السودان: حوار ما بين النجاح والفشل
د. الشفيع خضر سعيد
6 June, 2022
6 June, 2022
أشرنا في مكتوب سابق إلى أن تاريخ الحوار السياسي في السودان، رغم تعدد وكثرة محاولات إنطلاقه، يغلب عليه الفشل والإخفاق، بمعنى أنه بدلا من أن يؤدي إلى إنقشاع الأزمة وحدوث إنفراج سياسي، يكون ناتجه مزيدا من التعقيد والتأزم. فلماذا دائما هذا الفشل والإخفاق وكيف تفاديهما، وماهي التحديات الرئيسية التي ستواجه أي عملية سياسية في السودان يشكل الحوار جوهرها وآلية عملها الرئيسة؟
أعتقد يمكننا استخلاص الإجابة على هذا السؤال الرئيسي من دراسة التجارب العديدة التي شهدها السودان، والتي حاولت مخاطبة أزماته المزمنة والسعي لإختراقها عبر العملية السياسية وآلية الحوار. أما العناصر الرئيسية لهذه الإجابة، فيمكننا تلخيص أهمها في النقاط التالية:
أولا، من الأسباب المباشرة لفشل أي عملية سياسية وأي حوار، عدم الجدية، والتعامل مع آلية الحوار بإعتبارها مجرد مناورة تكتيكية لتحقيق أهداف خاصة بهذا الطرف أو ذاك من أطراف الحوار. مثلا، في كثير من الأحيان تتعامل الأنظمة الحاكمة مع العملية السياسية ومع الحوار والتفاوض كمناورة وتكتيك بهدف كسب المزيد من الوقت أو تفتيت القوى المعارضة لها، وذلك حتى تضمن استمرارها في الحكم لأطول مدة ممكنة. لذلك، من المهم جدا أن يكون هناك وضوح تام بشأن الأهداف والغايات النهائية للعملية السياسية، كما يجب النظر إلى آلية الحوار على أساس أنها وسيلة لمحاولة مخاطبة وحل الأسباب الجذرية للأزمات، لا أن تؤخذ على أنها مناورة سياسية ومحاولة إلتفاف للبقاء في السلطة لفترة أطول. والتجارب السياسية، في السودان وغير السودان، تحدثنا بأنه إذا تم إختزال قضايا العملية السياسية وقضايا الحوار فقط في مسألة المشاركة في السلطة، فإن باقي القضايا، والتي تشكل جوهر الأزمة، ستتحول إلى ملحقات ثانوية وغالبا ما تسقط وتفشل معها مجمل العملية السياسية، وتستمر الأزمة، بل تشتد تفاقما.
ثانيا، العديد من عمليات الحوار والتفاوض السياسي، لا تضع في حسبانها ما سبقها من عمليات مماثلة،
فتنطلق كل عملية جديدة وكأنها تبتدئ من الصفر أو المربع الأول، بينما المنطقي والمفيد وتماشيا مع المنهج العلمي، قبل الدخول في أي عملية سياسية جديدة وأي حوار جديد، استصحاب النتائج التي توصلت إليها العمليات التي سبقتها، غض النظر عن أنها وصلت أو لم تصل إلى نهاياتها المرجوة، مع ضرورة دراسة أسباب فشل تلك العمليات السابقة. وفي ذات السياق، من المفيد، بل والضروري، في كل عملية سياسية جديدة، أو حوار أو تفاوض جديد، استصحاب الوثائق والإتفاقات التي توصلت إليها عمليات الحوار والتفاوض السابقة.
وفي هذا الصدد، فإن المكتبة السياسية السودانية زاخرة بالعديد من هذه الوثائق الهامة مثل: وثائق مؤتمر التجمع الوطني للقضايا المصيرية في أسمرا (يونيو 1995) إتفاق السلام الشامل في نيفاشا (يناير 2005) إتفاق القاهرة (يونيو 2005) إتفاقية أبوجا لسلام دارفور (مايو 2006) إتفاقية الشرق/أسمرا (أكتوبر 2006) إتفاقية الدوحة لسلام دارفور (يوليو 2011) مبادرات المجتمع المدني في الخرطوم حول صناعة الدستور (ديسمبر2011) ميثاق الفجر الجديد الموقع في كمبالا (يناير 2013) الإعلان التأسيسي لدولة المواطنة والديمقراطية الموقع في أديس أبابا (ديسمبر 2014) وثيقة الإعلان الدستوري لقوى نداء السودان الموقع في باريس (مارس 2018) وثيقة إتفاق جوبا لسلام السودان (أكتوبر 2020) وإتفاق إعلان المبادئ الموقع بين البرهان والحلو في جوبا (مارس 2021).
ثالثا، إذا لم تتوفر عند كل أطراف العملية السياسية الرؤية الواضحة لمعالجة وحل الأسباب الجذرية للأزمة، والتي يتم التعبير عنها بموقف تفاوضي واضح، فإن العملية السياسية سيكون مصيرها التعثر.
رابعا، أي طرف من أطراف العملية السياسية والحوار لابد أن ينخرط في العملية السياسية متحليا بإرادة سياسية قوية قائمة على الاستعداد لتقديم التنازلات، ولقبول مبادئ وقواعد التسويات التاريخية. بغير ذلك، من المؤكد أن تفشل العملية السياسيىة. وكما ظللنا نكرر كثيرا، فإنه في ظل هذه التنازلات والتسويات التاريخية، لا يوجد خاسر، بينما سيكون الرابح الأكبر هو الوطن وشعبه.
خامسا، من ضمن العوامل التي تؤثر سلبا في أي عملية سياسية، حصرها الحوار والتفاوض في النخب السياسية فقط دون مشاركة أصحاب المصلحة والقوى المجتمعية، وإحاطة العملية السياسية بسياج متين من التعتيم والسرية، بعيدا عن أعين ورقابة الناس، وبعيدا عن التواصل الحر بين الجماهير وممثليها في طاولة الحوار، مما يعمق الشعور بأن الحوار ربما يسير وفق إرادة النخب السياسية وليس إرادة الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية، وأن هذه النخب ربما تخضع لضغوط خارجية مختلفة ومتباينة المصالح وليس ضغوط وإرادة شعب السودان، وأن التعتيم والسرية يشجعان على مساومة الصفقات الفوقية، والتي تختصر القضايا في اقتسام السلطة والثروة، دون التركيز على القضايا التي تعالج جذور الأزمة، كما يشجعان إهمال القضايا المجتمعية الملحة كقضايا العدالة وجبر الضرر والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية…وغيرها من القضايا الهامة والأساسية في مفاصل الأزمة. إن السير في إدارة العملية السياسية وفق هذا النهج الخاطئ، يعني أن ما سيتم تقريره بشأن حاضر ومستقبل البلاد، سيأتي هشا ومؤقتا ولن يكتب له الاستمرار، ناهيك عن الاستدامة، مثلما لن يكتسب الشرعية بحكم الواقع أو بوضع اليد، لأنه يتم من وراء ظهر الأغلبية الساحقة من شعب السودان. لذلك، دائما وأبدا يجب أن تكون كل مراحل العملية السياسية وعمليات الحوار شفافة ومفتوحة للجمهور مع دور إيجابي وبناء للإعلام.
سادسا، التحضير الجيد والحيوي وبمشاركة كل الأطراف، من نخب سياسية وقوى نظامية ومجتمع مدني ومجتمع أهلي، هو ضمان نجاح العملية السياسية والحوار، وبغير ذلك سيكون الفشل بارزا. وهناك قضايا جوهرية لابد من التوافق عليها في المرحلة التحضيرية للعملية السياسية وما يتضمنها من حوار وتفاوض، مثلا من هي الأطراف المشاركة، ما هي آلية اتخاذ القرار (عادة بالإجماع) كيف يمكن إخراج الشيطان من التفاصيل؟
نقلا عن القدس العربي
///////////////////////////