الخرطوم .. ما وراء ضجة “جراب الحاوي”؟ … بقلم: د. ياسر محجوب الحسين
yasirmahgoub@hotmail.com
أمواج ناعمة
هل قال النائب الأول السابق للرئيس السوداني عمر البشير شططا، حتى تمور أروقة حزب المؤتمر الوطني الحاكم موراً بالغضب والسخط ويضاء الضوء الأخضر لقيادات من الصف الرابع لتتولى الرد وبلغة لم تراع مكانة الرجل في الصف الأول من القيادة التنفيذية والسياسية للدولة والحزب لمدة ربع قرن من الزمان.. نعم قال الرجل شططا عندما انتقد كثيرا من المواقف السياسية انطلاقا من قضية الحوار الوطني الذي تسعى الدولة لتسويقه آملا في ايجاد مخرج من عنق الزجاجة والنفق المظلم الذي تردت في دركه.
قال طه في افطار رمضاني في منزله جمعه بمجموعة من اتحاد الشباب وعدد من الصحفيين، أن الشعب السوداني لم يلتقط فكرة ومنهج أن الحوار هو سلوك حضاري وأسلوب تعامل يومي.. ولن تكون هناك فائدة حتى لو تم اتفاق بين الأحزاب والتنظيمات السياسية المتحاورة على كل نقاط الخلاف. والنقطة الأكثر اثارة في انتقادات الرجل عندما شبه الحوار الوطني الذي مرت عليه أكثر من ثلاث سنوات بجراب الحاوي، وجراب الحاوي يخفي الكثير الذي لا يمكن التنبوء به وقد شيئا سارا أو العكس.
وسارت رياح اعداء الرجل عاصفة تخوف قيادة الدولة من مقصد الرجل الذي أراد به تبخيس الجهد المبذول لكونه غاضب بعد مغادرته المنصب الرفيع.. وتحولت الهجمة المرتدة إلى ردود رسمية من جانب الحزب الحاكم وقال نائب رئيس القطاع السياسي في الحزب: "إن حديث علي عثمان رأي شخصي ولا يمثل رأي الحزب بل وان ذلك أحدث تأثيراً ليس فقط داخل المؤتمر الوطني بل امتد تاثير ذلك للأحزاب المشاركة في الحوار".
وأغفل المتربصون بالرجل عن عمد دعوته للشباب: "لا تدعوا راية الشباب تسقط، فالحوار ليس مجرد مجرد واقعة زمانية مكانية باشخاص محددين حول قضايا يتناقشوا فيها يختلفوا أو يتفقوا". داعيا لأن يكون الحوار منهج وسلوك يومي ينبغي أن يتسع ويتعمق.
وأعتبر الرجل أن كل الأحزاب السياسية السودانية أخطأت في بعضها ويفهم من ذلك أن الحزب الحاكم ضمنها. ويرى أن تلك الأحزاب درجت على عدم قبول الأخر وتبخيسه والحط من قدره. وقال متحدقا عن خطيئة الحركة اليسارية، أن الأحزاب اليسارية خاصة الحزب الشيوعي حاولت أستنبات فكرة الصراع الطبقي في بلد ليس فيه طبقات حقيقية في محاولة لإشعال روح الحقد. لكن الرجل استدرك وقال أن ليس معنى ذلك أن الحركة اليسارية السياسية بلا إيجابيات وبلا نقاط مضيئة في المسار العام، فهم بنفس القدر يقومون الأن بمراجعات ويعتقدون أنهم ظلموا أنفسهم وكذلك الآخرين عندما اعتبروا أن الإسلاميين وكل الحركات الآخرى ليس لها من فضل وليس لها من إيجابية.
بعض المقربين من طه يقولون أنه بعد عن ترك المواقع التنفيذية والسياسية، شرع في إجراء مراجعات نقدية شاملة ودعا الحركة الإسلامية إلى عدم إحتكار السلطة وقد ضرب مثالاً بين مناهج الحركة الإسلامية التونسية ورصيفتها السودانية فالاولى أعادت قراءة الواقع بشكل جيد. ولم يكن الرجل على يبدو يريد أن يخفي شيئا لعلمه بوجود الصحفيين وبالتأكيد وجود العناصر الأمنية، بل مازح الصحفيين قائلا: "ما تمشوا تنشروا كلامي هذا وتعملوا لينا مشاكل" .
كان طه يعتبر الأقرب لخلافة الرئيس البشير بمعايير كثيرة لكن الهواجس والصراعات التي تبتعد في أساليبها عن المؤسسية جعلته اليوم بعيدا عن هذا الموقع الذي لابد وأن يشغر يوما ما. فعند وفاة النائب الأول الأسبق في حادث سقوط طائرة في العام 1998م، وجد البشير في طه الرجل المناسب للقيام بمهمة النائب الأول.. وكان نجمه قد برز عندما أن أنتخب رئيساً لإتحاد طلاب جامعة الخرطوم عام 1967م.. وقد ظهرت مواهبه السياسية منذ أن أُبتعث وعمره 30 عاما الى بريطانيا في العام 1977 للقاء القيادي الاتحادي البارز المرحوم الشريف حسين الهندي، زعيم الجبهة الوطنية المعارضة لحكم الرئيس الاسبق جعفر نميري، لينقل وجهة نظر جبهة الميثاق الاسلامي حول عملية المصالحة الجارية حينذاك مع نظام نميري.. كذلك إستفاد طه كثيراً من تقديمه المبكر للقيادة، تحديداً منذ العام 1986م عندما أصبح نائباً للأمين العام للجبهة الإسلامية القومية التي كان يقود أمانتها العامة الراحل الدكتور حسن الترابي، وكذلك قيادته للمعارضة البرلمانية في مواجهة الصادق المهدي 85 - 1989.
قد لا يعني الكثيرين ذلك الصراع المستعر داخل الحزب الحاكم، بقدر ما يعنيهم كيف يدير ذلك الحزب المستأثر بالسلطة منذ 1989 شؤونه الداخلية؛ فأن لم يستطع قبول الرأي الآخر والنصح حتى ولو أعتبر الرجل مواطنا عاديا من حقه الجهر بقوله، فإنه ينطبق عليه القول المأثور أن فاقد الشيء لا يعطيه. وهذا ما يفسر حالة الاحتقان السياسي التي تعتري الساحة السياسية.