتائج كأساس لتوزيع الثروة والسلطة وبالرجوع إلى أرقام التعداد السابق !!

  

هل تذكرون »فنجطة« الحركة قبل صدور التعداد وإعلانها المسبق بأنها لن تعترف بالتعداد ما لم يبلغ عدد الجنوبيين »بالعافية« 15 مليون نسمة؟!

  

أين يا تُرى السيد أبيل ألير الذي ألف كتاباً سمَّاه »التمادي في نقض العهود« صب فيه جام غضبه على الحكومات السودانية المتعاقبة وصور ساسة الجنوب حتى أولئك الذين ارتكبوا أول مذبحة تطهير عرقي في حق الشماليين فيما عُرف بتمرد توريت عام 1955م ... صورهم ملائكة أطهاراً لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم في مقابل شياطين الإنس الذين هم ساسة الشمال منذ فجر الاستقلال في نظر أبيل ألير والحركة الشعبية بل وكل السياسيين الجنوبيين!!

  في تلك الأيام النحسات كان الصمت المطبق يخيم على ألسنة وأقلام الشمال والشماليين وكأن على رؤوسهم الطير لا يتحدثون ولا حتى يهمسون مهما رأوا من سلوك ساسة الجنوب لسبب واحد هو حالة الوهن والانبطاح التي سادت مسرح السياسة السودانية وأحالتها إلى مسخ مشوَّه من التردد والعجز عن اتخاذ قرارات جريئة تعيد صياغة التاريخ وتصحح مسيرته العرجاء بل عن قول الحقيقة المجردة... حقيقة أن الجنوب ظل عالة على الشمال وأن السياسيين الجنوبيين يتحملون معظم المآسي التي عانى منها الشمال ولا يزال!!    

ثم جاء منبر السلام العادل ليغير هذا الواقع الأليم في علاقة الشمال بالجنوب وليصدع بالحق ويعيد كتابة التاريخ ويحيل المجرم الحقيقي إلى مجرم حقيقي بدون تردد أو مجاملة ويبرئ المتهم بلا جريرة سوى أنه مسكين صبور بالرغم من أن الصبر أحياناً يكون عجزاً وضعفاً وانكساراً!!

  

بربكم إذا كان بمقدور الحركة أن ترفض التعداد لماذا إذاً وافقت عليه من البداية وصرف عليه 150 مليون دولار كانت كفيلة بإقامة عشرات الطرق والجسور لتربط بين أرجاء هذا الوطن المترامي الأطراف الممزق الأوصال؟!

  

إنه اللعب على الذقون... إنها البلطجة... إنها ذات الحالة القديمة التي تمنح الحركة والساسة الجنوبيين الحق في أن يفعلوا ما يشاءون لأن القلم مرفوع عنهم!!

  

بربكم إذا كانت الحركة لا توافق على ما لا ترضاه من نتائج التعداد هل بمقدور أي منكم أن يصدق أن الحركة ستقبل بنتيجة الانتخابات المقبلة إذا جاءت بعكس ما تريد؟! ألم تقرأوا تصريحات باقان أموم التي قال فيها إن الحركة ستكتسح الانتخابات القادمة في الشمال والجنوب؟! إذًا فنحن موعودون برفض نتيجة الانتخابات التي لن تحقق الحركة فيها معشار ما أعلنت أنها ستحققه!! وإذا رفضت الحكومة »التعليمات« التي يصدرها باقان حول النتائج التي تريدها الحركة فإننا بالقطع سنشهد اشتعال البلاد على غرار ما حدث في الانتخابات الكينية أو ما فعلوه إبان أحداث الاثنين الأسود!!

  

أرجو أن يكون القراء قد اطلعوا على البحث القيِّم الذي كتبه د. الطيب زين العابدين في رده على تحفظات الحركة الشعبية ومفوضية التعداد التابعة لها ولا أظن أن هناك واحداً يشك في نزاهة د. الطيب زين العابدين الذي فند بطريقة علمية جميع تلك التحفظات ومن ذلك مثلاً استشهاده بشهادات الخبراء الأجانب بمن فيهم أولئك الذين قدموا من الدنمارك والهند وجنوب افريقيا وفرنسا والأمم المتحدة وكثير من الدول الأخرى وكذلك المجموعة العالمية الاستشارية ومقرها باريس والتي شهدت كذلك بصحة التعداد وشهادة كبير المستشارين بلجنة المراقبة مستر بالي ليهوهلا الخبير العالمي الذي يعمل مديراً لجهاز الاحصاء في جنوب إفريقيا والذي قال »إن التعداد في السودان كان ناجحاً بل هو النجاح بعينه« وأوصى بأن »تُعمم التجربة السودانية بكثافة حتى يستفيد منها الآخرون خاصة البلاد التي تعاني من صراعات أو الخارجة من النزاعات«. ثم قال د. الطيب إن »تحفظات الحركة لم تجد تأييداً من مجموعة العمل الفنية ولا من المانحين السبعة ولا من صندوق الأمم المتحدة للسكان ولا من لجنة المراقبة والمتابعة القومية ولا من خبرائها من السودان«.

  أقول مخاطباً القوى السياسية جميعها بما فيها المؤتمر الوطني والحكومة بأنه آن الأوان لأن ينتهي عهد التدليل الذي ظل الجميع يسبغونه على الحركة وعلى القوى السياسية الجنوبية بل آن الأوان لأن نفكر في جذور المشكلة... مشكلة العلاقة العرجاء بين الشمال والجنوب!!   

 

آراء