aminoo.1961@gmail.com
بقلم: أمين الجاك عامر – المحامي
في خطوة جديدة نحو تعزيز الإطار القانوني لمكافحة الجرائم الإلكترونية، اطلعنا على خبر صحفي في المنصات الإعلامية يفيد بأن وزارة العدل قد قدمت مقترحات لتعديل قانون جرائم المعلوماتية، تضمنت تشديد العقوبات وإلزام القضاء بالحكم بعقوبتي السجن والغرامة معًا في حال الإدانة، مع رفع سقف العقوبات في بعض الجرائم إلى سبع سنوات، وقد تصل في حالات أخرى إلى عشر سنوات من السجن.
يعكس هذا التوجه بوضوح إرادة حكومية حازمة لمواجهة ما تشهده الساحة الرقمية من تزايد في الجرائم السيبرانية، التي باتت تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن الاجتماعي والاقتصادي والوطني.
تُعد الجرائم الإلكترونية من أكثر الجرائم تعقيدًا في العصر الرقمي، إذ تُرتكب في فضاء غير محدود جغرافيًا، وقد تتداخل فيها عدة دول وجهات، مما يصعّب تحديد مكان ارتكاب الجريمة أو مرتكبها. كما تتميز هذه الجرائم بكونها تتطلب مهارات تقنية عالية، وغالبًا ما يكون مرتكبوها من ذوي الخبرة في البرمجة والحاسوب، كما أن الإثبات فيها صعب نظرًا لطبيعة الأدلة الرقمية القابلة للمحو أو التلاعب. ومن هنا تتجلى الحاجة إلى إطار قانوني متطور ومتكامل يواكب تطور الجريمة الرقمية، ويوفر الحماية القانونية للمجتمع والأفراد.
وتتنوع الجرائم الإلكترونية لتشمل:
- جرائم ضد الأفراد: مثل اختراق الحسابات، وانتهاك الخصوصية، ونشر الصور أو المعلومات الشخصية دون إذن، والتنمر والابتزاز الإلكتروني.
- جرائم ضد الأموال: كالاحتيال المالي عبر الإنترنت، وسرقة البطاقات الائتمانية أو الحسابات البنكية، والتلاعب بالبيانات المالية.
- جرائم ضد المؤسسات والدول: مثل اختراق المواقع الحكومية والمصارف، ونشر الفيروسات، والتجسس الإلكتروني، والهجمات السيبرانية.
- جرائم تتعلق بالمحتوى: كالترويج للمخدرات أو الإرهاب عبر الإنترنت، وانتهاك حقوق الملكية الفكرية والقرصنة.
إن مواجهة هذه الجرائم لا تتحقق فقط عبر القوانين الرادعة والعقوبات المشددة، بل تحتاج أيضًا إلى منظومة متكاملة من الوعي والتثقيف الإلكتروني، وتعزيز الأمن السيبراني في المؤسسات الحكومية والخاصة، واستخدام تقنيات الحماية والتشفير، فضلًا عن التعاون الدولي والتشريعي لتبادل المعلومات وملاحقة المجرمين عبر الحدود.
وفي سياق التوصية التي اطلعنا عليها من خلال الخبر المنشور في هذه المنصات الإعلامية والمنسوبة إلى وزارة العدل، والتي تُلزم القضاء بالحكم بعقوبتي السجن والغرامة معًا، تبرز إشكالية تستحق التأمل من منظور الفلسفة الجنائية للعقوبة.
فالعقوبة في الأصل ليست غاية في ذاتها، وإنما وسيلة لإصلاح الفرد وحماية المجتمع، في إطار من الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية. وهي تقوم على مبدأ التوازن بين الردع العام والإصلاح الفردي، فلا إفراط في الشدة يؤدي إلى القسوة، ولا تفريط في اللين يؤدي إلى ضعف الردع.
من هذا المنطلق، فإن إلزام القاضي بتوقيع العقوبتين معًا – دون منحه سلطة تقديرية – قد يُفقد المنظومة القضائية مرونتها وعدالتها الفردية، خصوصًا في ظل الواقع الحالي الذي تعاني فيه السجون من تدمير جزئي وصعوبات في الاستيعاب والتمويل. لذلك، قد يكون من الأجدر الإبقاء على مبدأ السلطة التقديرية للقاضي في تحديد ما إذا كانت العقوبتان ضروريتين معًا، أم يمكن الاكتفاء بإحداهما حسب ظروف الجريمة والجاني، بما يحقق العدالة والردع في آن واحد.
إن تشديد العقوبات في جرائم المعلوماتية خطوة في الاتجاه الصحيح لتعزيز الأمن الرقمي وحماية المجتمع من مخاطر الفضاء السيبراني، غير أن العدالة لا تُقاس بصرامة العقوبة وحدها، بل بقدرتها على الإصلاح وتحقيق التوازن بين الحزم والرحمة.
فالقانون الناجع هو الذي يجمع بين القوة في الردع والمرونة في التطبيق، ليكون حماية حقيقية للإنسان والمجتمع في عصر التحول الرقمي المتسارع
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم