gush1981@hotmail.com
استضاف المنتدى الثقافي السوداني، البروفسور الصديق عمر الصديق، أستاذ الأدب العربي بجامعة الخرطوم، ومدير بيت الشعر بالخرطوم، في محاضرة بعنوان "الشعر الفصيح في الأغنية السودانية" في بيت السودان، بمقر السفارة السودانية، بالرياض بالمملكة العربية السعودية، تحدث فيها هذا الأديب الفذ والعالم النحرير باستفاضة عن موضوع محاضرته، وقدم كلاماً حلواً مستطاباً أطرب الحضور والمستمعين. وقد أشار البروفسور الصديق في معرض تعليقه على مداخلات الحضور إلى تدني مستوى طلاب الجامعات؛ خاصة في اللغة العربية؛ لدرجة أنهم لا يجيدون الإملاء! ومهما اختلف الناس حول هذا القول؛ إذ لا يجوز التعميم بصورة مطلقة في مثل هذه الحالات، إلا أن هذه الملاحظات لابد أن يضعها الآباء والمسؤولون والتربويون في الاعتبار؛ لأنها استنتاج لرجل يعمل في أعرق جامعة سودانية؛ ولذلك فإن ملاحظته مبنية على استقراء وشفافية، وليست كلام جزافي لا يقوم على دليل بل هي نتيجة تجربة طويلة في حقل التعليم. بدوري طرحت المسألة، عبر وسائط التواصل الاجتماعي، على مجموعة كبيرة من المختصين لاستطلاع أراءهم حول هذه المسألة ذات الأهمية القصوى لبلادنا الحبيبة، فكان هنالك شبه إجماع على أسباب الظاهرة أو المشكلة التي صارت تؤرق الجميع! تتلخص الأسباب، حسب رأي المستطلعين، في تدهور البيئة التعليمية بشكل عام، خاصة من حيث المناهج التي باتت بلا هدف واضح كما أنها تفتقر للمحتوى التربوي والثقافي؛ ويضاف إلى ذلك تدني مستوى المعلمين من حيث التأهيل الأكاديمي والتدريب مع ضعف مرتباتهم التي لا تكفي لسد الرمق، الأمر الذي جعلهم يلجؤون لممارسة أنشطة تتناقض تماماً مع مهمتهم التعليمية والتربوية؛ فانعكس ذلك سلباً على مخرجات التعليم العام والجامعي على حدٍ سواء. أما المدارس وبنيتها التحتية فهي لم تعد صالحة ولا تواكب متطلبات التعليم العصري الذي يعتمد على استخدام تقنيات متقدمة مثل المنهج الإلكتروني والحاسب الآلي والسبورة الذكية. ليس هذا فحسب، بل إن ظهور مدارس التعليم الخاص أضعف المدارس الحكومية وخصوصاً مدارس الأرياف التي أوكل أمرها للحكومات المحلية التي تشكوا ضيق ذات اليد وهي بالتالي ليست قادرة على الإنفاق على التعليم؛ فصار تلاميذنا هم الضحية للأسف الشديد. من جانب آخر، يقول أصحاب الخبرة أن المدارس الخاصة قد حولت الطالب إلى مجرد آلة تسجيل يحشونها بالمقررات المدرسية لتفريقها على ورقة الامتحان؛ فيتخرج الطالب خاوي الوفاض من أي معرفة حقيقية رغم أنه متوفق أكاديمياً، وهذا أمر مؤسف بكل تأكيد! وبالطبع لن نشير إلى الفوارق الاجتماعية الناجمة عن هذا العمل الذي يحمل الصفة التجارية أكثر من كونه تعليمياً أو تربوياً. وقد أشار بعض المختصين في مجال التربية إلى ضعف الإشراف التربوي الذي يعد أحد أهم أركان العملية التربوية؛ إذ بدونه يترك الحبل على الغارب للعاملين في سلك التعليم، وينعدم الرقيب والمحاسب فيزيد الطين بلة بينما كان الوضع في سالف الأيام على عكس ما نرى حالياً. أما السلم التعليمي فمسؤول مباشرة عن عدم اكتساب الطلاب لأي مهارات بطول المكث في مكان واحد لفترة طويلة دون التعامل مع أصحاب خبرات جديدة ومختلفة من زملائهم أو معلميهم أو المحيط الاجتماعي والمدرسي. والعلة الكبرى هي ضآلة الميزانية المخصصة للتعليم وكأنه لم يعد ضمن اهتمامات الدولة ولا هو من أولوياتها أبداً، أو أننا قد نسينا أن أمة بلا تعليم هي أمة بلا مستقبل! ومن هذا المنطلق على وزير المالية الاتحادي ألا يتحسس خزانته كلما ذكر موضوع التعليم بينما ينفق بسخاء على جهات ومناشط لا قيمة لها كالمؤتمرات المتكررة وما شابهها من مهرجانات تعد مضيعة للمال العام ولا تعود بنفع لا على المجتمع ولا الدولة. وسعياً لتصحيح هذا الوضع المزري، طرح الإخوة الكرام من العلماء مجموعة مقترحات نضعها بين يدي القارئ الكريم لعلها تجد أذناً صاغية من المعنيين بأمر التعليم في السودان. أولاً، لابد من إعادة النظر في مناهجنا المعمول بها حالياً حتى تكون ذات محتوى لائق يتناسب مع هذا العصر ويكون لها هدف واضح ومدروس بعناية حتى لا تضيع الجهود سداً. وبالطبع لابد من إصحاح البيئة المدرسية من كافة الجوانب بحيث تكون جاذبة للطلاب ومحفزة للمعلم، مع تدريبه، حتى يتحسن أداؤه ويكون أكثر ارتباطاً بعمله وطلابه، من أجل تحسين مستواهم واكسابهم مهارات نافعة عبر الأنشطة اللاصفية التي من شأنها صقل مواهب الطلاب واكسابهم مهارات جديدة تتوافق مع مقدراتهم ومتطلبات هذا العصر لكي يكون تعليمنا محل احترام من قبل الجهات التي تتعامل معنا. وعوداً على بدئ، ولتحسين مهارات الطلاب في اللغة العربية وآدابها ينبغي أن يشمل السلم التعليمي مرحلة يحفظ فيها الطلاب شيئاً من أو كل القرآن الكريم مع التركيز على الكتابة وحفظ جيد الشعر والنثر ليستقيم اللسان وتتحسن الذائقة الأدبية. وهنا يأتي دور المؤسسات الاجتماعية والأسرة وأجهزة الإعلام والصحافة التي يجب عليها القيام بما يليها من نشر للوعي وتثقيف العامة عبر برامج هادفة. ويظل الأمر مجرد تنظير إذا لم تتوفر الأموال والرؤية.