تراءى لي في المنام…. أني صرت رئيسا للمجلس التشريعي .. بقلم: د. مجدي إسحق

استيقظت غاضبا.. ومحبطا.. على غير عادتي لإنقطاع الحلم الجميل وإكتشافي إنني إنما كنت أحلق في سحائب الخيال.. وضغطت على أجفاني لأعود لمملكة الأحلام لأعيش ما فشلنا في غرسه في أرض الواقع… ولكن هيهات.. لأجد نفسي أتجرع مرارات الواقع بجرعات من ما تبقى من ذكريات الحلم عسى ان تكون ترياقا من الإحباط والترهل..
لا أذكر كيف بدأ الحلم ولكن وجدت نفسي مترئسا جلسة مجلسنا التشريعي أخاطب جمعهم بكل مودة لأنها حوت وجوها أحببتها في الثوره وجمعها عشق الوطن.. ولم تجمعهم محاباة او محاصصة بغيضه.. بل تقاطروا من كل البقاع يحملون خبراتهم وتجاربهم إختلفت سحناتهم وأعمارهم لكن يشع في نفوسهم ترنيمة الأمل ويزرع الحماس والتجرد في أجفانهم صفاء.. ترتفع أصواتهم بقوة يشوبها الإحترام وأدب الإختلاف.. لايغفرون ولايسامحون في حق المواطن… تحكمهم المهنية ويجمعهم حب الوطن..
ساد الهدؤ عندما دخل رئيس الوزراء ليقدم تقريره الأسبوعي…. وشعرت بتعاطف غريزي تجاهه لما كان يحمل من سمات تواضع وابتسامة وادعه تفرض عليك احترامه.. ولكن كنت أعلم أن هذا لن يحميه من كلمات صارمه من أعضاء المجلس تحلل في مقاله تنظر لوعوده التي قدمها للمجلس في اسبوعه المنصرم لا يجاملون ولا يغفلون عن شارده… ينظرون لمستجدات السلام ومايطفح من اتهامات
عن لماذا تأخر تعيين الولاه وحكوماتهم الولائيه؟؟
لماذا البطء في تفكيك الدوله العميقه؟؟
لماذا تأخرت كثير من التعيينات.. وما الذي يمنع من اعلان شاغر الوظائف بكل شفافية؟؟
ولماذا لم يحاسب مدير جهاز الأمن على أحداث تمرد وحداته؟؟ والى متى ستكون الوحدات العسكريه في داخل المدن … ثم ختم المجلس بإنتقاد قاسي لمكتبه الاعلامي الذي يفتقد وجود خطة واضحه للتواصل مع شعبه مفتقدا للنشرات الدوريه واللقاءت المنتظمه لينتظر شعبنا اسابيعا ليلتف حول لقاء أحاديا يستمر بالساعات ولا يغطي كل التساؤلات..بعدها
يغادر رئيسا وزراءنا..مع وعد لا أشك في صدقه بالعودة بعد اسبوع بالاجابات..حبا وكرامه..
لا ينفض مجلسنا… بل يغادر الأعضاء بكل حماس وترتيب كل الى غرفة أصغر لينضم الى اجتماعات لجنته المختصه.
وأستعجلت خطاي لكي أتابع ما يجري في لجاننا المتخصصه..
لأجد في غرفتنا الأولى وزير ماليتنا وهو يشرح لماذا تراجع سعر عملتنا بسرعة خرافيه وما تبع ذلك من تصاعد في الأسعار بصورة ينؤ كاهل الشرفاء عن تحملها وما هي معالجاته لذلك؟؟ وجلس يسجل إقتراحات الأعضاء انتقاداتهم وتوجيهاتهم.
وقبل ان يجمع اوراقه طالبته اللجنه ان يأتي الاسبوع القادم بتفاصيل خطته في منع التجنيب واحكام السيطره على الشركات الحكوميه والأمنيه وضمان انسياب مواردها مباشرة لخزينة الدوله فتمتم سمعا وطاعه.
وفي غرفة لجنة الأمن جلس وزير الداخليه يحاول تفسير غياب الجمارك و الشرطة والأمن الاقتصادي من موانئ الوطن وعن تهريب الذهب بالمطارات و تهربب الدقيق والمواد البتروليه وفشلهم في مراقبة المخابز والمواصلات.. وظهور عصابات للشغب وارعاب المواطنين.
وفي لجنة العلاقات الخارجيه تصارع وزيرة الخارجيه لتجد اجابة في الاستدعاء العاجل لتقدم تفسيرا عن وجود أكثر من مائة من سفراء الانقاذ في مناصبهم.. وماهو وضع سفاراتنا ومواردها؟؟
وهناك في لجنة الشئون القانونيه يجلس بهدؤ واهتمام وزير عدلنا يبحث عن إجابات عن ضحبا الحرب والتعذيب… وتطالبه اللجنه ان يأتي الاسبوع القادم بمشروع متكامل لمفوضية الفساد بها قضاة والنيابه لتكون طريقا معبدا يحسم فيه قضايا الفساد بلا تلكؤ او انتظار…. مع إعطائه مهلة شهر لوضع ملفات تحقيق جاهزه امام المفوضيه تشمل أموال البترول.. موارد شركات الامن.. بيع وخصخصة مؤسسات الدوله من بينها خط هيثرو..وملفات الاراضي والاقطان والمحاليل والمبيدات.. فخرج على عجل يحمل ملفاته للقيام بما طلب منه وفي باله موعد اللجنة بعد إسبوع وصرامتها في الالتزام بذلك..
إرتفعت الأصوات في غرفة لجنة الإعلام وهي ترمي أسئلتها ومطالبها للوزير ولا تخفي عدم رضائها من غياب استراتيجية اعلاميه تعكس اداء الحكومه.. وعن أجهزة بعيدة عن هموم شعبها لا تعرف معاني التحقيق والبحث لا تنقل معاناة الشارع لا تبحث عن الاسباب لا تحاصر المسئولين… إعلام غائب عن مسئوليته في تعرية دولة الظلم لا يخجل ان تقوم قناة من خارج الحدود لتقدم حلقات تعري تاريخهم المظلم.. ولا تتحرك كاميرات التلفزيون ومايكرفونات الاذاعه لتنقل من الواقع الذي تعيش فيه.. لا تستحي انه حتى الان لم تتحرك كاميرا لتسجل معاناة قرى دارفور المحروقه ولا كهوف جبال النوبه المليئة بالأطفال ولا توثق لبيوت الأشباح المنتشرة على بعد خطوات منها… مايكرفونات لا تصل للشارع لتسمع من أهلنا معاناتهم وتجاربهم مع أيام الفساد والظلم والإرهاب.. وغادرت القاعة وأظا أبتسم لقرارهم بأن اللجنه ستنتظر ردا مفصلا في أقل من أسبوع قبل ان ترفع رأيها للمجلس عن ضعف الاداء واقتراحاتها لتجاوزه…
وأنظر فأرى في قائمة اللجان إجتماع عاجل مع وزير التجاره وأخرى مؤجله للغد مع وزيرة التعليم العالي و وزير الصحه..
وانا أتحرك بين اللجان أشعر بدماء الثوره تجري في عروقي فينبض القلب فرحا وحماسا واسرع الخطى لأنظر مايجري في بقية اللجان… ولكن.. تفاجئني لسعة من شمس الصباح لأغادر بلا ترتيب بوابة الحلم الفسيح ولأستيقظ على جدب الواقع بكل أسئلته.. ويحاصرني سؤالا مدويا من الذي عطل قيام مجلسنا التشريعي.. ومن الذي سلب مؤسساتنا الانتقاليه من فعاليتها.. ومن قلبها النابض وجسمها التشريعي المسئول عن المراقبة والمحاسبه..
إن المجلس التشريعي هو الكلمة المفقوده اليوم.. وهو صوت الشعب و روحه.. يراقب التغيير.. يحاسب ويضبط الايقاع ليجعل كل لاعب في موقعه يتحرك على حسب نغمات الثوره واهدافها..
إن المجلس التشريعي هو حلمنا.. لأنه الأداة التي تضبط المسار.. لأنه صوت الشعب المعبر عن غضبه وعن رضائه.. ويد الشعب التي ينبه بها من غفل عن الطريق ويزيل بها الشوائب والإحن.. فالتغيير بالشعب يبتدئ ومنه المنتهى.. فلنجعل من الحلم واقعا.. ومن المجلس وجودا يضئ الطريق ويحافظ على جذوة الأمل…

شاهد أيضاً

بطاقات مشعثة (23)

(1)جدلية هيغل Hegelian Dialecticتتحكم الحكومات في الشعوب بتطبيق عمليات متتالية:أولا: خلق المشكلة. تخلقها الحكومة وتنسبها …