جون قرنق … الانفصال دمعتان ووردة

 


 

حسن فاروق
10 February, 2011

 


استعرت  هذا العنوان (جون قرنق .. الانفصال دمعتان ووردة) من الكتاب الشهير للكاتبة اليسارية المصرية المعروفة فريدة النقاش مؤلفة الكتاب الشهير (السجن دمعتان ووردة) للكاتبة اليسارية المصرية المعروفة فريدة النقاش الذي قدمت من خلاله تجربتها كسجينة سياسية لأن بلاغته تعبرعن جون قرنق الزعيم التاريخي للحركة الشعبية وعن الواقع الحالي الذي قاد لإنفصال سلسل بدون تجاوزات أو أي شكل من أشكال الانتهاكات  .. فقد إختفي جون قرنق فجأة وإختفاءه لم يكن بسبب الموت الذي إختطفه في حادث الطائرة الشهير والذي خلف وراءه كثير من علامات الإستفهام التي لم تجد إجابة وقد لخص بعض هذه الاتهامات جلال الدين محمد إبراهيم بصحيفة التيار الصادرة في نوفمبر 2010 عندما كتب معلقا علي تقرير نشرته قناة الجزيرة في ذلك الوقت بمايلي: ( قدمت قناة الجزيرة تحليلا شاملا وكاملا لقضية التمرد بالجنوب منذ عهد الاستقلال 1956 ,, مرورا بقيام حركة ( الانانيا 1 ) الأولي ,, ثم (الانانيا 2 ) ,, إلي قيام حركة " كاربينو" والانشقاق الذي صنع الحركة الشعبية في مطلع الثمانينيات من القرن المنصرم ,, لم أكن من المندهشين للتحليلات والمبررات التي قدمتها قناة الجزيرة إلا في جزئية هامة وهي مقتل جون قرنق ,, فان معظم الطبقات المثقفة بالسودان كانت تعي و تعلم علم اليقين حجم المخطط الإسرائيلي والأمريكي بجنوب السودان ,, و حتى جزئية التقرير التي تكلمت عن وطنية جون قرنق ,, وكيف انه كان رجلا وطنيا يقدم مصلحة السودان الموحد قبل المنافع الشخصية الضيقة ,, وكيف أن جون قرنق بنفسه علم ان أمريكا وإسرائيل كانتا تقدمان للحركة الأموال مقابل السعي لطلب الانفصال ,, وحين استشعر جون قرنق الخطر على الوطن ووحدته فضل أن يبتعد عن المخطط اليهودي والأمريكي ,, فكانت نهاية الرجل على يد عملاء الانفصال و الامركان و اليهود ,, الذين رسموا لانفصال جنوب السودان منذ عهد ( قولدامايير ) رئيسة وزراء إسرائيل السابقة
كانت هذه الجزئية هي الوحيدة التي شدت انتباهنا ,, لسبب بسيط ,, ان مقتل جون قرنق اتهمت فيه بعض جهات الحركة الشعبية حكومة الخرطوم في ذلك الوقت مما أثارت فوضى ونهب وسلب وحرائق وتدمير ممتلكات من قبل منسوبي الحركة الشعبية في ذلك الوقت بالخرطوم ,, ليأتي هذا التقرير المشفوع بالدليل ليثبت بان جون قرنق قتل بيد أنصار الانفصال,, فان خطابات جون قرنق بعد توقيع اتفاقية نيفاشا كانت كلها تصب في صالح الوحدة ,, الامر الذي لم يعجب من مول الحركة الشعبية بالمال والسلاح ,, ولكن الذي أدهشني ان التحقيق في مقتل جون قرنق تم بواسطة الأطراف التالية :-
1- الحكومة الأمريكية
2- الحكومة السودانية
3- الحكومة اليوغندية
4- الحركة الشعبية
5- بريطانيا
وبرعم تواجد ممثل للحكومة السودانية وبافتراض ان كل الأطراف التي ذكرها تقرير قناة الجزيرة بأنها خائنة وتعمل من اجل الانفصال ,, واستثني التقرير الحكومة السودانية من الخيانة ,, ورغم ذلك لم يعترض ممثل الحكومة السودانية على التقرير الذي استبعد المؤامرة على اغتيال جون قرنق ,, بل وافق بان الحادث كان قضاء وقدر ,, والآن وبعد نشر التقرير من قبل قناة الجزيرة ,, انكشف للعالم بان جون قرنق مات مقتول ,, وبيد أعوان الانفصال ومن يدعون إليه ,, ومن هنا أرسل طلب استفسار عاجل لكل الأصوات الانفصالية ,, نريد أن نعرف الحقيقة من قتل جون قرنق ؟ ومن أشعل اتهام بالباطل ضد حكومة الخرطوم ,, وأثار الشغب والفوضى والنهب والسرقات وحرق الممتلكات وللمعلومية التقرير متوفر بالانترنيت على موقع قناة الجزيرة ( برنامج الملف )).. انتهي .. كل هذه الاسئلة قفزت من جديد علي سطح الاحداث والجنوب يعلن إنفصاله وإستقلاله عن الشمال بعد نجاح الاستفتاء بنسبة عالية فاقت كل التوقعات وسط هذه الفرحة العارمة التي إجتاحت الغالبية من أبناء الجنوب إختفي القائد التاريخي جون قرنق والاختفاء بدأ من لحظة وفاته ولكن الإختفاء الكامل ظهر بصورة واضحة وصارخة في الفترة التي سبقت الاستفتاء وأثناء عملية التصويت وبعد إعلان النتيجة ..
في جوبا العاصمة لا تشعر بوجوده في أي مكان تذهب إليه إلا من خلال صور قليلة جدا متناثرة هنا وهناك وحتي هذه لاتلفت الانتباه .. ونحن نتجول في شوارع المدينة في ديسمبر الماضي ومن خلال التواجد في أوساط الجنوبيين مسؤولين حكوميين ومواطنين عاديين لم يكن له وجود  وجهت سؤالا مباشرا لأحد أبناء الجنوب (جون) أين القائد جون قرنق وسط هذا الزخم السياسي الذي تعيشونه ووسط لافتات الانفصال التي تغطي كل ركن من أركان المدينة ويبدو أن الشاب باغته سؤالي فقد صمت لفترة ليست بالقليلة قبل أن يجيب مرتبكا (جون قرنق يبقي جون قرنق) هو الرمز أردت مواصلة الاسئلة ولكن جون إعتذر مغادرا المقهي الذي جمعنا
جون قرنق رئيس السودان المرتقب
كل من تابع اللقاء التاريخي الذي حظي به جون قرنق لدي عودته للسودان والذي مثل فيه الشمال بإعداد غفيرة من المواطنين لاتقل عن الحضور من الجنوبيين كان هذا الاستقبال إستفتاء حقيقي للمكانة التي يتمتع بها الرجل وسط الشماليين بالدرجة التي جعلت عدد كبير من المراقبين والمحللين السياسيين يرجحون فوزه بإكتساح في إنتخابات الرئاسة .. وإعتبروا مكانة الرجل وسط الشماليين وإصرار أعداد كبيرة منهم علي ترشيحه دليل علي أن إرادة الشعب ونظرته لقائد جنوبي تختلف عن مايدور في دهاليز السياسة والسياسيين
ولكن وفاة الرجل عطلت أحلام الكثيرين شماليين وجنوبيين وتغيرت اللغة من داعية للوحدة وتصريحات شهيرة لجون قرنق أنه سيصوت لصالح الوحدة في الاستفتاء إلي لغة مباشرة في الدعوة للإنفصال هذه النقلة في الخطاب من الوحدة للإنفصال فسرها لي الشاب أديسون جوزيف في إتصال هاتفي من مدينة واو بقوله : ( الحركة بها مجموعة تيارات والتيار الغالب في الفترة التي ترأس فيها القائد جون قرنق كان في إتجاه الوحدة وأكد أديسون وجود تصريح شهير لجون قرنق يؤكد من خلاله تصويته لصالح الوحدة في الإستفتاء ولكن والحديث منسوب لقرنق من يقنع بقية الجنوبيين بالتصويت للوحدة ويضيف أديسون أن قرنق كان يري أن إتجاه الجنوبيين نحو الوحدة رهين بتنفيذ كثير من الطلبات الملحة وبعد وفاته والحديث لأديسون أكتشف الجنوبيون أن الوحدة ليست جاذبة في كل شيء وذلك جعل الاتجاه الاغلب داخل الحركة يتجه نحو الانفصال كما أن التيار الغالب في سياسة الحركة اصبح ايضا نحو الانفصال بدليل والحديث لجوزيف أنه حتي أولاد قرنق المعروفين في الحركة بهذا الإسم يقفون مع الانفصال وحدث هذا التحول بعد الانتخابات الاخيرة وسيطرة حزب المؤتمر الوطني علي الحياة السياسية وبالتالي لم يعد أمام الحركة من خيار سوي الاتجاه نحو الانفصال وبالتالي أري أن السبب الاول سياسي فلم يعد هنا شيء مشجع في الشمال علي كل المستويات .
ويستدرك أديسون جوزيف في ختام حديثه بأنه رغم كل ذلك مازال جون قرنق هو الرمز سواء للإنفصاليين أو الوحدويين..
غاب قرنق عن يوم الوداع
لابد من تاكيد ماقاله القائد التاريخي للحركة الشعبية الراحل جون قرنق إستباقا لما يمكن أن يحدث في مثل اليوم الذي اعلنت من خلاله النتيجة بأنه سيصوت للوحدة ولكنه لايضمن تصويت الجنوبيين في حال لم تنفذ مطالبهم الاساسية وجعل الوحدة جاذبة ولكن قرنق غاب في يوم الوداع مثلما غاب عن كل تفاصيل مرحلة الاستفتاء ولم يذكر إسمه في هذا اليوم التاريخي للجنوبيين ولو عرضا فقد جاء في كلمة سلفاكير كل شيء يمكن توقعه ولايمكن توقعه إلا الاشارة للراحل جون قرنق في يوم يعتبر يومه لو جاء إنفصالا أو وحدة فقد أوردت صحيفة (الاحداث) في عددها الصادر يوم الثلاثاء الثامن من فبراير 2011مقتطفات من حديث سلفاكير أمام مجلس الوزراء وجاء في تفاصيل الخبر مايلي : (رحب النائب الاول لرئيس الجمهورية رئيس حكومة الجنوب الفريق سلفاكير ميارديت بموافقة رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء علي النتيجة مؤكدا الاعتراف بالانفصال ليس نهاية المطاف قاطعا بسعيهم خلق علاقات مميزة بين الجنوب والشمال وزاد نهنيء الجميع بإعتراف الشمال بالانفصال ولولاه لما إعترف أحد بدولة الجنوب لافتا إلي أن الحدود بين البلدين ستكون علي الورق فقط وشدد علي أن المهددات الجنوبية ستطال الشمال والعكس مؤكدا علي تواصل أمني وسياسي وإقتصادي بين الطرفين وزاد لن تكون الاجراءات مشددة بين مواطني البلدين وسيتم تسهيل الحركة بين البلدين وطالب سلفاكير الولايات المتحدة الامريكية برفع العقوبات عن السودان علاوة علي إلغاء الديون وفجر كير موجة من الضحك حين قال (الديون والعقوبات لن تكون مهمة البشير وحدة أما الارهاب فلا أعلم إن كنتم تمارسونه أم لا فقد كنا في الغابة ولانعلم عنه شيئا داعيا لإنهاء أزمة دارفور وقال : (حل المشكلة سينهي تداعيات المحكمة الجنائية) وألمح سلفاكير إلي إمكانية توحد جديد بين الشمال والجنوب بصورة أقوي بإختيار الجنوبيين وزاد ربما تكون وحدة أقوي مماسبق وطالب لجان الشريكين بحل القضايا بحل القضايا العالقة والتجاوز الحكيم للتعقيدات ) انتهي الخبر ..
قال سلفاكير كل شيء عن أي شيء يمكن أن يقال وحتي روح الدعابة في ماذكره حول الارهاب كانت حاضره وكل من تابع ماحدث في مجلس الوزراء يلحظ حالة الإبتهاج التي عمت الجميع الشماليين قبل الجنوبيين وسط المسؤولين الحكوميين الكل كان حاضرا في هذا اليوم ولكن روح قرنق هي التي غابت في هذا اليوم .
وعن هذا الغياب يعلق القيادي البارز بالحزب الاتحادي الديمقراطي الدكتور علي السيد في حديثه مع (الاحداث) أمس مسح جون قرنق من الذاكرة غير وارد لأنه موجود في ضمير كثير من السودان وموجود أكثر في ضمير الجنوبيين وحتي الانفصال الحالي هو السبب فيه لأنه جعله أحد الخيارات من خلال الإتفاقية ويؤكد علي السيد أن جون قرنق كان قائدا وحدويا مفسرا عدم وجوده في كل مراحل الاستفتاء وحتي لحظة إعلان الإنفصال بقوله أن العناصر المساندة لقرنق من الوحدويين خرجت من موقع القرار لذلك لايوجد أحد يتحدث عن جون قرنق وبالتالي والحديث لعلي السيد إنخفض صوته ومؤيديه أصبحوا خارج الساحة وحتي باقان تحول من وحدوي إلي إنفصال ليصبح القرار عند سلفاكير ومجموعته كما دخلت الحركة بعد وفاته عناصر لايحبونه وعملوا علي تهميشه .

hassan faroog [hassanfaroog@hotmail.com]

 

آراء