القضايا النوبية شائكة ومتعددة وليست محصورة في تهجير النوبيين ولا في شهداء كجبار وكدنتكار. وليست محصورة في مناهضة قيام سد كجبار أو دال. ولا في اللغة النوبية أو في حلم العودة. وليست في تنمية وادي الخوي او مشروع وادي سليم او مشروع البرقيق او تنمية بحيرة النوبة او مشروع تنري. او طريق شريان الشمال او في حريق النخيل. او في مشاكل التنقيب العشوائي، او تهريب الاثار أو في الامراض المستوطنة او في السرطانات المتفشية او في استهداف الهوية النوبية. ويمكن لي ان أسترسل في طرح الكثير منها. وبالمقابل ايضا في الشق المصري هنالك قائمة اخرى من المشاكل. فالقائمة تطول وتطول فهي مجموعة من القضايا الشائكة والمتداخلة التي بقيت تتفاقم مع مرور الزمن. وقيادتنا ومثقفينا في (الشق السوداني) منشغلة بخلافات سياسية أو فكرية مناصرة لتيارات اليسار او اليمين بمباركة ومساندة مباشرة أو غير مباشرة من كل كتل الاحزاب السياسية التي نجحت في استقطاب اعداد وفيرة من مثقفينا وأصبح همهم الاول مناصرة تلك الجهات والانتماءات الحزبية والفكرية على حساب القضايا والاطروحات النوبية. لتبقى المشاكل النوبية تتراكم وتتفاقم في غياب وعي مجتمعي نوبي طغت عليه الولاءات والانتماءات الحزبية. فأصبح وسيلة كل تلك التيارات والأحزاب والمنتمين اليها استخدام عبارات (الوطنية والقومية) وما اليها من اسماء لإسباط الهمم تحت دعاوي الوطنية. - "هذه الظاهرة بدأت ايضا في الشق النوبي المصري"- وظهرت تداعيات ونداءات وشكليات لا اساس لها من المصداقية بغرض افشال أي عمل سياسي او اجتماعي او تنموي يقوم على اجماع نوبي، خشية ان يتحول ذاك العمل الى كتلة منافسة لهم في توجهاتهم السياسية المستهدفة في الاصل التآزر بالجموع النوبية في اطروحاتهم السياسية الرامية الى الوصول الى مقاعد السلطة والتي اخذت في الفترة الاخيرة مسمى تقاسم (السلطة والثروة). نعم اقولها كثيرا وارددها بكل ثقة :- ان تواجدهم في الساحات النوبية كان بغرض مؤازرة تياراتهم السياسية والفكرية. ودليلي على ذلك بقاء مناطقنا النوبية على هامش خريطة التنمية. فإذا كان تواجدهم في الساحات لمؤازة القضايا النوبية لما بقيت مناطقنا منذ استقلال السودان والي يومنا هذا تستجدي القيادات والكيانات والحكومات المتعاقبة حقوقها, بالرغم من وجود شخصيات وأفراد منتمية الى مناطقنا النوبية على رأس تلك الجهات, وعلى مدى قرن من الزمان او يزيد.
فمنذ فجر قيام الهيكليات السياسية في السودان كانت تستهدف -وهي مازالت في مهدها- المجتمعات النوبية وكوادرها من المثقفين وأهل المكانة الاجتماعية منهم واستمالتهم لأفكارهم وتياراتهم الحزبية بغرض المؤازرة، بينما بقيت النوبية والقضايا المناطقية في حزم (العنصرية والجهوية ) حسب تقديرات قادتهم، كما تم تغذية كوادرهم بتلك الافكار المستحدثه لذاك الغرض. حتى الجمعيات المناطقية في العاصمة وفي المدن وكذا أي شكليات للتجمعات حُوصرت بقوانين ولوائح تمنع ممارسة الفكر او المطالبة بتنمية المناطق تحت زعم منع ممارسة العمل السياسي. مختصر القول انه مازال في اواسطنا النوبية من هو باق على فكره وانتماءاته الفكرية والحزبية. ويعتقد بأنه من الممكن ان يسوق الجموع النوبية كقطيع يبلغ بهم اهدافه السياسية بإثارة او تبني مشكلة او قضية مطروحة في الساحة من جملة القضايا الشائكة, فان أي تصور بان القضية النوبية منصبة أو محصورة في أي واحدة من تلك. لها ان تُقزم العمل النوبي وتُهدر الكيانات والهيكليات والجهات الراعية لها او الساعية لتحقيق اهداف من خلالها. فان لم يكن الكيان النوبي المزمع قيامه خالص الانتماء للنوبية, ويعمل على تبني القضايا النوبية اينما وجدت دون خلط او حيادية او ميل لتيارات اليمين او اليسار, او تُهادن او تأجيل لاطروحاتها النوبية من اجل القضايا الوطنية وما اليها من ادعاءات يمكن ان تفتح الباب او تجعله مواربا تمنح فرص تناول بعض منها على حساب القضايا النوبية هو امر مرفوض.
كما ان هنالك سمة اصبحت ملازمة لتحركات الساسة والمنشغلين بها, منها التعبير عن رفضهم لهذا التيار او ذاك بإطلاق نعوت على المنتمين اليها. فذاك امر انصرافي غير مقبول. فيجب ان تكون حريات الانتماءات السياسية للنوبيين مكفولة بدون قيود, بحكم انهم اعضاء فاعلين في مجتمعاتهم المحيطة وفي الوطن. ولهم حرية اختيار توجهاتهم الفكرية والسياسية, ولا ينقص ذلك من نوبيتهم فالكل فيه سواء. فبعطاءاتهم وجهودهم المبذولة في دفع عجلة العمل النوبي وتنميته, يكون لهم مكانة وتقدير ودعم ومؤازرة بقدر عطائهم للعمل النوبي وإخلاصهم فيه.
كما انه لا يجوز بالمنطق ان نطلق اسم (الكيان النوبي الجامع ) لجهة لها ان تتبنى القضايا الوطنية بذات القدر التي تتولى بها القضايا النوبية. فان لم تكن للقضايا النوبية اولوية قصوى ومطلقة. فلهم ان يختاروا من الاسماء ما شاءوا. وإذا كان لهم ان ينطلقوا مؤازرين ومسنودين بجموع النوبيين لهم ان يعلنوا صراحة بأنهم قاموا من اجل تبني القضايا النوبية الخالصة (مجتمعة) دون حياد او تفرقة وأنها تحتل المرتبة الاولى في اولوياتهم دون مفاصلة. حتى تطمئن الجموع النوبية ان الباب ليس هو بموارب لحِين. ويمكن ان يدخل من خلاله قطاعات وشكليات سياسية تنتظر خلف الباب.
محمد سليمان احمد – ولياب الملتقى النوبي الثقافي الاجتماعي 10 اكتوبر2014م