كنت استبعد أن أتعرض أنا لعملية نشل، كاستبعادي للموت وهو حق! والحقيقية، حسب ظني، أنه لا يوجد أحد من الناس يتوقع النشل أو يبلعه حال حدوثه، ورغم الطرافة التي تصاحب تلك الحوادث، والمقالب الجامدة، والمهارة التي يتصف بها النشال، إلا أنها عملية تعبئ ضحيتها بكم هائل من الغيظ والحنق حد البكاء في لحظتها، ثم تصير طرفة تروى بعد أن تزول تلك المشاعر الملتهبة، وتتحول إلى ذكرى لا تخلو من فكاهة.
وكنت أسمع عن النشالين وخبرتهم وقصصهم، هنا في موطني الثاني، وأضحك ملء شدقي في المقالب التي يتعرض لها الضحايا، والسذاجة التي تسمهم دائما… والفهلوة والابتكار الذي يلوح من كل قصة نشلة، ولكن كانت يدي دائما (في الماء البارد) … ولكن في تلك الأمسية قبل أيام، كنت أنا الضحية، ويا لها من أمسية…
كانت عندي بعض الأعمال في فيصل، تتطلب مشوارين، والثالث كان مخصصا لزيارة صديقي (أيمن)، ولطول المسافات استعنت بالمترو والمواصلات العامة بغرض التوفير، ولكن كان في جيبي مبلغ احتياطي للتاكسي إن دعى الداعي.
أنهيت المشوارين الأوائل بتكلفة جد زهيدة، ولم أهتم في أي جيب من البنطلون أضع النقود، ووصلت إلى التقاطع الرئيسي لبيت ناس ايمن، حيث سأستقل تكتك (ركشة) لوجهتي النهائية، وأنا في غاية التعب والضجر… ووقفت أشير على الركشات لتقلني إلى قهوة (بالميرا)، ولكن أتنان أو ثلاثة منهم قالوا إنهم لا يعرفون مكانها.
الرابع قال:
- نعم أعرفها، اركب!
وكانت هناك امرأة في المقعد الخلفي يجلس إلى يسارها طفل في العاشرة تقريبا من عمره.
وأول ما جلست يمين المرأة، صارت تولولـ وتقول: - العباية! دة أعد (قعد) فوق العباية.
وأمرتني بالوقوف في وضع الركوع داخل الركشة، ليتثنى لها، حسب ما اكتشفت فيما بعد، الوصول لجيوب البنطلون الخلفية بسهولة.
واستمرت في الولولة والصياح حتى ضقت أنا ذرعا، وقلت للسائق: - نزلني هنا! كانت تحتاج زمن أكثر فهدأت من نبرة احتجاجها، وماهي إلا مائة متر تقريبا، حتى التفتت علي وقالت:
- الأهوة (القهوة) أهي!
ونزلت، فقالت لي: - خلاص أمشي، وحسابك مدفوع!
وانطلقت الركشة بسرعة عالية واختفت، في لحظات، عن الأنظار. أما أنا فلم أجد القهوة المطلوبة، واضطررتُ لاستغلال ركشة أخرى، وبعد تعب وصلت (قهوة بالميرا)، ولكن عندما هممت بسداد الأجرة، وجدت جيوبي الأربعة خالية يسكنها أبو النوم، وعندها فقط مر شريط النشلة بخاطري، واكتشفت إني كنت ضحية لنشالة محترفة، خبيرة وقديرة في مجالها.
واضررت أن انتظر أيمن في الشارع بجوار الركشة حتى يقوم هو بدفع الأجرة نيابة عني.
ولوقت طويل، انحصرت ونستنا عن النشل والنشالين، وحللنا الحادثة، التي وقعت فيها أنا ضحية عصابة تقسم الأدوار بينها من السائق إلى الولد الصغير!
وخرجنا أنا وأيمن بحكمة ونحن نضحك، أنه: - ما في كبير على النشِل!
amsidahmed@outlook.com
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم