ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
بسم الله الرحمن الرحيم
ahmedm.algali@gmail.com
يحتفي العالم هذه الأيام - لاسيما المنظمات الحقوقية-،بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يصادف اليوم العاشر من ديسمبر كل عام ،ولعل هذا هو العام الثاني والسبعين لهذه المناسبة.ومن الملاحظ أن المنظمات الحقوقية تحتفل بهذا الحدث ،وبين يديها العديد من الإخفاقات في ممارسة هذه الحقوق ،وعجزها عن رفع الانتهاكات عن الناس.فكثير من الدول تمارس انتهاكاً واضحاً لحقوق مواطنيها،وتجد تشجيعاً من الدول الكبرى التي تدعي المحافظة على هذه الحقوق ورعايتها،وتعطي نفسها الحق أن تحاسب-في بعض الأحيان- من ينتهك تلك الحقوق . وتوالي تلك الهيئات والمنظمات واللجان،اصدار استنكارات وادانات وشجب لممارسات تلك الدول التي تعتدي على حقوق الإنسان ،ولا تجد تلك الإدانات اذناً صاغية ،لا من الدول التي تمارس تلك الإنتهاكات ،والتي تبدو مطمئنة الى أنها لن تطالها أية عقوبات تردعها عن تلك الإنتهاكات، او ترفع التعدي عمن اعتدي عليها، كما لا تجد استجابة جادة من الدول العظمي لممارسة دورها في رفع الظلم عن المظلومين، أو الضغط على الدول المعتدية على مواطنيها في أن تكف يدها عن تلك الانتهاكات.
ولعل السبب وراء هذه المواقف المتناقضة التي تدعو الى الإحباط،من قبل الجهات التي تدافع عن حقوق الانسان،هو تقديم الدول الكبرى، التي تتزعم الدفاع عن حقوق الإنسان، مصالحها الخاصة لا سيما الاقتصادية والسياسية، على القيم والمباديء التي كانت كانت في الاساس وراء هذا الاعلان ومتابعته منذ عام 1948م.ومن الامثلة الصارخة في ذلك ما صرح به الرئيس الفرنسي في هذه الايام من ان "مبيعات الاسلحة الى مصر لن تكون مشروطة بتحسين وضع حقوق الانسان"، في تحد واضح وتجاهل لحملات الاستنكار والاحتجاج الواسعة النطاق وشديدة اللهجة من قبل المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان" ،بل لا يخرج عن هذا النهج غالبية قادة الديمقراطيات الغربية في التعامل مع انظمة الفساد والعسف والاستبداد ،وخيانة آمال الشعوب وحقوقها" . ولعل من أكثر الدول التي توجه اليها تهمة التقصير في شأن حقوق الإنسان،بل تتهم بأنَّها تتعمد إنتهاك تلك الحقوق واساءت معاملة الناس والتمييز بينهم. هي بعض الدول العربية و الإسلامية، وتحاول بعض الدوائر المناهضة لكل ما هو اسلامي- أن تستغل هذه الأحوال المستنكرة ،وتلقي بالتهمة على الإسلام نفسه،وتصفه بأنه السبب الرئيسي وراء قصور المسلمين عن أداء تلك الحقوق وكفالتها،ومن ثم أصبح المسلمون المعاصرون في قفص الاتهام،وانجر معهم الإسلام أيضاً ،وحقيقة كان ينبغي أن يكون المسلمون اكثر المجتمعات حرصاً على مراعاة حقوق الإنسان ،وان تكون دولهم في طليعة الدول التي تحافظ على تلك الحقوق،ولكن للأسف فإن الدول الإسلامية لم تلتزم بأحكام الإسلام في كثبر من مجالات الحياة ،،فهم في ذيل الدول في التقدم العلمي ،والنهضة الإقتصادية ،والعدل السياسي، وهذا كلها مجالات اوجب الاسلام القيان بها،وحث المسلمين جميعاٌ افراداٌ ومجتمعات ودولا على المنافسة فيها.
أما حقوق الانسان في الاسلام، شأنها شأن التشريعات التي تنظم حياة الناس ومسار حياتهم.مما اوجبه الاسلام وحث عليه، وبين أن تلك الحقوق لم تأت منحة من أحد، أو وضعت نتيجة لصراع الإنسان مع الآخر، بل هي تشريع إلهي جاء من عند الله تعالى، وتضمنتها مبادئ الشريعة الإسلامية، ووضعت أسسها وقواعدها، وجعلت لها من الضمانات ما يحميها ويقوم عليها، طالب بها صاحبها ام لم يطالب، سعى اليها ام لم يسع، ولعل هذا هو السبب في أن الشريعة الإسلامية لم تفرد لها تقنيناً خاصاً، لأنها في جملتها جزء من العمل العبادي الذي يطالب به المسلم كما يطالب بالصلاة والصيام والزكاة والحج. والتفريط فيها وتضييعها من المحرمات، كحرمة الربا والسرقة والقتل. ولعل كل ملم بشيء من الشريعة الإسلامية يعرف أن للشريعة الاسلامية مقاصد يتأتى من خلالها قيام مصالح الناس في الدين والدنيا، وحماية تلك المصالح من أن يعتدى عليها أو تنتهك. وقد روعي في كل حكم من أحكام الشريعة، إما حفظ شيء من الضروريات الخمس وهي: (الدين والنفس والعقل والنسل والمال)، والتي تعد أسس العمران المرعية في كل ملة. فهي تمثل حقوقاً للانسان بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى. وإما حفظ شيء من الحاجيات كأنواع المعاملات، والتي قصد منها الى رفع الضيق المؤدي الى الحرج والمشقة عن حياة الناس ،وإما حفظ شيء من التحسينات التي ترجع إلى مكارم الأخلاق والعادات الحسنة،وإما تكميل نوع من هذه الأنواع بما يعين على تحققه.وحفظ هذه الأنواع الثلاثة( ما يعرف في الإصطلاح الإسلامي: الضروريات، الحاجيات، والتحسينيات) ،يعني إقامتها وتحقيقها من ناحية،و حمايتها من أي اعتداء عليها من ناحية أخرى،وهذه الحماية حق لكل فرد بصرف النظر عن معتقده،ووضعه الاجتناعي وإنتمائه العرقي،فهي إذن تمثل حقوقا للإنسان بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى.وهذه المقاصد هي الإطار العام لحقوق الإنسان، في الإعتقاد ،وفي حفظه للحياة وما تتحقق به من وسائل ،وحفظ العقل وما يتعلق به من تعليم وحرية تفكير وتعبير،وفي حفظ النسب وما يقتضيه من حق إقامة الأسرة ، وفي حفظ المال وما يترتب عنه من حقوق إقتصادية وإجتماعية،إلى جانب ما يقتضيه تحقيق المقاصد الحاجية والتحسينية من حقوق الإنسان.
وهكذا نجد أنًّ الإسلام قد سبق بمبادئه وتشريعاته ،كل القوانين الوضعية والمواثيق العالمية فأحق للإنسان حقوقه ،وأقر للآدميين حياة كريمة لا ظلم فيها و لا إجحاف.وأصبحت تلك الحقوق جزءاً من منظومة القيم الإسلامية وتعاليم الشريعة الإسلامية ،في حين أنَّ المجتمعات البشرية التي لم تصلها رسالة الإسلام، انتظرت أربعة عشر قرناً،لتقر تلك الحقوق فيها ،وتلتزم بتطبيقها.
وتتميز حقوق الإنسان -في التصور الإسلامي- بأنها تستند الى العقيدة والشريعة الإسلامية، ومن ثم لها ضمانة ثابتة لا تتغير بتغير الظروف والأحوال. بينما حقوق الإنسان في الإعلان العالمي نتاج جو حضاري معين يقوم على مبادئ الصراع، والمصالح التي غالباً ما تكون متعارضة ومن ثم فهي عرضة للإنتهاك والخروج عليها، حتى من قبل اكثر المتحمسين لها، اذا ما تعارضت مع مصالحهم.ومن ثم نجد الواقع المزري للالتزام بتلك الحقوق ،وانتهاكها من قبل كثير من الدول،والتضحية بها في سبيل كسب مادي او مراعاة لمصالح اقتصادية او سياسية،كما أشرنا أعلاه.
إن حقوق الإنسان ، في التصور الإسلامي، واجبات تكتـسب قدسية تمنع التلاعب بها من طرف حزب او هيئة او جماعة او حاكم، اثباتاً والغاء وتعديلاً، طالما أن مصدرها الله تعالى. بينما نجد أن حقوق الإنسان قد تتحول الى مجرد أداة يتلاعب بها. وقد تستخدم كسلاح سياسي في يد القوى العظمي، ضد رافضي هيمنتهم. وهكذا فإن الاسلام يقر للإنسان من الحقوق ما يكفل له أمنه وحياته وسعادته. وأنه أقام تلك الحقوق على أسس ثابتة وربطها بقيم ربانية راسخة، وجعلها فرائض وواجبات ألزم بها المجتمع المسلم على كافة مستوياته: الفردية والجماعية، الرعاة والرعية. وعليها فإن دعوى غياب هذه الحقوق من منظومة القيم الإسلامية، تصبح دعوى باطلة لا تقوم على اساس، ولا تستند الى منطق.وليس للمسلمين عذر في التمسك بتلك القيم ،والسعي الى تطبيقها على واقعهم المتدني.
////////////////////