زوايا
حمّور زيادة
واصلت قوات الدعم السريع هجومها على المواقع المدنية والبنية التحتية في مناطق سيطرة الجيش السوداني. استهدفت المسيّرات الانتحارية مطار الخرطوم، وعدّة محطات لتوليد الكهرباء. وسقط نتيجة للهجمات مدنيون عديدون، ليرد الجيش بمواصلة القصف الجوي على نيالا عاصمة حكومة تأسيس الموازية.
تزيد الهجمات على “الأعيان المدنية” صعوبة حياة المواطنين العالقين وسط الحرب، بين هذه الهجمات ومحاولة السلطة العسكرية تطبيع الحياة مع واقع القتال. سبق أن استهدفت هجمات الدعم السريع مستشفى الولادة في أم درمان بعد ساعات من اكتمال ترميمها واعادة افتتاحها. يعتمد “الدعم السريع”، منذ تأسيسه، على سياسة الأرض المحروقة، فيدمّر مصادر الحياة ويهدم المساكن. كانت تلك سياسته في حرب دارفور، وقتما كان الجيش السوداني يسانده بالطيران الحربي. لكنه حالياً لا يفقد هذه الميزة فقط، لكنها أيضاً تتحوّل ضده لتهاجم مبنى المقرّ الرئيسي لحكومته الموازية، وتستهدف مطارها. ويقاتله خصومه القدامى من حركات دارفور المسلحة في معية الجيش الذي صنعه لمقاتلتهم. يدفع المدنيّون السودانيون في الخرطوم ونيالا وغيرهما ثمن تواصل النزاع، بينما تعاني مدينة الفاشر من القدر الأكبر من الأذى، مع تواصل حصارها أكثر من عامين، مع تصاعد هجمات “الدعم السريع” وتقدّمها.
لا يبدو هؤلاء الضحايا المدنيون مهمّين لأي طرف في القتال. ولا يكاد أحد يذكرُهم إلا في سياق التكسب السياسي ضد الطرف الآخر. لكن الآلية الرباعية (الولايات المتحدة، السعودية، لإمارات العربية، مصر) اختارت المدخل الإنساني لمحاولة إقناع الطرفين بهدنة عسكرية طويلة، تسمح بدخول المساعدات الى المدنيين العالقين. لكن هذا المدخل، رغم الضغوط الكبيرة التي مارستها “الرباعية” على الطرفين، لا يبدو مهماً لأطراف تخوض حرباً تعتبرها وجودية لا تسمح ببقاء منافسيها، ولا نجاة لها إلا بفناء الآخر أو فصله. ومع مرور الأيام، يترسّخ خيار الفصل أكثر، إذ يكتشف المتقاتلون أن إبادة الآخر أمر مستحيل، بينما يمكن التخلّص منه بانفصال جديد يقسم البلد المرهق بالحروب.
مع اقتراب نهاية العام الثالث من الحرب، تزداد الشقّة بين السودانيين، وترتفع الأصوات التي ترى في تقسيم البلاد وسيلة وحيدة لوقف الحروب الأهلية المتواصلة منذ خمسينيات القرن الماضي. الحل نفسه الذي توهّمه نظام عمر البشير، عندما قرّر التخلص من جنوب البلاد، ظناً ان ذلك يخلّصه من عبء المختلفين دينياً وعرقياً. ووصف البشير جنوب السودان بأنه المقطورة التي تعيق انطلاق البلاد نحو الأمام. لكن البلاد التي فقدت ثلث مساحتها انقلبت تقاتل نفسها مرّات أخرى من دون توقف. واليوم يبدو انفصال إقليم دارفور أقرب من أي وقت مضى. مع تجدّد الأوهام أن ذلك سيحقق معادلة عرقية متوازنة في مناطق سيطرة المتنافسين. لكن ما أخبرته تجارب الأيام، من دون أن يتعلمه حملة السلاح، أن الانفصال لا يحقق إلا مزيداً من الاقتتال الأهلي والنزاعات القبلية والحدودية. في العام 1947 انقسمت الهند الى دولتين، لكن السلام لم يحل على شبه القارّة الهندية، فانقسمت الدولة الجديدة باكستان إلى دولتين أيضاً، وظل العداء متواصلاً، وكانت حرب إبريل الماضي (2025).. لم تختلف تجربة التقسيم السودانية في 2011، وأنتجت دولتين متنازعتين، تقتتلان داخلياً. لكن المقاتلين يراهنون على تكرار التجربة، ويمضي إقليم دارفور نحو الفصل/ الانفصال تحت دويّ القذائف، وتتصاعد مخاوف تقسيم البلاد بحكم الأمر الواقع، لا سيما مع الصراع حول البحر الأحمر الذي تزاحم فيه روسيا النفوذ الغربي، وتتقرّب لقيادات قبائل شرق السودان، بعدما مدّت علاقاتها مع قوات الدعم السريع ومع حركات دارفور المسلحة ومع الجيش السوداني. تقع الحرب الأهلية السودانية في قلب هذا الاستقطاب الروسي – الغربي، كما تتزاحم عليها إسرائيل وإيران. لذلك لا تبدو البوصلة الدولية والإقليمية ثابتة تجاه أطراف الحرب، إذ تتشكل بصورة رئيسية ضد النفوذين، الروسي والإيراني، في المنطقة. ربما يفسر ذلك الحماس الأميركي أخيراً لمفاوضات الجيش و”الدعم السريع”، أكثر من الاهتمام بالقضية الإنسانية.
العربي الجديد
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم