انت أكبر منى مرتين يا سيد الرئيس عمر حسن البشير ولى حكاية أود أخبرها لك
بعدما شاهدت ما يجرى فى السودان من مظاهرات شعبية متواصلة تطالب برحيل الرئيس السودانى السيد عمر حسن البشيرعن السلطة بعد 30 عاما فى الحكم شعرت ان عندى حكاية اود ان أخبرها او أرسلها الى عمر البشير قبل فوات الاوان.
قبل كتابتى لهذه الحكاية كنت دائما أفضل مناقشة القضية السودانية مع أصحابى السودانيين وعندما اندلعت المظاهرات السودانية المطالبة لإسقاطك شعرت أن هذه الثورة متغيرة عن الإحتجاجات التى قبلها، لذا قررت ان اخبر هذه الحكاية الى المشير عمر البشير.
أولا إسمح لى يا سيد الرئيس أن ارسلك هذه الرسالة المباشرة وانا لم اتعد الرابعة والثلاثين من عمرى علماً انك أكبر منى مرتين ولكن إحتراما للشعب السودانى الطيببين ورئيسهم المحترم شعرت ان الوقت قد حان للتغيير.
فى العالم الذى نعيش فيه حدثت تغيرات كثيرة سياسية، إقتصادية، طبية و تكنولوجية إبتداء من الصومال التى مرت بها 6 رؤساء على التوالى الى امريكا التى شهدت أيضاً 5 رؤساء فى البيت الأبيض حيث اصبح جورج بوش الاب الذى اختير فى العشرين من يناير عام 1989رئيساً لأمريكا, اى خمسة شهور قبل قيادتك للإنقلاب العسكرى فى الثلاثين من يونيو.
الجذير بالذكر ان جورج بوش الاب الذى وصل الى السلطة فى نفس السنة التى إنقلبت على الحكومة الديمقراطية المنتخبة برئاسة رئيس الوزراء المنتخب الصادق المهدى قد توفى الشهر الماضى عن عمر يناهز 94 عاما.
لو نظرنا الى العقود الثلاثة الماضية سجل العالم أحداث تاريخية كثيرة: انقلابات، انتخابات،ثورات، انتفاضات وتغييرات؛ رؤساء انتخبو بديمقراطية اطيحو بانقلابات، بعض الرئساء إنتهت مسيراتهم خارج القضبان.
هناك ايضا رؤساء دول عربية مثل أمثالك والذين كانو يديرون شؤون بلدان خلال ثلاثين عاما او أكثر ثم اصبحوا يا إما قتيلا أوتركو على السلطة إجبارياً فى أيادى هذه الشعوب بعد ثورات إحتجاجية دامية ضدهم.
انا لست زعيم أمة يارئيس ولكن إذا شعرت مثلاً أن هناك الآف من شعبى ينددوننى بعبارات "إرحل إرحل" فى هذه النقطة على أن لا أفكر كما كنت أفكر من قبل لأن كل شىء لا يدوم الى الأبد.
دونت التاريخ خلال السنوات الماضية قصة حاكم عربى إختار أن يستعمل العنف والقوة لشعبه بدل تركه عن السلطة فقتل الآلاف وشرد الملايين من البشر، و الى يومنا هذا يعتبر نفسه الرئيس الحقيقى المنتخب ديموقراطيا؟ هل من المعقول أن تحكم بلد دمرتَ بأكمله دماراً شاملا وجرحت قلوب الملايين من المواطننين الأبرياء؟
فى بلدان العالم الثالث هناك اعتقادات تؤمن أن الحاكم الواحد فى سنوات طويلة أحسن من رئساء متعدده تدير الوطن واحد تلوى الآخر على أساس أن القادة القدامى المعترفين فى هذه البلدان أحسن من الجدد وهذا خطاء كبير وغير منطقى لأن اذا صلح هذا الحاكم مثلاًوأصبح عادلاً تسير الأمور على ما يرام واذا أصبح غير ذلك يقود بلده نحو الهاوية.
هناك حكام دونو اسمائهم فى التاريخ باحرف من ذهب, وقادو بلدانهم نحو القمة وعندما انتهو مدة ولايتهم اختاروان لا يشاركو فى الانتخابات المقبلة وقررو ترك السلطة ولوحاولو الترشح من جديد لفازو فى فترة ثانية.
لس لم انسى ايضا الحادثة الشهيرة التى حدثت فى ميلانو فى ديسمبر عام 2009 حينما هاجم مواطن إيطالى ومعه حجرفى يده رئيس الوزراء الايطالى أن ذاك سيلفيو برلسونى وتسبب فى كسر أنفه وسقوط إثنين من اسنانه, وقطع شفته العليا وقبل هذه الحادثة بعام فاز برلسكونى منصب رئيس الوزراء الايطالى فى المرة الثالثة.
لم ترحم الثورات والإنقلابات عن واحد من أطول الحكام فى افريقيا؛ الرئيس الزيمبابوى روبرت موغابى الذى انقلب عليه نائبه الملقب بالتمساح والذى اعلن أنه هو الرئيس الشرعى فى زيمبابوي.
إذا طولت عن الحكم فهذا لا يضمن أن تبقى على السلطة مدى الحياة لانى عشت فى زمنٍ أعدم رأساؤء ظلو فى الحكم لأكثر من ثلاثة عقود فى حين سجن بعضهم إلا أن هناك ممن إختارو ان يخلو على السلطة قبل أن تجىء عليهم عاصفة لا يمكن مقاومتها وعلى الأقل كانو عقلاء لأنهم فهمو أنهم فى مرحلة الضعف والإنهيار فأختارو أن لا يخربو بلدهم او فى النهاية أن لا يَقتلو او يُقتلوا.
سأعطى لك مثال ثانى يا سيد الرئيس؛ معظم أللاعبيين يعتزلون النشاطات الرياضية فى الثلاثينيات من أعمارهم، لماذا؟ لأنهم فى هذه المرحلة من العمر حقوقو كل ما وسعهم أن ينجزو من بطولات جماعية و إنجازات فردية. فماذا يحدث مثلاً اذا لم يستسلمو وقررو أن يواصلو اللعبة الا فى السن الأربعينات مثلاً؟ فى هذه الحالة على الأرجح أن تظهر علامات الإرهاق والتعب فى وجوههم وأجسادهم، لا يستطيعون ان يتحملو التمارينات اليومية واللعب فى ٩٠ دقيقة فى كل مبارات. وفى نهاية المطاف عندما يتواضع مستواهم ولا يحصلو الرواتب الباهضة التى كانو يكسبونها حينما كانو فى أفضل حالاتهم لجأوا الى التقاعد الإجباري.
فى السنوات العشرين الماضية كانت هناك بعض البلدان الذين كانوا من ضمن العالم الثالث؛ إنعدام أساسيات الحياة، تعليم منخفضة، رواتب ضعيفة، نقص فى المياه والصحة ولكن اليوم أصبحو من ضمن الدول المتقدمة فى جميع المجالات حتى وصل بعضهم إلى المرتبة السابعة عشرة فى أقوى البلدان اقتصاداً فى العالم.
أعرف جيدا الضغوطات المحيطة فى الحكومة السودانية من قبل البلدان المجاورة والعالمية خاصة العقوبات الأمريكية الإقتصادية والتجارية على السودان منذ ١٩٩٧ الى أن أعلنت أمريكا رفع هذه العقوبات رسميا 2017.
الديكتاتورية المطلقة التى لا تطور البلد وهى من الأشياء التى تؤدى إلى عواقب وخيمة، على سبيل المثال؛ فنزويلا التى كانت من أكبر البلدان المصدرة للنفط فى العالم وأغنى دولة فى أمريكا الجنوبية أصبحت الآن من الدول الفقيرة التى يكافح شعبها الفقر، البطالة ونقص الأغذية بعد ضعف قيمة العملة مما أدى إلى نزوح أكثر من مليونى شخص بسبب المعيشة السيئة منذ ٢٠١٥ بحسب الإحصائيات.
النزوح الجماعى للفنزويليين الذين يحلمون حياة أفضل انتشر الى البلدان المجاورة مثل كولومبيا، البرازيل، الأكوادور، المكسيك و بيرو حيث وصل الآف اللاجئين من جميع الفئات؟
فنزويلا تمتلك أيضاً ثروات طبيعية مثل المعادن والذهب وهى من ضمن قائمة البلدان التى تصدر الذهب فى العالم حيث صدرت ذهباً بقيمة ٧٧٩ مليون دولار الى تركيا العام الماضى وفقاً لإحصائيات الحكومة التركية.
كيف يمكن لبلد ينتج مثل هذه الكميات من النفط والذهب أن يعيش شعبه تحت خط الفقر؟
الإجابة واضحة؛ إذا كانت فنزويلا مصرة على إدارة مواردها بشكل صحيح لكانت قد تكفى إحتياجات مواطنيها بلا منازع.
من جهة أخرى بينما كنت أتصفح فى المواقع التواصل الإجتماعى شوفت صورة عجيبة تم التقاطها عام ٢٠٠٧ تقريبا، وكانت الصورة التذكارية تجمع خمس رأساء للدول العربية،وهم؛ الرئيس الليبى السابق معمر القذافى الذى قاد ليبيا فى أكثر من أربعة عقود والذى قتل عام ٢٠١١، على عبدالله صالح الذى كان أيضا رئيساً لليمن ما بين ١٩٩٠-٢٠١٢ وكانت نهايته مثل العقيد القذافى. الرئيس الثالث فى الصورة كان المصرى حسنى مبارك الذى ودع القصر الرئاسى 11 فبراير ٢٠١١ بعد الربيع العربى.
الرابع فى هذه الصورة التاريخية كان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذى ودع الكرسى بعد عقدين من الزمن إثر الثورة التونسية والتى عرفت (بثورة الحرية والكرامة) وإنتهت بهروب زين العابدين الى السعودية فى ١٤ يناير ٢٠١١. والرئيس الخامس فى الصورة الذى بقى وحيداً و لا يزال فى السلطة هو أنت يا سيد عمر حسن البشير، أليست هذه علامة تدل على خط النهاية؟
أنا أعتبر السودان بلدى الثانى بعد الصومال ومررتها قبل ١٢ عاما حيث سافرت من الجنوب الى الشمال (من جوبا الى الخرطوم) فى رحلة برية إستغرقت أسبوع كامل تعرفت من خلالها أقاليم، ثقافات وتقاليد مختلفة.
ماكان لى أن أصف الشعب السودانى إلا الطيبين المحترمين ومن أطيب البلدان التى زرتها فى حياتى ومازلت لم انسى قراءة جريدتي المفضلة "آخر لحظة" التى كنت اقرئها فى كل صباح مع كوب شاى أسود.
وفى الختام أتمنى الشعب السودانى الشقيق ورئيسهم عمر البشير التوفيق والتقدم، متمنياً لهم سنة جديدة مليئة فى الخير والبركة.
yaxyekhasaaro@gmail.com
///////////////