اليونسكو.. السياسة تقهر الثقافة …. بقلم: د. ياسر محجوب الحسين
أمواج ناعمة
اليونسكو UNESCO، هي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، وهي إذن معنية بالدرجة الأولى بخمسة برامج أساسية هي التربية والتعليم، والعلوم الطبيعية، والعلوم الإنسانية والاجتماعية، والثقافة، والاتصالات والإعلام. ومن مهامها إعلان قائمة مواقع التراث الثقافي العالمي. وتهدف كذلك إلى المساهمة فI ي إحلال السلام والأمن عن طريق رفع مستوى التعاون بين دول العالم في هذه المجالات لإحلال الاحترام العالمي للعدالة ولسيادة القانون ولحقوق الإنسان ومبادئ الحرية الأساسية.
بيد أن المنظمة ظلت مثارًا للجدل بشكل كبير على مر تاريخها وربما منذ تأسيسها في العام 1945، وخلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي اعتقدت الدول الغربية وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا أن المنظمة مستغلة من قبل الشيوعيين، ودول العالم الثالث لمهاجمة الغرب الأمر الذي حدا بالمنظمة لتطوير خطة سميت بالنظام العالمي الجديد لإيقاف ما اعتبرته أكاذيب مزعومة ومعلومات المضللة. لكن الغرب رفض هذه الخطة بحجة أنها محاولة من دول العالم الثالث والدول الشيوعية لتدمير حرية الإعلام فانسحبت الولايات المتحدة من المنظمة عام 1984م وتلتها بريطانيا عام 1985م، قبل أن تعودان لاحقا إلى المنظمة حيث عادت بريطانيا عام 1997 وأمريكا عام 2003.
لكن بعد موافقة المنظمة على قبول فلسطين كعضو، أوقفت الولايات المتحدة، وهي أكبر ممول للمنظمة، دعمها المالي لها. وتمول الولايات المتحدة 22% من الميزانية العادية للأمم المتحدة، و28% من عمليات حفظ السلام. وفي خضم معركة انتخاب المدير الجديد لليونسكو انسحبت واشنطن مجددا الأسبوع الماضي وهذه المرة بسبب إسرائيل.. واتهمت واشنطن اليونسكو بـ"التحيز ضد إسرائيل". وسيصبح الانسحاب الأمريكي ساريا في ديسمبر العام القادم 2018، والتقطت إسرائيل القفاز وأشاد رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بالقرار الأمريكي، ووصفه بأنه "شجاع وأخلاقي".
رئيسة اليونسكو المنتهية ولايتها، ايرينا بوكوفا، اعترفت بشكل صريح بأن التسييس كان له الأثر السالب على المنظمة في السنوات الأخيرة. وسبق الموقف الأمريكي بالانسحاب، تنديد اليونسكو بأنشطة قامت بها إسرائيل في الضفة الغريبة وغزة، مع إدراجها مواقع في الأراضي الفلسطينية المحتلة ضمن مواقع التراث العالمي باعتبارها مدينة فلسطينية إسلامية، فيما نددت إسرائيل بتجاهل ما وصفته ارتباط الخليل باليهود منذ آلاف السنين.
ولم يكن موقف واشنطن معول هدم للتراث والثقافة العالمية فحسب، بل هذا المعول يشمل مجالات أخرى كحماية البيئة فبالأمس القريب أعلن رئيس الوكالة الأمريكي لحماية البيئة، أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تعتزم إلغاء "خطة الطاقة النظيفة"، وهي خطة سلفه باراك أوباما حول المناخ، وهدفت "خطة الطاقة النظيفة" لتسريع الانتقال في مجال الطاقة، على محطات الطاقة الحرارية التي تستخدم الطاقة الأحفورية، خفض انبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون بنسبة 32 بالمائة بحلول 2030 مقارنة بمستواها عام 2005.
وقبل عشرين عامًا أي في سبتمبر 1997، تم إقرار حظر الألغام المضادة للأفراد بموجب اتفاقية دولية. لكن الولايات المتحدة رفضت التوقيع على الاتفاقية. وقبل ذلك في العام 1992 رفضت التوقيع على المعاهدة الدولية الأولى في شأن تغير المناخ بريو دي جانيرو بالبرازيل وهي اتفاق إطاري خاص بالحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، بحجة أن الالتزام بالاتفاقية يضر باقتصادها.
لعل فوز مرشح قطر الدكتور حمد عبد العزيز الكواري الذي كان وشيكا كان سيعيد لهذه المنظمة المهمة وضعيتها الثقافية البحتة بعيدا عن غول السياسية فالرجل له مسيرة في الدبلوماسية الغنية بالتجارب والخبرات التي امتدت منذ عام 1972، بالإضافة إلى توليه منصب وزير الإعلام ثم وزير الثقافة لأكثر من عشرين عاما 1992 - 2013. ويؤمن الكواري الحاصل على ثلاث مراتب شرف من ثلاثة رؤساء فرنسيين مختلفين، بأن "التراث هو إحدى ركائز هوية الأمم، وضمير الإنسانية الحي"، و"أن التحديات التي تمر بها اليونسكو تجعلها في حاجة لانطلاقة جديدة تتّسم بالإبداع في الطرح لتحقيق أهدافها النبيلة، ولذا فإن شعار حملته للترشّح لإدارة المنظمة هو "نحو انطلاقة جديدة".
yasirmahgoub@hotmail.com