بسم الله الرحمن الرحيم
تمر الأيام والسنين وتكبر الأزمة وتزداد معاناة النازحين واللاجئين والمشردين وسائر مواطني دارفور وتخمد شعلة الثورة في نفوسهم ويتضاءل الأمل، لطالما ظلّت حركات دارفور في تشرذمها وواصلت ما تُسمىَ بحكومة الوحدة الوطنية التي يسيطر عليها المؤتمر الوطني في ممارسة بطشها. مناعة النازحين واللاجئين في كل يوم تخضع لضغوطات يفرضها قهر المعاناة وسوط الحاجة وحجم الآمال، جميعنا نتفاءل أن تتمكن مقاومتهم من تجاوز تلك الضغوط، ولكن لا يجب أن نعشم في أن يدفعوا الثمن إلى ما لا نهايه. وإن اخطر ثمن يمكن أن يدفعوه وسيلقي بظلال قاتمة على مسيرة الإقليم ودور الإنسان فيه وفي القطر هو التشرّب بثقافة المعسكرات، الثقافة التي تقوم على الإعتماد في الإعاشة على عطايا المنظمات، وهي ثقافة تقتل في دواخل الإنسان نوازع الطموح والإبداع وتنمي فيه روح الإستسلام والحقد والكراهية نظراً للحرمان وإن كان ذلك بتفاوت، لكنه قطعاً سيشكّل الأطفال بقدرما تطول فترة تنشئأتهم في ذلك المناخ. إن تحديد الأسباب الحاسمة والمؤثرة والتي تُغذّي استمرار المعاناة من ناحية، و قدرة العوامل الفاعلة على المعالجة الشافية للأزمة بما يحقق حجم الأهداف التي ضحّىَ الجميع من أجلها هما اوجب ما ينبغي أن نأخذ بهما جميعاً وعلى جناح السرعة إن اردنا أن نسجّل النهاية الموجبة لمعالجة الأزمه.
لو تمعّنا جميعاً في قراءة الوضع الراهن المضطرب في دارفور، وركّزنا على معرفة الجهات المستفيدة لاستمرار هذا الوضع لاستطعنا أن نحدد بشكل قاطع الأسباب والعوامل ومن ثم المعالجه. دعونا أولاً نوضّح بأننا أمام حالة غير مثاليه للدولة الحاكمة التي يتمناها كل شعب، وبالتالي نحن أمام حالة واقعة واستثنائيه نأمل أن نعمل جميعاً على هزيمة فِكرها للزوال في اقرب وقت من خلال فِكر مناظر دون استئصال لأحد أو مصادرة لحق، فوسيلة السلاح التي اُستُخدِمت أيضاً حاله استثنائية وستمضي وتضمحل، وبالتالي لا يجب تأويل المقال بأنه انعكاس للفكر الذي أدعو له، رغم أنني قد شرحت باقتضاب غير مخلّ ذلك الفكر في مقالات ومنتديات عديده، ولا بأس من أن أكرر ذلك وهو الدعوة لتبني فكر يؤسس لدولة السودان الراسخة التي تستوعب التنوع الذي تزخر به الأمة في قوىَ سياسية تعددية تعتمد الديموقراطية آلية للتداول السلمي للسلطة وصولاً إلى دولة ترسّخ مفهوم نيل الحقوق والواجبات على معايير متكافئه، ولكننا ربطنا ضرورة المرور عبر مرحلة توازن أنتقاليه تفرضها الإتفاقيات.
أول المستفيدين من الحالة الراهنة هي سلطة المؤتمر الوطني التي درجت ومنذ 1989 اعتمادها على النمو في مناخ مضطرب، نصبت خيمة لتحقيق الأهداف لا يجد الإضطراب طريقاً إلى داخلها، ولا يرىَ المُنشغِلون بالحالة المضطربة في الخارج ما بداخلها إلا من استرق السمع أو قادته الظروف إلى المرور أمام بابها وكان الباب مفتوحاً في لحظتها. داخل هذه الخيمة كل مجموعه تدرك دورها بدقّة وتعمل على تحقيق المهام الموكلة لها ضمن الأهداف الكلية. فمثلاً هدف تركيز التنمية في ولايات بعينها، وهي تنمية لا تتأتىَ بهذا الحجم وهذا التسارع إلا في ظل استغلال النصيب ونصيب الآخرين في ظل غفلتهم أو حتىَ خلق تلك الغفلة والحفاظ على استمراريتها وهو ما نحن فيه الآن. و في جوف كلمة التنمية الكثير، نذكر بعضاً منها، فتعليم الأجيال يقابل ضياع الأجيال والفواقد التربوية وتطوير الحالة الصحية يقابلها انعدام الوقاية و تفشي الأمراض وانحسار القدرة العلاجية وبناء وصيانة مرافقها، وبناء القدرات من خلال الخبرات والتدريب يقابله ضعف الخبرة والقدرات المعرفية، وبناء القدرات الإقتصادية للأفراد والمؤسسات في المجتمع يقابله الفقر وضمور الإمكانات المادية الفردية والمؤسسية، وتشييد البنيات التحتية كالطرق والكهرباء والسدود ومصادر المياه يقابلها كساح في التمدن، تنمية الموارد الطبيعية والتوسع الزراعي والرعوي وتنمية الثروة الحيوانية ويقابلهم الجفاف والتصحر، والصناعات وغيرها كثير، حيث يستطيع كل فرد منكم أن يصبح جهاز أشعة ويستكشف ما في جوف كلمة التنمية ومدىَ تأثيرها على دارفور في حال بقاء واستمرار الحرب والإضطراب والإختلال الأمني لسنوات عديدة. هذا مجرد مثال واحد لما يمكن أن يجري داخل تلك الخيمة.
ثاني المستفيدين من الحالة المضطربة لدارفور هي مجموعة أفراد يتواجدون في داخل النخب المثقّفة من مجتمع دارفور، ويتواجدون في داخل حركات دارفور، ويتواجدون في داخل المجتمع الدولي. وهؤلاء باختلاف تصنيفاتهم وانتماءاتهم يسعىَ كل منهم لتحقيق أهدافه، فمن كانت أهدافه مالاً سعىَ لاستغلال الإضطراب إلى ذلك، ومن كان المنصب مبتغاه امتطىَ الإضطراب للوصوال إليه، ومن يبحث عن شهرة في الأوساط العالمية وتحسين لسيرته الذاتية لتعزيز وضعه في منظمته التي يعمل فيها أو دولته، سخّر الإضطراب لتأمين ذلك. إذاً فالقاسم المشترك لتحقيق أهدافهم هو بقاء الأزمة وتنامي الإختلال الأمني وانتشار الإضطراب، وهذا ما يعملون للحفاظ عليه.
ثالث المستفيدين هم المنظمات العاملة في الإغاثة، فرغم الواجهة الإنسانية التي لا نشكّ في أنها منطلقاً وواجهة يترجم نظم عملها ويحكم انشطتها، وبكل تقديرنا لدورها البارز والتضحوي في إغاثة النازحين واللاجئين من أهل دارفور أو غيرهم في الأزمات المماثلة والتخفيف من معاناتهم، وحيث لا ندّخر شكراً وإعجاباً إلا نهديه لهم إلا أنه لا يجب أن ننسىَ بأن جزء من سياسة استمراريتها كمنظمات يقوم على فرضية وجود أزمات، هذا ليس بالضرورة أن يعني أنها تسعىَ لخلق تلك الأزمات ولكنها بلا شك توظفها، ونحن هنا فقط نسلّط الضوء على الجزئية المتعلقة بأنها تنشط حين تنشأ الأزمات ويتواصل استمرارها وبقاؤها. ومع إدراكنا بأن في هذه الإستمرارية تتحقق اهداف متنوعة لجهات عديده بدءاً بالمغاثين وكذا العاملين في هذه المنظمات، توجد أيضاً جهات أخرىَ تتخفىَ أهدافها بين هذا وذاك تستطيعون استنباطها. المنظمات تتلقىَ اموالها من جهات متعددة، منها دول وأفراد وشركات وغيرهم، وهي أموال طائله، مليارات الدولارات يمكنها أن تحيل دارفور وغيرها إلى مصنع منتج في حال توظيف هذه الأموال بمفهوم استئصال الإختلال الأمني نفسه وتهيئة المناخ للمواطن لإعادة صياغة حياته الطبيعية وليس الإغاثة في ظل استمرارية الإختلال، بيد أن المعالجة المعنية هي ليست مسئولية مباشرة للمنظمات بقدرما هي متعلقة بجهات عديده ومن بينها الممولين ومدىَ قدرة شركاء المصلحة في إقناعهم بتوجيه تلك الأموال لمؤسسات معالجة استئصال الإختلال الأمني.
رابع المستفيدين
بعض الدول سواء من دول الجوار أو من المحيط الإقليمي أو من غيرها، نحن في عالم تتخذ فيه المنافسة في البقاء والتطور اساليب ووسائل متطوره بتطور الأهداف والغايات، ورغم وجود مواثيق وعهود وأعراف تحكم العلاقة بين هذه الدول في أطر ومؤسسات متفق عليها إلا أن التفاوت في التجاوب والإلتزام بكل ذلك هو الآخر يتفاوت، والتنافس بين الدول يأخذ مناحي كثيره، منها التنافس حول النمو الإقتصادي، والريادة في الزعامة والموارد، والتغطية على مشاكل داخليه بالتركيز على مشاكل الغير، ومعالجة مشاكل داخلية على حساب مشاكل الغير، يكفينا أن مثال القوات الأفريقية أو قوات اليوناميد الوريثة والتي جاء تشكيلها من عشرات الدول لحفظ السلام في دارفور وحماية أهلها فلم تفلح في مهمتها حيث لا يكفي حسن النية، هذه القوات تصرف مئات الملايين من الدولارات شهرياً، في منظورنا كانت كافية إذا تم تسخيرها مباشرة في التنمية لربما ساهمت في حفظ الأمن بشكل أفضل. بينما تساهم تحويلاتها قطعاً في معالجة الأزمات الإقتصادية في بلادها. جميع حركات دارفور لها صوت في الدعوة إلى دخول قوات دوليه للمساهمة في وقف المأساة في لحظة ما، ولكن لم يكن في مخيلتها مثل هذا الإخراج الذي تكون فيه القوات الهجين هي من يحتمي بأهل دارفور. مثل هذا كثير لا نرغب في التوغل أو طرحه في هذه المساحة، وإنما نود أن نلامسه بالقدر الذي يضفي قدرة قاريء المقال على التجاوب مع الهدف. هذا لا يمنع من أن دور بعض الدول يتّصف ببحتية الرغبة في المساعدة في المعالجات، وحيث أنها كذلك فهي ليست موضع مقالنا لأنها تخرج من دائرة المستفيدين من استمرار وبقاء الإضطراب.
نشاط هذه العناصر الأربعة أعلاه يتفاوت في الكيف والكم وقد يتقاطع سلباً في بعض الأحيان من حيث تطبيق الوسائل، لكن في آخر الأمر يظل الهدف واحداً هو استمرار الإضطراب وبقاؤه. نحن بمقتضىَ هذه الحقيقة بتنا أمام مسئوليات تاريخية تفرض علينا القيام بدور توعوي قبل الإضطلاع بأدوار أخرى. أن تكون قائداً لتقود بالإندفاع الذي تولّده القضية يمكن أن يهيء لك حشد جموع من البشر لأداء دور معين ولكن قد لا يكون ذلك الدور من الأولوية، وقد يخلّف نتائج مدمّرة. من هنا نحن أمام حاجه ملّحة لإدراك هذه الحقيقة بشكل صحيح وجمعي ومتوازن، وأن أي خطأ في فهمنا أو تفاوت في التقدير أو ترتيب في الأولويات، سيؤدي بلا شك إلى إطالة عمر الوضع الراهن ومن ثم المساهمة في تحقيق أهداف المحاور الاربعة المستفيدة والتي ورد ذكرها أعلاه.
ما هو الحل
الحل الناجع هو ليس الحل الذي يأتي متأخراً ومتضمناً كل شيء من الحقوق، كما ليس هو الحل الذي يأتي مبكّراً ويتضمن جزءاً من الحقوق، والمثالان لا ينفصلان عن المناخ الذي يأتيان فيه، فنحن محكومون بضرورة أننا نبحث عن حل في الوضع الحاكم الآن، الوضع الذي نتعامل فيه مع نظام لا يلتزم أخلاقياً بما يتعهد به، وضعف كل ما يًسمىَ من آليات ضامنه. حل يمكننا من تحقيق الأهداف ومبكّراً. قد يختلف تقييمنا لشكلية الحل إذا كان النظام الحاكم ديموقراطياً مثلاً، بحيث يمكنك الإتفاق على الحصول على حقوق جزئية ووضع ما تبقىَ من حقوق في مرحلية تحكمها مباديء يتفق حولها لتصحيح الخلل يلتزم بها الأطراف بالتزام أخلاقي ذاتي في ظل رقابة رأي عام له حريته في التعبير، وهو ما يشكّل لجام الجموح لأي أطماع أو نوازع لأيٍ من أطراف الإتفاق في الإخلال بما تم الإتفاق حوله من ظرفية للكم أو الكيف أو الزمان، ويمثّل ضمانة توأمة لأخريات. لكننا كما قلنا أمام حالة ينظر فيها الطرف المهيمن على السلطة بمنظار السيادة على كل حلّ وانعدام الإلتزام الأخلاقي والإلزام القهري، مقابلة مثل هذه النظرة تتطلب منا أولاً أن نبسّط المدخل للمضامين الإستراتيجيه التي يجب أن تُطرح في منتديات ذات صفات تنظيمية على مساحة تمكّن القاعدة العريضة للجماهير من استيعابها والإنتظام فيها بجرعات تتوافق مع القدرة الفردية لمفعول تلك الجرعات في تأطير الفهم لدىَ الجماعة منطلقين من واقع الحال الذي يشرح حالة التشتت الفكري وتباينه في أوساط الحركات المتبنية للقضية وضعف التوافق المنهجي داخل كل حركة في القدرة على تصميم الجرعات التوجيهية المعنوية بما يقود إلى تماثل الفهم لدىَ المنتسبين في حركة بعينها والمنتسبين في الحركات الأخرىَ وجماهير النازحين واللاجئين وعامة أهل دارفور. لا بد من معالجة فكرية تقوم علىَ بسط المقاصد والأولويات وتقييم القدرات بشكل واضح، ودرء الإشاعات ونبذ الجنوح إلى الذات التنظيمية والفردية في القيادة والتبني كمهددات مباشرة لمشروع التوجيه المعنوي والتلقين الفكري، وتهيئة القواعد لعمل مشترك يعجل بالمعالجة وفق ما تقتضيه ضرورة انهاء المعاناة.
القابليه
لإنسان دارفور قابلية طوعية للتأثر برأي الآخر وتوجيهه والطاعة له صحيحاً كان أو خاطئاً، ويذهب بعيداً في ذلك إلى حد التضحية بالروح، فقط علىَ هذا الآخر أن لا يكون منتمياً لدارفور. هذا الإنسان لديه أيضاً خاصية مرادفة وهي أن له قدرة للتصدي لأي رأي أو مقترح أو توجيه نابع من إنسان من دارفور صحيحاً كان أو خطأ، ويذهب في ذلك إلى أقصى مدىَ حتى وإن دعى الأمر إلى فقد الروح. هذه المعادله يمكن تسميتها عمومياً بمصطلحات عديده، ومنها ازدواجية التعامل، أو الكيل بمكيالين…الخ..ولكن بلا شك فمثل هذا الأمر إذا طرحناه في منتدىَ علمي قد تذهب المسميات لعلماء الإجتماع والنفس إلى أبعد بتسميات مثل العقدة النفسية أو إنفصام الشخصية أوالشعور بالنقص والدونية وما إلى ذلك من مسميات العلماء التي نتلقفها من فهمنا العام لها. فانا هنا لا اتهم إنسان دارفور بإطلاق وادمغه بهذه الصفة بشكل قاطع، ولكن هناك قدر من هذا الشيء، خاصة في الناشطين سياسياً سواء في القوى السياسية بالداخل أو في أوساط الحركات، وهي بشكل أكثر انتشاراً في أوساط الأخيرة والذي تزايدت نذره بالإنتشار منذ إندلاع الأزمة بما يجعلنا نقرع جرس إنذار وبصوت ورنين جهورين لكل المهتمين بالمعالجات العلمية لهذه الظاهرة من جهة بشكل خاص، وكل أهل دارفور بشكل عام. لأن هذا الأمر في أبسط معانيه يشير إلى خلل بفهم الترتيب الصحيح للأولويات في ظل الأزمة الحالية التي تتطلب على النقيض شكلاً متقدماً من أشكال ترتيب الأولويات. بطبيعة الحال أنا أيضاً لا أطرح هذا الأمر بحيث يكون موضوع نقاش على الساحة الإعلامية، وإنما يجيء طرحي في إطار هدف المقال فحسب. ندرك بلا مرية أن ثمة أسباب ثانوية تؤثر على بعض المواقف فتزيد من فاعليتها أو تنتقص منها لكنها تبقى ثانوية. إن اخطر مؤثرات ذلك على القضية وتطويل أمد الإختلال الأمني وبقاء الإضطراب في دارفور، يتجلى في قابلية إنسان دارفور وبشكل خاص في الحركات لدعوات التشظي والإنقسام وعجزها في القدرة على إعادة الإلتئام. الكثيرون يعزّون الإنقسامات لدور سلطة المؤتمر الوطني، لكن ما الذي يجب أن يتوقعونه من سلطة المؤتمر الوطني الذي يحاربونها ويقارعونها وينازعونها في سلطتها، لا يجب أن يتوقعوا ان يسعى لوحدتهم أو حتى مساعدتهم في ذلك وإلا اصبح المتلقي ساذجاً. سلطة المؤتمر الوطني لا تنجح إذا لم تجد قابلية ممن تستهدفهم، وبالتالي قابلية إنسان دارفور في هذه الحركات يُلقي بالمسئولية في الإنقسامات عليها بالدرجة الأولى.
قدرة الحركات على فرض الحل
تؤكد التجربه بأنه ليس في مقدور أي حركة من الحركات الموجودة على الساحة من فرض نصر عسكري حاسم للنزاع مع الحكومه لا بالمنظور القريب ولا بالمنظور المتوسط المدىَ، نظراً لعوامل كثيره تعرفها الحركات. وتدرك هذه الحركات أنه لم ولن تتوفر لها نفس الظروف التي توفرت للحركة الشعبية من بناء القوة ومن ظروف جغرافية ومناخية، وتعرف الحكومة ذلك أيضاً، وفوق ذلك تعرف بأن معالجة تلك العوامل تتطلب اختراقاً حقيقياً في البنية الإستراتيجية والتنظيمية لها، وهو الآخر يحتاج إلى عامل الزمن مرهوناً بالإمكانات بمختلف تصنيفاتها. هذا الأمر له بعد عميق المدلول وبائن التأثير في أي تصميم للحل الناجع للأزمة. ليس هذا تثبيط للهمم ولا نداء للإستسلام لأمر واقع، ولكنه تنبيه شديد اللهجة بضرورة التعامل مع الأمور من منطلق واقعي وراشد لتوظيف القدرات المتوفرة بشكل أمثل في مقابلة الطرف الآخر وصولاً للحل الذي يجمع بين عوامل الوقت والكم لتحقيق الاهداف المرجوة. في ظل هذه الحقائق مطلوب من الجميع أن يقف على نفس المنصّة ليرى بعين مفتوحه وأذن صاغية وبصيره ثاقبة للدعوة التي توجه نفسها بنفسها للجميع بأن أول ما يجب أن يوضع في جبين قائمة الأولويات هي القدرة على استيعاب ضرورات الوحدة العاجلة وآثارها الجانبية على النوازع الفردية والتنظيمية، في مرحلة لا يمكن لكل من يدّعي أنه يتبنى القضية أن يتجاهل حساب التاريخ فيها ويسمح بإطالة معاناة دارفور بعدها، لا سيما وصورة التخلّف والفقر إلى جانب ازدياد الفاقد التربوي يزداد وضوحاً في كل يوم. فوق كل ذلك يجب أن ندرك بأن استفتاء الجنوب قاب قوسين أو أدنىَ. ما بقي من الوقت لا يتجاوز سنتان. لا بد لكل قاريء يجيد فك الرموز الإبتدائية لأي معدله بسيطه أن يقرأ ما وراء إختلال موازين القوة بين الحكومة وحركات دارفور آنذاك طبقاً للهزة التي تعيد ترتيب الساحة الجغرافية والديموغرافية والجيوسياسيه فيما إذا جاءت نتيجة الإستفتاء لصالح الإنفصال، وهو أمر تشير القراءات فيه إلى ترجيح كفته، بينما في الجانب الآخر تشير القراءات إلى ترجيح كفة المزيد من التشرذم بين الحركات. إنها رسالة موجهة بالدرجة الأولى إلى رؤساء الحركات لأنهم أول من تقرأ عنهم الأجيال القادمة في صفحات التاريخ. ليس عيباً أن نعترف في حركاتنا بأننا لم نحقق نجاحاً كاملاً وأن ننسب عوامل الفشل لانفسنا، ولكن العيب هو الإصرار على المضي بنفس الخطىَ. قلت في مقال سابق، إذا نجح رؤساء حركات دارفور في تحقيق النجاح للقضية، وفشلوا في تحقيق نجاحات ذاتية بمعاييرهم يكونوا قد نجحوا، أما إذا نجحوا في تحقيق أهداف شخصية وفشلوا في تحقيق نجاحات للقضية فقد فشلوا.
لو تمعّنا جميعاً في قراءة الوضع الراهن المضطرب في دارفور، وركّزنا على معرفة الجهات المستفيدة لاستمرار هذا الوضع لاستطعنا أن نحدد بشكل قاطع الأسباب والعوامل ومن ثم المعالجه. دعونا أولاً نوضّح بأننا أمام حالة غير مثاليه للدولة الحاكمة التي يتمناها كل شعب، وبالتالي نحن أمام حالة واقعة واستثنائيه نأمل أن نعمل جميعاً على هزيمة فِكرها للزوال في اقرب وقت من خلال فِكر مناظر دون استئصال لأحد أو مصادرة لحق، فوسيلة السلاح التي اُستُخدِمت أيضاً حاله استثنائية وستمضي وتضمحل، وبالتالي لا يجب تأويل المقال بأنه انعكاس للفكر الذي أدعو له، رغم أنني قد شرحت باقتضاب غير مخلّ ذلك الفكر في مقالات ومنتديات عديده، ولا بأس من أن أكرر ذلك وهو الدعوة لتبني فكر يؤسس لدولة السودان الراسخة التي تستوعب التنوع الذي تزخر به الأمة في قوىَ سياسية تعددية تعتمد الديموقراطية آلية للتداول السلمي للسلطة وصولاً إلى دولة ترسّخ مفهوم نيل الحقوق والواجبات على معايير متكافئه، ولكننا ربطنا ضرورة المرور عبر مرحلة توازن أنتقاليه تفرضها الإتفاقيات.
أول المستفيدين من الحالة الراهنة هي سلطة المؤتمر الوطني التي درجت ومنذ 1989 اعتمادها على النمو في مناخ مضطرب، نصبت خيمة لتحقيق الأهداف لا يجد الإضطراب طريقاً إلى داخلها، ولا يرىَ المُنشغِلون بالحالة المضطربة في الخارج ما بداخلها إلا من استرق السمع أو قادته الظروف إلى المرور أمام بابها وكان الباب مفتوحاً في لحظتها. داخل هذه الخيمة كل مجموعه تدرك دورها بدقّة وتعمل على تحقيق المهام الموكلة لها ضمن الأهداف الكلية. فمثلاً هدف تركيز التنمية في ولايات بعينها، وهي تنمية لا تتأتىَ بهذا الحجم وهذا التسارع إلا في ظل استغلال النصيب ونصيب الآخرين في ظل غفلتهم أو حتىَ خلق تلك الغفلة والحفاظ على استمراريتها وهو ما نحن فيه الآن. و في جوف كلمة التنمية الكثير، نذكر بعضاً منها، فتعليم الأجيال يقابل ضياع الأجيال والفواقد التربوية وتطوير الحالة الصحية يقابلها انعدام الوقاية و تفشي الأمراض وانحسار القدرة العلاجية وبناء وصيانة مرافقها، وبناء القدرات من خلال الخبرات والتدريب يقابله ضعف الخبرة والقدرات المعرفية، وبناء القدرات الإقتصادية للأفراد والمؤسسات في المجتمع يقابله الفقر وضمور الإمكانات المادية الفردية والمؤسسية، وتشييد البنيات التحتية كالطرق والكهرباء والسدود ومصادر المياه يقابلها كساح في التمدن، تنمية الموارد الطبيعية والتوسع الزراعي والرعوي وتنمية الثروة الحيوانية ويقابلهم الجفاف والتصحر، والصناعات وغيرها كثير، حيث يستطيع كل فرد منكم أن يصبح جهاز أشعة ويستكشف ما في جوف كلمة التنمية ومدىَ تأثيرها على دارفور في حال بقاء واستمرار الحرب والإضطراب والإختلال الأمني لسنوات عديدة. هذا مجرد مثال واحد لما يمكن أن يجري داخل تلك الخيمة.
ثاني المستفيدين من الحالة المضطربة لدارفور هي مجموعة أفراد يتواجدون في داخل النخب المثقّفة من مجتمع دارفور، ويتواجدون في داخل حركات دارفور، ويتواجدون في داخل المجتمع الدولي. وهؤلاء باختلاف تصنيفاتهم وانتماءاتهم يسعىَ كل منهم لتحقيق أهدافه، فمن كانت أهدافه مالاً سعىَ لاستغلال الإضطراب إلى ذلك، ومن كان المنصب مبتغاه امتطىَ الإضطراب للوصوال إليه، ومن يبحث عن شهرة في الأوساط العالمية وتحسين لسيرته الذاتية لتعزيز وضعه في منظمته التي يعمل فيها أو دولته، سخّر الإضطراب لتأمين ذلك. إذاً فالقاسم المشترك لتحقيق أهدافهم هو بقاء الأزمة وتنامي الإختلال الأمني وانتشار الإضطراب، وهذا ما يعملون للحفاظ عليه.
ثالث المستفيدين هم المنظمات العاملة في الإغاثة، فرغم الواجهة الإنسانية التي لا نشكّ في أنها منطلقاً وواجهة يترجم نظم عملها ويحكم انشطتها، وبكل تقديرنا لدورها البارز والتضحوي في إغاثة النازحين واللاجئين من أهل دارفور أو غيرهم في الأزمات المماثلة والتخفيف من معاناتهم، وحيث لا ندّخر شكراً وإعجاباً إلا نهديه لهم إلا أنه لا يجب أن ننسىَ بأن جزء من سياسة استمراريتها كمنظمات يقوم على فرضية وجود أزمات، هذا ليس بالضرورة أن يعني أنها تسعىَ لخلق تلك الأزمات ولكنها بلا شك توظفها، ونحن هنا فقط نسلّط الضوء على الجزئية المتعلقة بأنها تنشط حين تنشأ الأزمات ويتواصل استمرارها وبقاؤها. ومع إدراكنا بأن في هذه الإستمرارية تتحقق اهداف متنوعة لجهات عديده بدءاً بالمغاثين وكذا العاملين في هذه المنظمات، توجد أيضاً جهات أخرىَ تتخفىَ أهدافها بين هذا وذاك تستطيعون استنباطها. المنظمات تتلقىَ اموالها من جهات متعددة، منها دول وأفراد وشركات وغيرهم، وهي أموال طائله، مليارات الدولارات يمكنها أن تحيل دارفور وغيرها إلى مصنع منتج في حال توظيف هذه الأموال بمفهوم استئصال الإختلال الأمني نفسه وتهيئة المناخ للمواطن لإعادة صياغة حياته الطبيعية وليس الإغاثة في ظل استمرارية الإختلال، بيد أن المعالجة المعنية هي ليست مسئولية مباشرة للمنظمات بقدرما هي متعلقة بجهات عديده ومن بينها الممولين ومدىَ قدرة شركاء المصلحة في إقناعهم بتوجيه تلك الأموال لمؤسسات معالجة استئصال الإختلال الأمني.
رابع المستفيدين
بعض الدول سواء من دول الجوار أو من المحيط الإقليمي أو من غيرها، نحن في عالم تتخذ فيه المنافسة في البقاء والتطور اساليب ووسائل متطوره بتطور الأهداف والغايات، ورغم وجود مواثيق وعهود وأعراف تحكم العلاقة بين هذه الدول في أطر ومؤسسات متفق عليها إلا أن التفاوت في التجاوب والإلتزام بكل ذلك هو الآخر يتفاوت، والتنافس بين الدول يأخذ مناحي كثيره، منها التنافس حول النمو الإقتصادي، والريادة في الزعامة والموارد، والتغطية على مشاكل داخليه بالتركيز على مشاكل الغير، ومعالجة مشاكل داخلية على حساب مشاكل الغير، يكفينا أن مثال القوات الأفريقية أو قوات اليوناميد الوريثة والتي جاء تشكيلها من عشرات الدول لحفظ السلام في دارفور وحماية أهلها فلم تفلح في مهمتها حيث لا يكفي حسن النية، هذه القوات تصرف مئات الملايين من الدولارات شهرياً، في منظورنا كانت كافية إذا تم تسخيرها مباشرة في التنمية لربما ساهمت في حفظ الأمن بشكل أفضل. بينما تساهم تحويلاتها قطعاً في معالجة الأزمات الإقتصادية في بلادها. جميع حركات دارفور لها صوت في الدعوة إلى دخول قوات دوليه للمساهمة في وقف المأساة في لحظة ما، ولكن لم يكن في مخيلتها مثل هذا الإخراج الذي تكون فيه القوات الهجين هي من يحتمي بأهل دارفور. مثل هذا كثير لا نرغب في التوغل أو طرحه في هذه المساحة، وإنما نود أن نلامسه بالقدر الذي يضفي قدرة قاريء المقال على التجاوب مع الهدف. هذا لا يمنع من أن دور بعض الدول يتّصف ببحتية الرغبة في المساعدة في المعالجات، وحيث أنها كذلك فهي ليست موضع مقالنا لأنها تخرج من دائرة المستفيدين من استمرار وبقاء الإضطراب.
نشاط هذه العناصر الأربعة أعلاه يتفاوت في الكيف والكم وقد يتقاطع سلباً في بعض الأحيان من حيث تطبيق الوسائل، لكن في آخر الأمر يظل الهدف واحداً هو استمرار الإضطراب وبقاؤه. نحن بمقتضىَ هذه الحقيقة بتنا أمام مسئوليات تاريخية تفرض علينا القيام بدور توعوي قبل الإضطلاع بأدوار أخرى. أن تكون قائداً لتقود بالإندفاع الذي تولّده القضية يمكن أن يهيء لك حشد جموع من البشر لأداء دور معين ولكن قد لا يكون ذلك الدور من الأولوية، وقد يخلّف نتائج مدمّرة. من هنا نحن أمام حاجه ملّحة لإدراك هذه الحقيقة بشكل صحيح وجمعي ومتوازن، وأن أي خطأ في فهمنا أو تفاوت في التقدير أو ترتيب في الأولويات، سيؤدي بلا شك إلى إطالة عمر الوضع الراهن ومن ثم المساهمة في تحقيق أهداف المحاور الاربعة المستفيدة والتي ورد ذكرها أعلاه.
ما هو الحل
الحل الناجع هو ليس الحل الذي يأتي متأخراً ومتضمناً كل شيء من الحقوق، كما ليس هو الحل الذي يأتي مبكّراً ويتضمن جزءاً من الحقوق، والمثالان لا ينفصلان عن المناخ الذي يأتيان فيه، فنحن محكومون بضرورة أننا نبحث عن حل في الوضع الحاكم الآن، الوضع الذي نتعامل فيه مع نظام لا يلتزم أخلاقياً بما يتعهد به، وضعف كل ما يًسمىَ من آليات ضامنه. حل يمكننا من تحقيق الأهداف ومبكّراً. قد يختلف تقييمنا لشكلية الحل إذا كان النظام الحاكم ديموقراطياً مثلاً، بحيث يمكنك الإتفاق على الحصول على حقوق جزئية ووضع ما تبقىَ من حقوق في مرحلية تحكمها مباديء يتفق حولها لتصحيح الخلل يلتزم بها الأطراف بالتزام أخلاقي ذاتي في ظل رقابة رأي عام له حريته في التعبير، وهو ما يشكّل لجام الجموح لأي أطماع أو نوازع لأيٍ من أطراف الإتفاق في الإخلال بما تم الإتفاق حوله من ظرفية للكم أو الكيف أو الزمان، ويمثّل ضمانة توأمة لأخريات. لكننا كما قلنا أمام حالة ينظر فيها الطرف المهيمن على السلطة بمنظار السيادة على كل حلّ وانعدام الإلتزام الأخلاقي والإلزام القهري، مقابلة مثل هذه النظرة تتطلب منا أولاً أن نبسّط المدخل للمضامين الإستراتيجيه التي يجب أن تُطرح في منتديات ذات صفات تنظيمية على مساحة تمكّن القاعدة العريضة للجماهير من استيعابها والإنتظام فيها بجرعات تتوافق مع القدرة الفردية لمفعول تلك الجرعات في تأطير الفهم لدىَ الجماعة منطلقين من واقع الحال الذي يشرح حالة التشتت الفكري وتباينه في أوساط الحركات المتبنية للقضية وضعف التوافق المنهجي داخل كل حركة في القدرة على تصميم الجرعات التوجيهية المعنوية بما يقود إلى تماثل الفهم لدىَ المنتسبين في حركة بعينها والمنتسبين في الحركات الأخرىَ وجماهير النازحين واللاجئين وعامة أهل دارفور. لا بد من معالجة فكرية تقوم علىَ بسط المقاصد والأولويات وتقييم القدرات بشكل واضح، ودرء الإشاعات ونبذ الجنوح إلى الذات التنظيمية والفردية في القيادة والتبني كمهددات مباشرة لمشروع التوجيه المعنوي والتلقين الفكري، وتهيئة القواعد لعمل مشترك يعجل بالمعالجة وفق ما تقتضيه ضرورة انهاء المعاناة.
القابليه
لإنسان دارفور قابلية طوعية للتأثر برأي الآخر وتوجيهه والطاعة له صحيحاً كان أو خاطئاً، ويذهب بعيداً في ذلك إلى حد التضحية بالروح، فقط علىَ هذا الآخر أن لا يكون منتمياً لدارفور. هذا الإنسان لديه أيضاً خاصية مرادفة وهي أن له قدرة للتصدي لأي رأي أو مقترح أو توجيه نابع من إنسان من دارفور صحيحاً كان أو خطأ، ويذهب في ذلك إلى أقصى مدىَ حتى وإن دعى الأمر إلى فقد الروح. هذه المعادله يمكن تسميتها عمومياً بمصطلحات عديده، ومنها ازدواجية التعامل، أو الكيل بمكيالين…الخ..ولكن بلا شك فمثل هذا الأمر إذا طرحناه في منتدىَ علمي قد تذهب المسميات لعلماء الإجتماع والنفس إلى أبعد بتسميات مثل العقدة النفسية أو إنفصام الشخصية أوالشعور بالنقص والدونية وما إلى ذلك من مسميات العلماء التي نتلقفها من فهمنا العام لها. فانا هنا لا اتهم إنسان دارفور بإطلاق وادمغه بهذه الصفة بشكل قاطع، ولكن هناك قدر من هذا الشيء، خاصة في الناشطين سياسياً سواء في القوى السياسية بالداخل أو في أوساط الحركات، وهي بشكل أكثر انتشاراً في أوساط الأخيرة والذي تزايدت نذره بالإنتشار منذ إندلاع الأزمة بما يجعلنا نقرع جرس إنذار وبصوت ورنين جهورين لكل المهتمين بالمعالجات العلمية لهذه الظاهرة من جهة بشكل خاص، وكل أهل دارفور بشكل عام. لأن هذا الأمر في أبسط معانيه يشير إلى خلل بفهم الترتيب الصحيح للأولويات في ظل الأزمة الحالية التي تتطلب على النقيض شكلاً متقدماً من أشكال ترتيب الأولويات. بطبيعة الحال أنا أيضاً لا أطرح هذا الأمر بحيث يكون موضوع نقاش على الساحة الإعلامية، وإنما يجيء طرحي في إطار هدف المقال فحسب. ندرك بلا مرية أن ثمة أسباب ثانوية تؤثر على بعض المواقف فتزيد من فاعليتها أو تنتقص منها لكنها تبقى ثانوية. إن اخطر مؤثرات ذلك على القضية وتطويل أمد الإختلال الأمني وبقاء الإضطراب في دارفور، يتجلى في قابلية إنسان دارفور وبشكل خاص في الحركات لدعوات التشظي والإنقسام وعجزها في القدرة على إعادة الإلتئام. الكثيرون يعزّون الإنقسامات لدور سلطة المؤتمر الوطني، لكن ما الذي يجب أن يتوقعونه من سلطة المؤتمر الوطني الذي يحاربونها ويقارعونها وينازعونها في سلطتها، لا يجب أن يتوقعوا ان يسعى لوحدتهم أو حتى مساعدتهم في ذلك وإلا اصبح المتلقي ساذجاً. سلطة المؤتمر الوطني لا تنجح إذا لم تجد قابلية ممن تستهدفهم، وبالتالي قابلية إنسان دارفور في هذه الحركات يُلقي بالمسئولية في الإنقسامات عليها بالدرجة الأولى.
قدرة الحركات على فرض الحل
تؤكد التجربه بأنه ليس في مقدور أي حركة من الحركات الموجودة على الساحة من فرض نصر عسكري حاسم للنزاع مع الحكومه لا بالمنظور القريب ولا بالمنظور المتوسط المدىَ، نظراً لعوامل كثيره تعرفها الحركات. وتدرك هذه الحركات أنه لم ولن تتوفر لها نفس الظروف التي توفرت للحركة الشعبية من بناء القوة ومن ظروف جغرافية ومناخية، وتعرف الحكومة ذلك أيضاً، وفوق ذلك تعرف بأن معالجة تلك العوامل تتطلب اختراقاً حقيقياً في البنية الإستراتيجية والتنظيمية لها، وهو الآخر يحتاج إلى عامل الزمن مرهوناً بالإمكانات بمختلف تصنيفاتها. هذا الأمر له بعد عميق المدلول وبائن التأثير في أي تصميم للحل الناجع للأزمة. ليس هذا تثبيط للهمم ولا نداء للإستسلام لأمر واقع، ولكنه تنبيه شديد اللهجة بضرورة التعامل مع الأمور من منطلق واقعي وراشد لتوظيف القدرات المتوفرة بشكل أمثل في مقابلة الطرف الآخر وصولاً للحل الذي يجمع بين عوامل الوقت والكم لتحقيق الاهداف المرجوة. في ظل هذه الحقائق مطلوب من الجميع أن يقف على نفس المنصّة ليرى بعين مفتوحه وأذن صاغية وبصيره ثاقبة للدعوة التي توجه نفسها بنفسها للجميع بأن أول ما يجب أن يوضع في جبين قائمة الأولويات هي القدرة على استيعاب ضرورات الوحدة العاجلة وآثارها الجانبية على النوازع الفردية والتنظيمية، في مرحلة لا يمكن لكل من يدّعي أنه يتبنى القضية أن يتجاهل حساب التاريخ فيها ويسمح بإطالة معاناة دارفور بعدها، لا سيما وصورة التخلّف والفقر إلى جانب ازدياد الفاقد التربوي يزداد وضوحاً في كل يوم. فوق كل ذلك يجب أن ندرك بأن استفتاء الجنوب قاب قوسين أو أدنىَ. ما بقي من الوقت لا يتجاوز سنتان. لا بد لكل قاريء يجيد فك الرموز الإبتدائية لأي معدله بسيطه أن يقرأ ما وراء إختلال موازين القوة بين الحكومة وحركات دارفور آنذاك طبقاً للهزة التي تعيد ترتيب الساحة الجغرافية والديموغرافية والجيوسياسيه فيما إذا جاءت نتيجة الإستفتاء لصالح الإنفصال، وهو أمر تشير القراءات فيه إلى ترجيح كفته، بينما في الجانب الآخر تشير القراءات إلى ترجيح كفة المزيد من التشرذم بين الحركات. إنها رسالة موجهة بالدرجة الأولى إلى رؤساء الحركات لأنهم أول من تقرأ عنهم الأجيال القادمة في صفحات التاريخ. ليس عيباً أن نعترف في حركاتنا بأننا لم نحقق نجاحاً كاملاً وأن ننسب عوامل الفشل لانفسنا، ولكن العيب هو الإصرار على المضي بنفس الخطىَ. قلت في مقال سابق، إذا نجح رؤساء حركات دارفور في تحقيق النجاح للقضية، وفشلوا في تحقيق نجاحات ذاتية بمعاييرهم يكونوا قد نجحوا، أما إذا نجحوا في تحقيق أهداف شخصية وفشلوا في تحقيق نجاحات للقضية فقد فشلوا.