تعقيب على مقال الأستاذ خالد الحاج بعنوان: على ماذا تعتمد (داعش) في حروبها ضد المسلمين !؟
هذا المقال، وكما أجمع الأخوان المعلقون، مقال رائع بلا شك، ومهم غاية الأهمية في محتواه وفي توقيته، وفي رأيي أن أهميته تتجلى بصورة واضحة جداً في توضيح النقطة المركزية التي تؤكد انطلاق الحركات الاسلامية المتطرفة مثل داعش وغيرها، من مرتكزات فكرة الأخوان المسلمين الأساسية، وخاصة كتابات سيد قطب، أحد أبرز قادة هذه الجماعة الخطيرة. وتزداد أهمية هذه النقطة بإزاء ما نراه اليوم من غياب الفهم الصحيح لمدى خطورة هذه الجماعة التي نجحت إلى حد كبير فى تغييب صلتها بهذه الجماعات المتطرفة، ونجحت في الظهور بمظهر القيادات الاسلامية المسالمة، إلى الحد الذي جوزته على الادارة الأمريكية وتبوأت به بعض عناصرها أعلى المراتب من مواقع المستشارين الناصحين لهذه الادارة الجاهلة بحقيقة هذه الصلة لجماعة الأخوان المسلمين بالجماعات المتطرفة، وإلى الحد الذي رأينا فيه الرئيس الأمريكي أوباما يقف إلى جانب الرئيس المصري السابق محمد مرسي، رافعاً يده ومشيداً به باعتباره نموذجاً للقيادات الاسلامية المعتدلة. وأهمية هذه النقطة في هذا المقال لا تحدها حدود، لأنها تسهل شرح الأمر لمن عسى يحتاج إلى هذا الشرح من المسؤولين الأمريكيين خاصة، وهم يقودون الحرب الدولية ضد داعش، والذين أعتقد بأن جهلهم الشنيع بهذه الصلة يساهم بصورة كبيرة في عدم اتخاذ السياسات الصحيحة لمقاومة خطر الأخوان المسلمين ومن تبعهم من جماعات إسلامية انطلقت من فكرهم المسموم.
أنا لا أتوقع أن يوافقني الأستاذ خالد في ضرورة شرح هذا الأمر للإدارة الأمريكية، بسبب رأيه الواضح في المقال نفسه الذي خلص فيه إلى أن هذه المسألة في جملتها ليست سوى بعض مؤامرة الغرب ضد الإسلام، والتي أوضحها في قوله: العمل كله، يقع ضمن مخطط أعداء الإسلام في الغرب، فمنذ وقت اتخذ الغرب المعادي للإسلام، إستراتيجية لمحاربة الإسلام، تعتمد على استخدام المسلمين أنفسهم في هذه الحرب.. وظهرت العديد من الأسماء، ممن يعملون هذا العمل لمصلحة الغرب، ودائرتهم في ازدياد.. فلو صح هذا الافتراض، فلن تكون هناك أهمية لشرح يوجه للإدارة الأمريكية لتصحيح مواقفها وفهمها لصلة الأخوان المسلمين بداعش وغيرها من التنظيمات المتطرفة. وأنا بطبيعة الحال أختلف مع الأستاذ خالد في تفسيره هذا، ولا أرى من الحقائق والصلات ما يدعم هذه النظرية التي شاعت وانتشرت كثيراً، وللغرابة ممن عرفناهم من كتاب محسوبون على تيار الأخوان المسلمين أنفسهم، ما كنت أرجو للأستاذ خالد أن يكون بينهم، لأسباب كثيرة، منها ما يخصنا نحن الجمهوريين من منطلق فهمنا لفكرتنا، والتي تحدثت كثيراً عن خطر الهوس الديني، واستغلال العاطفة الدينية لدى شباب المسلمين، مما يغنينا من الحاجة إلى تقسير انضمام شبابنا لمثل هذه الجماعات، بالقفز إلى النتائج السهلة واستدعاء نظرية مؤامرة الغرب ضد الإسلام. فمن منطلق فهمي للفكرة، يمكننا الإجابة على تساؤل الأستاذ خالد في المقال الذي قال فيه: إن الإنسان ليتعجب أشد العجب، ما الذي يقنع من ينضمون لداعش وأشباهها!!؟؟ لا يوجد أي محتوى مطروح، صحيح أو غير صحيح.. الدعوة منذ البداية دعوة لقتال المسلمين وتقتيلهم، بعد تكفيرهم، على الرغم من أنهم يشهدون الشهادة، ويؤدون الأركان، ولم يرتكبوا أي ذنب.. ثم تأتي الأحداث الفعلية لتؤكد هذا التوجه، بأبشع صورة.. فما الذي يقنع في هذا العمل!؟ واضح جداً أنه لا أحد غير أعداء الإسلام ينتفع من هذا العمل.. على الرغم من كل ذلك، هنالك من ينضم لهذا العمل طائعاً!! والأعداد ليست بالقليلة.. ويعمل هؤلاء المنضمين للقتل!! فما هو دافع هؤلاء في الانضمام، وما السر في انضمامهم!؟ واضح أن استجابة البعض، استجابة دينية عاطفية، فهم يظنون أن الأمر فيه نصرة للدين، ومن يقتل في سبيله هو إلى الجنة!! ولكن لا يوجد أيِّ شيء مطروح، يقنع أن الأمر دين.. قتل المسلم للمسلم، من الصعب أن نظن أنه دين.. خصوصاً أن من يُقتل، هو عدد هائل من المسلمين الأبرياء.. هذا أمر غريب جداً ويحتاج لتمحيص.. وعندي مفهوم أن ينضم البعض لمصالح دنيوية يطمعون فيها.. مفهوم عندي لكنه ليس مقدراً.. لكن الكثيرين من المنضمين، يعتبرون الأمر لنصرة الدين وإقامته في الأرض.. والكثير من هؤلاء على قدر من التعليم مدني.. فهل فعلاً يعتقد هؤلاء أنهم يستطيعون الانتصار على الغرب بسلاحه!؟ هل يجهلون ما وصلت إليه أسلحة الدمار الشامل!؟ على كلٍ، أنا عاجز عن فهم دوافع هؤلاء النفر، وأسباب انتمائهم لهذا العمل الشديد البطلان عقلاً وديناً.. ولا أملك إلا أن أقول: إقام العباد فيما أراد!! فالذي يدفع هؤلاء الشباب للانضمام لداعش ليس غير الهوس الديني واستغلال العاطفة الدينية لديهم، في غياب الفهم الديني الصحيح، وغياب الفكرة الجمهورية، وليس للغرب في هذه الأسباب دخل يبرر نظرية مؤامرته ضد الإسلام. ويتساءل الأستاذ خالد في مقاله عن مصدر السلاح الذي تقاتل به داعش، بقوله: يقول علماء الجريمة: عندما تكون هنالك جريمة، وتريد أن تعرف المجرم الحقيقي، فعليك أن تبحث عن المنتفع بالجريمة!! والمنتفع بصورة لا لبس فيها، هو الرأسمالية العالمية.. وقولنا الرأسمالية، يتضمن وسائلها من ساسة ومخابرات، وقيادات عسكرية، فهؤلاء، وغيرهم، هم وسائل الرأسمالية، تستخدمهم لتحقيق أغراضها، وبالطبع هم طرف منها، ومنتفعون كما هي منتفعة.. لا توجد أي جهة منتفعة بصورة مباشرة، من الحروب التي تشنها داعش وأخواتها، غير هؤلاء الذين ذكرناهم.. هذه الجهات التي تشن الحروب باسم الجهاد الإسلامي، من المستحيل أن تملك المال الذي تدير به عملها هذا، كما من المستحيل أن تملك السلاح والذخيرة، والآليات العسكرية الضخمة، والقدرات والمخابرات الهائلة!! هذه كلها فوق طاقة دول العالم الثالث، خلِّ عنك جماعات دينية.. فمن أين أتى كل هذا!؟ من المؤكد من الرأسمالية العالمية، فلا أحد على الإطلاق غيرها، يملك ما ذكرنا.. وقد أجمعت تقارير المراقبين على أن هذا السلاح مصدره الجيش العراقي الذي فر جنوده خوفاً ورعباً من أمام عناصر داعش وتركوا لها سلاحهم، الذي هو في أصله السلاح الأمريكي الهائل الذي تركته الولايات المتحدة للجيش العراقي لدعمه وإعادة بنائه، فهو من أحدث وأفضل السلاح في عالم اليوم. ثم أن تقارير المراقبين قد أكدت أيضاً بأن بداية تمويل داعش بالسلاح بكميات مهولة قد جاءت لجبهة النصرة، داعش في أول مراحلها، من السعودية وقطر، فداعش كانت تقاتل ضمن جبهة الجيش السوري الحر حتى قررت السعودية وقطر وغيرها من دول الخليج استباق الأحداث، حينما أخطأوا في قراءة الأحداث، وتوقعوا سقوط الأسد الوشيك وأرادوا نظاماً يخلفه يكون موالياً لهم ولا يدعو لدولة مدنية مثل التي يدعو لها ضباط الجيش السوري الحر، والذي كان حتى ذلك الوقت يقود المعارضة التي تقاتل الأسد قبل أن تنقلب موازين المعادلة بسبب تمويل السعودية وقطر للعناصر المتطرفة، التي كونت جبهة النصرة، وصارت بفضل سلاحها القوي تقاتل الجيش الحر نفسه، وتقاتل الأكراد ونظام الأسد في نفس الوقت، قبل أن تتمدد في العراق وتنطلق متوغلة بسبب عجز الجيش العراقي الفاسد قادته، وفساد جنوده. وبوسعي أن أحدثكم في هذا حديثاً يطول، خلاصة تجربة شخصية دامت سبعة سنوات في العراق وانتهت أواخر عام 2011. ثم إن داعش اليوم تملك المال الكافي لشراء حاجتها التي تريد من السلاح من عائدات النفط العراقي التي سيطرت عليها، وتقدر بما لا يقل عن ثلاثين بالمائة من نفط العراق، والذي يبلغ حجم رفده لسوق النفط العالمي ما لا يقل عن ثلاثة ملايين برميل في اليوم، ولا تنسى كذلك تبرعات أثرياء المسلمين السلفيين المتطرفين من جميع أنحاء العالم، وخاصة من دول الخليج، فهل بعد هذا يصح التعجب عن مصادر تمويل داعش بالسلاح حتى تصح نظرية مؤامرة الغرب ضد الإسلام؟
يقول الأستاذ خالد: إن همّ الرأسمالية الأساسي والوحيد، هو الربح، ودوران عجلة الإنتاج.. وهذا لا يتأتى إلا باستهلاك السلع المنتجة.. وتجارة السلاح وتوابعه، هي أهم تجارة للرأسمالية، وأكثرها إدراراً للربح.. والسلاح يُنتج لُيستهلك، لا ليُخزن في المخازن.. وهو يستهلك من أجل أن تدور عجلة المصانع، وتنتج سلاحاً جديداً، ليستهلك هو أيضاً، وهكذا دواليك.. فإذا توقفت الحرب، يخسر تجار السلاح، والدول التي تنتج السلاح.. بالإضافة للذخيرة، ووسائل الحرب الأخرى.. فكلما كانت الحرب واسعة، وتدوم لأطول وقت، يكون ذلك أنفع للرأسمالية.. والرأسمالية لا تترك الأمور لتقوم دون تدخل منها.. هذا أمر غير مضمون.. فهي تحتال بشتى الأساليب، لإشعال الحروب، ولديمومتها.. ولها وسائل عديدة، من خلال إمكانيات الدول الرأسمالية الكبيرة، وما لها من دبلوماسية، ومخابرات وعملاء، في مناطق الحروب.. الحروب التي تثيرها داعش وأخواتها، هي في خدمة الرأسمالية في المكان الأول.. وقد يكون للرأسمالية، منذ البداية، الدور الأساسي في إشعالها.. وقد يكون بعض زعماء الجماعات يعلمون بذلك، وينفذون أدواراً، وضعتها لهم الرأسمالية، ويتقاضون المقابل.. ومعظم أعضاء هذه الجماعات في القاعدة، الراجح أنهم لا يعلمون شيئاً.. عليه الرأسمالية، لن تعمل من جانبها، لوقف هذه الحروب، ولكنها تحاول أن تخفي يدها الظاهرة.. من مصلحة الرأسمالية ألا يكون هنالك منتصر، في الحرب، حتى تدور عجلة الإنتاج.. والرأسمالية تسد حاجة الطرفين المتحاربين، بالأسلحة والذخيرة.. فإذا اتضح في وقت ما أن هنالك طرف سينتصر، وقتها، ستتدخل الرأسمالية بفعالية لإنهاء الحرب، لتستثمر هذا التدخل، في الدعاية في وقت السلام.. هذا أمر فيه تفاصيل كثيرة، وهو واضح جداً، لكل مراقب سياسي.. إن التفسير بأن مصلحة الغرب من كل هذه المؤامرة يمكن أن تجد تبريرها في مغانمه من بيع السلاح تفسير لا يسنده الواقع ولا الأرقام، والتي سأدلل عليها أدناه معتمداً على الإحصاءات الواردة في موسوعة الوكيبيديا (الترجمة من عندي): الولايات المتحدة تنفق سنويا أكثر من 1.5 تريليون دولار على النفقات العسكرية في جميع أنحاء العالم (2.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي). وهذا يمثل انخفاضا من 1990 عندما شكلت النفقات العسكرية 4٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. جزء من هذا يذهب إلى شراء المعدات والخدمات العسكرية من الصناعة العسكرية. وبلغت مبيعات الأسلحة لأكبر 100 من الشركات المنتجة لأكبر الأسلحة بما يقدر ب 395000000000 $ في عام 2012 وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. في عام 2004 أنفقت 30 مليار دولار في تجارة الأسلحة الدولية (وهذا الرقم لا يشمل المبيعات المحلية من الأسلحة). وفقا لتقرير المعهد، بلغ حجم عمليات النقل الدولية للأسلحة الرئيسية ( بين عامي 2010-14 )16 في المائة عما كانت عليه في 2005-2009. كانت الولايات المتحدة وروسيا والصين وألمانيا وفرنسا أكبر المصدرين في 2010-14 ، واكبر المستوردين الهند والمملكة العربية السعودية والصين، والإمارات العربية المتحدة ، وباكستان. هذه جملة المعلومات التي تهمنا عن حجم تجارة السلاح في عالم اليوم، فهي إذا استبعدنا منها تسليح الدول لنفسها، ومنها الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، سنجد بأن ما يهمنا من هذه الأرقام مما له علاقة بالمقال هي الفقرة التي تفيد بأن: (وبلغت مبيعات الأسلحة لأكبر 100 من الشركات المنتجة لأكبر الأسلحة بما يقدر ب 395000000000 $ في عام 2012 وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. في عام 2004 أنفقت 30 مليار دولار في تجارة الأسلحة الدولية (وهذا الرقم لا يشمل المبيعات المحلية من الأسلحة). وبطبيعة الحال ليست كل هذه الثلاثين ملياراً هي قيمة مبيعات الأسلحة لحروب داعش وشبيهاتها، فإذا علمنا بأن الولايات المتحدة قد انفقت حوالي التريليونين في تدخلها العسكري بالعراق، فهل يعقل أن يكون دافعها من كل ذلك هو أرباحها من مبيعات السلاح البالغة ثلاثين ملياراً فقط؟ الحقيقة التي لا يجب أن تستغرقنا وقتاً طويلاً في قراءتنا لما يجري من أحداث اليوم هي أن خوف الدول الغربية من حروب داعش خوف حقيقي يمكن لأي متابع لقنوات الأخبار التلفزيونية الغربية مثل السي إن إن أن يلاحظه بسهولة، لأنه يمثل حقيقة أكبر خطر يواجه الدول الغربية، والولايات المتحدة بصفة خاصة، ويهدد مصالحها الاقتصادية تهديداً مباشراً، وبصورة لم تواجهها من قبل. فبحساب بسيط، وباستدعاء وقراءة للأرقام، يمكننا أن نلاحظ أن هجوماً إرهابياً واحداً مثل ذلك الذي وقع في الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001، قد كلف الاقتصاد الأمريكي ما لم يتمكنوا إلى الآن من حسابه بدقة، وأفضل التقديرات للخسائر الفادحة التي تعرض لها الاقتصاد الأمريكي من جراء تلك الهجمات تقول، كما جاء في الوكيبيديا(الترجمة من عندي): عدا قيمة الخسائر في الأرواح، وفضلا عن الأضرار في الممتلكات وخسائرإنتاج السلع والخدمات، تتجاوز الخسائر بالفعل 100 مليار دولار. ثم الخسارة في الثروة بسوق الأسهم - وتقدير الخسائر في السوق الخاصة الناشئة عن تقلبات وتوقعات أرباح الشركات الاقتصادية الدنيا والعليا يقدر ب 2000000000000 دولار، تريليوني دولار. كما أن خسائرسقوط الأسواق العالمية، كما جاء في الوكيبيديا، لا تحصى فالخوف من تكرار هجمات إرهابية داخل الولايات المتحدة مثل هجمات الحادي عشر من سبتمبر، خوف حقيقي وواقعي، خاصة بعد أن رأينا وقرأنا وتابعنا تقاريراً مؤكدة تفيد بانضمام وسفر شباب المسلمين بالولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية، لداعش، ثم توجيه داعش لهؤلاء بعد تدريبهم بالعودة لبلادهم والقيام بالأعمال الإرهابية، وجميع هذه التقارير مصدرها الدوائر الأمنية التي تؤكد لنا في كل يوم أن توقع مثل هذه الهجمات أمر كائن ولا يمكن الاحتراز له أو الوقاية منه باي نوع من الاستعدادات والتجهيزات الأمنية. ويمكنني أن أخلص ببساطة إلى القول بأن خسارة الغرب من حروب داعش وأشباهها هي في الحقيقة وبلغة الأرقام أكبر من خسائر جميع الدول الإسلامية، خاصة إذا أضفنا لهذه الخسائر ما يمكن أن يؤدي إلى انهيار كل اقتصادات الدول الغربية، وبصفة خاصة الأوروبية واليابان في حالة تمكن داعش من السلطة في العراق بالسيطرة على بغداد، وهي قد أصبحت على مرمر حجر منها، ومن ثم التحكم بمعظم النفط العراقي، وهي تتحكم حتى الآن في ثلاثين بالمائة منه. فلو قدر لداعش أن تسقط بغداد وتتحكم في العراق، ما الذي يمنعها من التوغل جنوباً نحو السعودية، وجيشها المكون من عناصر هي في الحقيقة ليست إلا رصيد نائم لداعش وأفكارها السلفية المتطرفة؟ وما علاقة هذا كله باقتصادات الدول الغربية؟ علاقته واضحة بالنظر إلى حقيقة أن ثلثي النفط الذي تعتمد عليه الدول الأوروبية واليابان يستورد من الشرق الأوسط، فكم من الوقت ستصمد هذه الدول إذا تحكمت داعش في سريان النفط ومنعته عن الدول الغربية؟ ولا يخفى على حصيف متابع بطبيعة الحال صلة اقتصادات الدول الأوربية بالاقتصاد الأمريكي، ويمكن للمتابع أن ينظر فقط إلى تأثير انهيار اقتصاد دولة أوروبية صغيرة مثل اليونان، على معدل سوق الأسهم الأمريكية، الداو جونز، وانخفاضه بأكثر من 300 نقطة في يوم واحد بسبب خبر عن تردد المصارف اليونانية في السماح لعملائها بالسحب من أرصدتهم مؤقتاً ولزمن وجيز. ولمصلحة من ليست له معرفة بسوق الأسهم الأمريكية، ومعدل الداو جونز، فإن هذه الثلاثمائة نقطة التي انخفضت في قيمته تعادل بليونات الدولارات من الخسائر. خلاصة الأمر هي إن خوف الغرب من توغل داعش وانتشار حوربها خوف حقيقي، وأسوأ ما في الأمر أن هذا دول الغرب، والولايات المتحدة، تقف اليوم عاجزة تماماً عن إيقاف داعش، بسبب عجزها عن التدخل بقوات أرضية أجمع الخبراء العسكريين، وكبار الخبراء العسكريين الأمريكيين منهم بصفة خاصة، بأن هذه القوات الأرضية الأمريكية هي القوة العسكرية الوحيدة القادرة على إيقاف تقدم داعش والحؤولة بينها وبين استلام بغداد وفرض سيطرتها على كل العراق. وسبب عجز الادارة الأمريكية عن اتخاذ قرار هام وأساسي مثل هذا يوقف تقدم داعش، هو أننا في موسم الانتخابات الأمريكية التي أطلت، ولن يجرؤ سياسي واحد على مجرد التلميح لاقتراح بإرسال هذه القوات الأرضية، لأن هذه ستمثل نهاية مستقبله السياسي، وربما تؤثر أيضاً على فرص الحزب الذي ينتمي له للفوز، لسبب بسيط هو أن الشعب الأمريكي يرفض تماماً أي احتمال لإرسال أبنائه للعراق مرة أخرى، لجهله بخطر داعش على حياته وعدم متابعته لما يدور في العالم، وتلك قصة أخرى. ومن القصص الأخرى التي أريد أن أعقب عليها قول الأستاذ خالد بأن الفكرة الجمهورية فكرة تبشيرية، وأنا أرى بأنها فكرة عملية، وهو ينتظر الإذن وأنا أرى بأن الإذن قد صدر بمجرد صدوع الأستاذ بأمره ومباركته وتوجيهه لنا بحمل الدعوة، ولكني سأترك هذا لسانحة أخرى إذا مد الله في العمر ورفع القلم. أريد ختام تعليقي هذا بأن أشيد بلا حدود إلى تذكير الأستاذ خالد لقراء مقاله الرائع بأن المخرج من داعش ليس غير الفكرة الجمهورية، وشرحه الموفق والهام للتفريق بين الشريعة والدين بما هو وارد في فكرتنا العظيمة، ويحسن بي أن أختم باستدعاء بعض كلماته النيرة في هذا: هذه المواصفات لا يستجيب لها من الإسلام، إلا مستوى قرآن الأصول، القرآن المكي.. وهذا ما تقوم عليه دعوة الأستاذ محمود محمد طه، بصورة جلية.. فهي لا تدعو للشريعة وإنما تدعو للسنة، وتفرق تفريقاً واضحاً بين الاثنين.. وهذا التفريق يقوم على مستويي القرآن: القرآن المكي (قرآن الأصول) والقرآن المدني (قرآن الفروع) الذي قامت عليه الشريعة في القرن السابع الميلادي، والذي خاطب الناس على قدر عقولهم في ذلك الزمان.. أما القرآن المكي فهو المستوى الذي عاشه النبي صلى الله عليه وسلم، في خاصة نفسه، ونزل عنه للأمة، ليخاطبهم وفق طاقتهم وحاجتهم.. فالشريعة في ما يتعلق بحاجات المجتمع: الاقتصاد والسياسة والاجتماع، هي خطاب مرحلي لأمة المؤمنين.. أما الخطاب الأصلي والذي هو للإنسانية جمعاء هو (السنة)، وهي عمل النبي في خاصة نفسه، وتقوم على أصول القرآن، فالدين يبعث ببعث السنة، وقد قال المعصوم: “بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا، كما بدأ.. فطوبي للغرباء!! قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟؟ قال: الذين يحيون سنتي، بعد اندثارها”.. قال سنتي!! ولم يقل شريعتي.. من وجود هذين المستويين في القرآن، تأتي حكمة ختم النبوة.. ونحن مأمورون أمراً صريحاً من الله تعالى، في القرآن، بأن نتبع أحسن ما أنزل إلينا.. يقول تعالى: “وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ”.. أحسن ما أنزل إلينا هو أصول القرآن، هو السنة– عمل النبي في خاصة نفسه.. عندما نتبع السنة نكون على الطريق، ولا نملك أي حق في أن نطبق الإسلام في المستوى الجماعي، نملك أن نبشر، ولكن لا نملك أن نطبقه على غيرنا.. حتى عندما يجيء المسيح، لا يكون الإتباع إلا بالاقتناع، الذي يقوم على حجة الظهور.. عهد الوصاية انتهي، إلى غير رجعة.. الدين لن ينبعث إلا بعد الإذن الإلهي، وظهور المأذون.. وهو لن يبعث إلا للناس كافة، يستوعب طاقاتهم ويحل مشكلاتهم.. وهو عندما يبعث يخاطب العقول، ويقنعها بجدواه.. …………