د.عمرو محمد عباس محجوب
يمكن المقارنة بين النزاع في الشرق الأوسط (الذي يشمل الحرب الإسرائيلية-الأمريكية المدعومة على غزة ولبنان وأجزاء أخرى من المنطقة خلال 2024-2025) والحرب في السودان (التي اندلعت في أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع “RSF” المنبثقة من ميليشيا الجنجويد)، لكن هذه المقارنة تكشف عن تشابهات في بعض الجوانب مثل الدعم الخارجي والممارسات الوحشية، مع اختلافات جوهرية في السياقات التاريخية والجغرافية. المقارنة مستنداً إلى تقارير موثوقة من منظمات دولية وصحفية، مع الإشارة إلى أن كلا النزاعين يُوصفان بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية محتملة، لكن التغطية الإعلامية والتدخلات الخارجية تختلف بشكل ملحوظ.
كلا النزاعين لم ينشآ فجأة، بل بنيا على تراكم تاريخي طويل من التوترات والتخطيط الخارجي: في الشرق الأوسط: التحضير يعود إلى عقود من الاستعمار البريطاني، ثم الدعم الأمريكي-الإسرائيلي للتوسع الاستيطاني والحصار على غزة منذ 2007، مع تصعيد في 2023-2025 عبر عمليات عسكرية مدعومة أمريكياً (مثل إمدادات الأسلحة بمليارات الدولارات). هذا التحضير يُرى كجزء من استراتيجية إمبريالية أمريكية للسيطرة على المنطقة، مع دور الصهيونية العالمية في تعزيز الدعم السياسي والاقتصادي لإسرائيل عبر اللوبيات في الغرب.
في السودان: الجنجويد (التي أصبحت RSF) تشكلت في التسعينيات كميليشيا مدعومة من نظام عمر البشير لقمع التمردات في دارفور، مع تحضير طويل عبر تهريب الذهب والأسلحة منذ 2019. النزاع الحالي يُعزى إلى صراع على السلطة بعد الثورة السودانية 2019، لكنه مدعوم خارجياً لإضعاف الدولة المركزية.
التشابه: كلاهما يعكسان “حروب بالوكالة” مدبرة خارجياً لأهداف اقتصادية (الذهب في السودان، الغاز والنفط في الشرق الأوسط)، مع تحضير يمتد لعقود يهدف إلى تفتيت الدول العربية/الإسلامية. نوع الممارسات: القتل الجماعي والوحشية فكلا النزاعين يشهدان ممارسات وحشية تشبه الإبادة الجماعية، لكن التنفيذ يختلف في الوسائل: في الشرق الأوسط: اتهامات بـ”إبادة جماعية” في غزة من منظمات مثل الأمم المتحدة وهيومن رايتس ووتش، تشمل قصفاً جوياً للمستشفيات والمدارس، حصاراً يؤدي إلى مجاعة (أكثر من 40 ألف قتيل حتى أكتوبر 2025)، وتدميراً منهجياً للبنية التحتية. الدعم الأمريكي يُرى كشريك في هذه الوحشية عبر الفيتو في مجلس الأمن.
في السودان: الجنجويد/RSF متهمون بجرائم إبادة في دارفور (كما حكم المحكمة الجنائية الدولية في أكتوبر 2025 على قائد ميليشيا بجرائم حرب)، تشمل مذابح عرقية ضد غير العرب (أكثر من 150 ألف قتيل و12 مليون نازح حتى 2025)، اغتصاباً جماعياً، وحرق قرى. الخبراء يصفونها بـ”إعادة إنتاج إبادة دارفور 2003”. التشابه: كلاهما يعتمدان على “نموذج إسرائيلي” في تبرير الهجمات على “أهداف مدنية” كدفاع عن النفس، مع استخدام الجوع كسلاح (حصار غزة مقابل تدمير المحاصيل في السودان). الفرق: الوحشية في السودان أكثر بدائية (سكاكين ومذابح)، بينما في غزة تكنولوجية (طائرات بدون طيار).
المحرك المشترك: بالوكالة إسرائيل والإمارات فهناك روابط واضحة تجعل الإمارات وإسرائيل “محركاً مشتركاً” في السودان، مع دعم أمريكي غير مباشر: فدور الإمارات: تدعم RSF/الجنجويد عبر تهريب أسلحة صينية متقدمة (كما وثقت أمنستي في مايو 2025)، وتمويل بالذهب، مما أدى إلى مقاضاة الإمارات بـ”تواطؤ في إبادة” في مارس 2025. الهدف: السيطرة على مناجم الذهب السودانية. ودور إسرائيل: تُتهم بتدريب وتمويل RSF عبر اتفاقيات أبراهام (2020)، وتُرى كوسيط خفي لإضعاف السودان (الذي قطع علاقاته مع إسرائيل في 2024). تقارير تشير إلى “يد إسرائيلية مخفية” في تمويل الجنجويد لأهداف جيوسياسية ضد إيران ومصر. الدعم الأمريكي: يدعم الجيش السوداني (SAF) كحليف، لكنه يتغاضى عن دعم RSF عبر الإمارات، مما يجعل الحرب “بالوكالة” مشابهة لدعم أمريكا لإسرائيل في الشرق الأوسط. التشابه:ان كلا النزاعين مدفوعان بمصالح اقتصادية (ذهب vs غاز)، مع الإمارات كحلقة وصل بين إسرائيل والسودان، مما يعزز فكرة “حرب هجينة” لإعادة رسم الخرائط الإقليمية.
الصهيونية العالمية (اللوبيات اليهودية-الإسرائيلية في الغرب) تلعب دوراً أكبر في الشرق الأوسط، حيث تؤثر على السياسات الأمريكية لدعم إسرائيل (مثل تمرير قوانين مكافحة BDS). في السودان، الدور غير مباشر عبر الشراكة مع الإمارات، حيث ساعدت إسرائيل في تطبيع العلاقات السودانية (2020) مقابل دعم RSF، مما يُرى كامتداد لـ”الصهيونية” في تفتيت الدول العربية. هذا الدور يُنتقد كجزء من “ثورة مضادة عالمية” ضد الثورات العربية، لكنه أقل وضوحاً في السودان مقارنة بغزة.
الإعلام الغربي متحيز في كلا النزاعين، لكنه يركز على غزة أكثر: في غزة: تغطية متحيزة لإسرائيل (مثل وصف الهجمات بـ”دفاع عن النفس” في CNN وBBC)، مع قمع للصحفيين الفلسطينيين، و”غسل دماغ” للرأي العام عبر حملات لوبي. في السودان: تغطية ضئيلة رغم الوفيات الأعلى (150 ألف مقابل 40 ألف في غزة)، بسبب “تعقيد” النزاع وتأثير الإمارات على الإعلام العربي. الإعلام الغربي يُتهم بـ”التجاهل المنهجي” للإبادة في دارفور، مما يسمح باستمرار الدعم الخارجي دون ضغط.والتشابه: كلاهما يعتمدان على “سرديات متواطئة” لتبرير الوحشية، مع نقص في تغطية الضحايا غير الغربيين، مما يعزز “الاستعمار الإعلامي”.
نوع اتفاق وقف الحرب المقترح فاقتراحات وقف النار في كلا النزاعين هشة وتركز على “الإغاثة المؤقتة” دون حل سياسي:
في غزة: هدنة يناير 2025 (مدعومة أمريكياً) سمحت بإدخال مساعدات محدودة وإطلاق سراح أسرى، لكنها انهارت بسبب انتهاكات إسرائيلية (أكثر من 1000 حتى مارس 2025). الاقتراحات الحالية (أكتوبر 2025) تشمل قوة دولية لمراقبة الحدود وانسحاب تدريجي، لكنها تفتقر إلى آليات للعدالة أو إنهاء الحصار. في السودان: دعوات الإمارات (أكتوبر 2025) لـ”هدنة فورية وانتقال مدني”، مع وساطة سعودية-أمريكية تركز على وقف إطلاق النار لكنها تتجاهل محاسبة RSF. الاقتراحات تشمل توزيع إغاثة عبر الأمم المتحدة، لكنها تواجه عقبات بسبب التمويل الخارجي. التشابه: كلاهما “هش” ومرتبط بضغوط خارجية (أمريكية في غزة، إماراتية في السودان)، مع تركيز على “الإغاثة” دون مواجهة الجذور (الاحتلال في غزة، الدعم الخارجي في السودان). الفرق: غزة لديها انتباه دولي أكبر، بينما السودان يعتمد على جهود إقليمية محدودة. في الختام، هذه المقارنة تكشف عن نمط عالمي من “الحروب بالوكالة” المدعومة إمبريالياً، حيث تُستغل النزاعات لمصالح اقتصادية وسياسية، مع تجاهل إعلامي للضحايا. لكن الحل يتطلب ضغطاً دولياً حقيقياً للمحاسبة، لا مجرد هدن مؤقتة.
دور الإمارات العربية المتحدة في النزاع السوداني (2023-2025) إذ تلعب الإمارات العربية المتحدة دوراً مثيراً للجدل في الحرب الأهلية السودانية التي اندلعت في أبريل 2023 بين الجيش السوداني (SAF) وقوات الدعم السريع (RSF)، المنبثقة من ميليشيا الجنجويد. وفقاً لتقارير دولية وإعلامية، تُتهم الإمارات بدعم RSF عسكرياً واقتصادياً، مما يطيل أمد النزاع ويفاقم الأزمة الإنسانية التي أدت إلى مقتل أكثر من 150 ألف شخص ونزوح 13 مليون آخرين حتى أكتوبر 2025. ومع ذلك، تنفي الإمارات هذه الاتهامات بشدة، مؤكدة التزامها بالسلام والدعم الإنساني. فيما يلي تفاصيل الدور المزعوم، مدعومة بأدلة من مصادر موثوقة.
تُعتبر الإمارات “الداعم الرئيسي” لـ RSF، وفقاً لشهادات استخباراتية وتحقيقات دولية. يشمل الدعم: من تهريب الأسلحة: نقل أسلحة صينية متقدمة عبر تشاد، بما في ذلك قنابل موجهة GB50A (صُنعت في 2024) استخدمت في غارات RSF على المدنيين في شمال دارفور في مارس 2025، ومدافع هاوتزر AH-4 (مُستوردة من الصين في 2019). هذه الأسلحة انتُهكت بها حظر الأسلحة التابع للأمم المتحدة على دارفور، وتم التقاطها في الخرطوم ودارفور. كما سُجلت 86 رحلة طائرات من الإمارات إلى مطار جرس في تشاد حتى ديسمبر 2024، تحمل أسلحة ومعدات عسكرية عبر معابر برية مثل ادري. المرتزقة والعناصر الميدانية: وُجدت جوازات سفر إماراتية أربعة في أنقاض مركبة RSF في أم درمان في فبراير 2024، مما يشير إلى وجود ضباط استخبارات إماراتيين أو مرتزقة. كما اكتشفت جوازات يمنية مرتبطة بمقاتلين RSF، في سياق تبادل دعم مع الإمارات في اليمن. في سبتمبر 2024، اتهمت الحكومة السودانية الإمارات بـ248 رحلة لتهريب مرتزقة وأسلحة بين نوفمبر 2024 وفبراير 2025. التنسيق الإقليمي: تعاون مع خليفة حفتر في ليبيا (مدعوم إماراتياً) لعمليات حدودية مشتركة مع RSF، بالإضافة إلى طائرات كارغو من قاعدة الريف في أبوظبي إلى تشاد.
يُفسر الدعم بمصالح اقتصادية استراتيجية، حيث أصبح السودان “مفتاحاً” للإمارات في أفريقيا، رغم العقوبات السابقة على نظام البشير: تجارة الذهب: يسيطر RSF على مناجم رئيسية مثل جبل عامر، ويُهرب 90% من إنتاج الذهب السوداني (13.4 مليار دولار سنوياً) عبر الإمارات، التي استوردت 2.29 مليار دولار في 2022. شركات إماراتية مثل “إميرال ريسورسيز” تنتج 3 أطنان سنوياً تحت حماية RSF، واستولى RSF على مصفاة الذهب في الخرطوم في 2023 (1.6 طن بقيمة 150 مليون دولار). الإنتاج ارتفع إلى 64 طن في 2024 رغم الحرب. يُعتبر السودان “سلة غذاء” للإمارات (التي تستورد 90% من غذائها). شركات مثل “إنترناشيونال هولدينغ كومباني” (IHC) و”جنان” تزرع أكثر من 50 ألف هكتار، مع صفقة لـ162 ألف هكتار إضافية في أبو حمد قبل الحرب. RSF يوفر الحماية للوصول إلى الأراضي. الموانئ الاستراتيجية: صفقات بـ6 مليارات دولار مع “دواي بورتس وورلد” و”أبوظبي بورتس” لتطوير ميناء أبو عمامة ومنطقة تجارة حرة، مرتبطة بطريق إلى مشاريع زراعية قرب قناة السويس. الساحل السوداني (700 كم على البحر الأحمر) يدعم طموحات الإمارات الإقليمية. السيطرة المالية: بنوك إماراتية مثل “بنك أبوظبي الإسلامي” و”بنك دبي الإسلامي” تسيطر على 23% من أصول البنوك السودانية، وتُستخدم حسابات RSF (مثل حساب أخ حميدتي في بنك النيلين بأبوظبي) لإعادة تدوير إيرادات الذهب.
تدل الأدلة والتحقيقات من تقارير الأمم المتحدة: وثيقة مسربة (41 صفحة) إلى مجلس الأمن في يوليو 2024 تُظهر أجهزة عسكرية إماراتية مثل طائرات بدون طيار معدلة لإسقاط قذائف في أم درمان، وصواريخ أرض-أرض ومدافع مضادة للطائرات. أمنستي إنترناشونال: تحقيق في مايو 2025 يؤكد نقل أسلحة صينية إماراتية، مما ينتهك معاهدة تجارة الأسلحة. شهادات استخباراتية: ضابط RSF (تحت الاسم “أحمد”) أكد في مقابلة سرية مع سكاي نيوز (سبتمبر 2025) أن الإمارات تواصل في الدعم المالي، مع فيديوهات لقوافل أسلحة عبر الحدود. وهناك اتهامات سودانية: ضربة جوية سودانية لطائرة إماراتية مشتبه بها في أغسطس 2025.
تنفي وزارة الخارجية الإماراتية أي تورط عسكري، وتصف الاتهامات بـ”الكذب والدعاية”، مشيرة إلى أن الجوازات تعود لوفد إنساني في 2022. تدعو الإمارات لوقف إطلاق نار فوري وانتقال مدني في أكتوبر 2025، وتدعم جهود السلام السعودية-الأمريكية. كما تُساهم في مساعدات إنسانية، لكن الخبراء يرون في ذلك غطاءً للعمليات غير الشرعية.
يُرى الدور الإماراتي كجزء من “حرب بالوكالة” مع السعودية (التي تدعم SAF)، في سياق تنافس خليجي على أفريقيا. هذا الدعم يطيل الحرب، يعزز الإبادة في دارفور (مثل مذبحة الجنينة 2023)، ويمنع السلام، مع دعوات أمريكية لمحاسبة الإمارات في الكونغرس. يُوصف بـ”الإمبريالية الفرعية”، حيث تستخدم الإمارات قوى غير حكومية مثل RSF للوصول إلى الموارد دون مقاومة رسمية.وفي الختام، يعكس هذا الدور توتراً إقليمياً يهدد استقرار السودان، مع حاجة ماسة لتحقيقات دولية مستقلة.
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم