بعد عامين من الحرب… المرأة جسر لاستعادة التوازن

بعد عامين من الحرب المدمرة التي عصفت بالسودان وما زالت آثارها مستمرة في مناطق عدة، بدأت أعداد من الأسر النازحة بالعودة إلى قراها ومدنها في المناطق الأكثر أمانًا. لكن العائدين فوجئوا بواقع مختلف تمامًا عن حياتهم السابقة، حيث فقد كثير من أرباب الأسر مصادر دخلهم، خاصة من كانوا يعملون في الوظائف الحكومية أو في القطاع الخاص، ما جعل استعادة دورهم التقليدي في إعالة الأسرة أمرًا يحتاج وقتًا طويلاً وإمكانات كبيرة.
وسط هذه الظروف الاستثنائية، تبرز المرأة كقوة صامتة لكنها فاعلة، بما تملك من مهارة وصبر وقدرة على التكيّف مع أصعب الظروف. فهي اليوم الأقدر على سد جزء من فجوة فقدان الدخل عبر مشاريع إنتاجية صغيرة أو متناهية الصغر، تعيد للأسرة بعضًا من توازنها، وللمجتمع المحلي بعضًا من حيويته.
غير أن هذا الدور لا يمكن أن ينجح بمجهود فردي فقط، بل يحتاج إلى دعم رسمي يمثل حجر الزاوية للنجاح، ويجب أن يكون أولوية قصوى للحكومة باعتباره الضامن للحفاظ على النسيج الاجتماعي وتماسك المجتمع. ويتحقق ذلك عبر البنوك المتخصصة وصناديق التمويل الأصغر، شريطة تجاوز الروتين الحكومي والبيروقراطية القديمة، مع تصميم برامج تتناسب مع أوضاع ما بعد الحرب. كما يُعد التدريب قصير المدى على مهارات الإنتاج والتسويق خطوة أساسية لتمكين النساء من تحويل الجهد الفردي إلى نشاط اقتصادي مستدام.
وبجانب الجهد الرسمي تلعب المنظمات غير الحكومية دورًا محوريًا، فهي الجسر الذي يربط النساء الراغبات في الانطلاق بالموارد المتاحة من تمويل أو تدريب أو منصات تسويق. ويبرز هنا بشكل خاص دور المنظمات المحلية، لا سيما الشبابية منها، لكونها الأقرب إلى الأسر والأقدر على فهم احتياجاتها وربطها بالفرص المتاحة.
وهناك العديد من الآليات لدعم هذا التوجه، على سبيل المثال لا الحصر يمكن تنظيم برامج تدريب قصيرة وفعالة، وتوفير تمويل لأدوات عمل بسيطة تسهّل الانطلاق، إلى جانب إنشاء منصات بيع للمنتجات المحلية سواء عبر الأسواق التقليدية أو المنصات الرقمية.
إن نجاح المرأة في هذه المرحلة لا يُعد مساعدة ظرفية أو منحة اجتماعية، بل هو استثمار مباشر في استقرار المجتمع. فالنجاح الفردي يصبح أكثر استدامة حين يتحول إلى مشروع جماعي تدعمه السياسات، وتشترك فيه المرأة والمجتمع المحلي والمنظمات والقطاع الخاص على حد سواء.
المرأة في زمن ما بعد الحرب، إذا ما وجدت الدعم والتوجيه، ليست مجرد متلقية للعون، بل هي ركيزة أساسية لإعادة البناء، وقادرة على أن تكون جسر العبور من مرحلة الألم إلى آفاق الأمل.

محمد عمر
Mohd0019@gmail.com

عن محمد عمر

محمد عمر