بقلم: م. جعفر منصور حمد المجذوب
Gaafar.hamad@gmail.com
في عالمنا العربي، تتكرر المشاهد ذاتها وكأننا نعيش داخل مسرح عبثي، يتبدل فيه الممثلون بينما يبقى النص واحداً: صراخ، هيجان، دعوات للجهاد والتحرير، ثم استسلام واحتفال بالخراب.
تبدأ القصص دائماً بشعارات براقة عن “المقاومة” و”الكرامة” و”تحرير الوطن”، لكنها تنتهي بمآسٍ جماعية ودمار شامل يدفع ثمنه الأبرياء.
في غزة مثلاً، ما قامت به حركة حماس في 7 أكتوبر من هجوم على مدنيين، وقتل وأسر رهائن، سُمّي “جهاداً”، لكنه كان الشرارة لحرب مدمّرة أحرقت غزة وشرّدت شعبها.
ومن المفارقة أن من رفع راية الجهاد انتهى به الأمر إلى التفاوض على إستسلام بعد أن تحوّلت المدينة إلى ركام، وارتفعت رايات “النصر” فوق مقابر الأطفال والشيوخ والنساء أي نصر هذا؟ ومن الذي انتصر فعلاً؟
وفي العراق وسوريا، ظهرت داعش كنسخة أكثر تطرفاً من هذا المسرح الدموي، ترفع شعارات “الخلافة” و”تطبيق الشريعة”، لكنها في الواقع ذبحت الأبرياء، ودمّرت المدن، وأعادت المنطقة قروناً إلى الوراء.
مارست القتل باسم الدين، واستعبدت البشر باسم العقيدة، حتى صارت مثالاً عالمياً على انحراف الفكرة عندما تُختزل في العنف الأعمى.
وفي السودان، تتكرر المأساة ذاتها بثوب آخر. حرب بلا هدف سوى اقتسام السلطة بين أطراف كانت بالأمس حلفاء.
مدن تحترق، وشعب يقتل، وملايين يفرّون من بيوتهم.
إنها حروب بلا رؤية ولا مشروع، سوى إعادة إنتاج الفشل ذاته تحت شعارات مختلفة.
ولم تكن حرب الجنوب استثناءً؛ فقد قُتل الملايين باسم “التحريروالدين”، وفي النهاية احتُفل بانفصال الجنوب وكأنه إنجاز سياسي، بينما الحقيقة أنه كان إعلاناً بفشل دولة في احتضان مواطنيها.
إنها حروب اللامعقول، حين يتحوّل القتل إلى بطولة، والاستسلام إلى نصر، والانقسام إلى “تحرير”.
الذين يصرخون باسم الدين والوطن لا يدركون أن أقدس الجهاد هو إنقاذ الأرواح لا إزهاقها، وبناء الأوطان لا هدمها.
لقد تحولت أوطاننا إلى مسرح كبير، تتداخل فيه الدماء بالهتافات، والمآسي بالأناشيد، والعبث بالعقيدة والشعوب تدفع ثمن فاتورة باهظة من الدماء والتشرد والدمار .
ولن نخرج من هذا المسرح إلا عندما ندرك أن العقل، والعدالة، والرحمة هي وحدها أدوات البقاء الحقيقي، لا البنادق ولا الشعارات.
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم