رئيس يناور لنيل جائزة نوبل للسلام

(1)
ممَّا يثير العجب أن يتنادى في العاصمة الأمريكية سفراء معتمدون في الولايات المتحدة هم بالتحديد : سفيرة السعودية وسفير مصر وسفير الامارات وممثل لوزارة الخارجية الأمريكية ، لمناقشة مصير دولة لها سفير معتمد في الولايات المتحدة . تلك الدولة هي جمهورية السودان وهي من بين أكبر بلدان القارة الأفريقية، وأيضا الأكبر من بين بلدان الشرق الأوسـط. الأزمة السودانية التي أشعلتها حرب داخلية بين جنرالات ومليشيات متعددة، وطال أمدها دون أن يلتفت المتقاتلون للثمن الباهظ الذي يدفعه الشعب السوداني ، قتلاً وتشريداً وتجويعاً، هي التي استدعت جهود الوسطاء من دول ومن منظمات ، من أجل إيقاف نزيف الحرب ، وتلك مساعٍ محمودة . لكن المثير للعجب أن يتجاهل سفراء من دول شقيقة وصديقة للسودان ، وجود سفير معتمد للسودان في العاصمة الأمريكية، وقد اجتمعوا لمناقشة أزمة حرب السودان .
لو كانت للإدارة الأمريكية مبادرة تجمع ممثلي دول قريبة للسُّودان مثل مصر والسعودية والامارات، بقصد إيقاف حرب السودان، فمن الطبيعي أن يتمَّ ذلك المسعَى عبر وزارة الخارجية الأمريكية التي تختص بالعلاقات الدبلوماسية الأمريكية مع الدول الأخرى، وهي الطرف صاحب المبادرة .
يبقى السـؤالُ المُحيّـر : كيف تجري تلك المساعي الحميدة برعاية الخارجية الأمريكية، ولكن بتجاهلٍ تام لممثل جمهورية السودان المعتمد رسمياً من قبل وزارة الخارجية الأمريكية. .؟
(2)
لربّما للإدارة الأمريكية رأي في استصحاب ســفير للسودان في هذه المساعي وتلك الجهود ، فإنَّ استبعاده ليثير العجب ، ولعلّ من المنطقي أن يتم الغاء اعتماده مسبقاً قبل تجاهل دعوته للمشاركة في ذلك اللقاء الرباعي الذي وضع لبنات رئيسية لحلٍّ محتملٍ يجري فرضه -إجباراً وقسراً -على اللاعبين في السَّاحة السودانية . إنْ كان ذلك هو مقتضَى الحال ، فإنَّ مسألة شرعية النظام القائم في السودان حاليا ستكون على المحك، وتبعاً لذلك سيكون لزاماً على الإدارة الأمريكية نقض اعترافها بالسفير السوداني الموجود فعلياً في واشنطن، فيكون عليها التلويح له ببطاقة حمراء واعتباره شخصاً غير مرغوب فيه، وفق ما تقرّره اتفاقية العلاقات الدبلوماسية لعام 1961في مثل هذه الحالات، وقبل أن تتشاور مع أطراف أخرى متجاهلة ممثل تلك الدولة المأزومة والمقيم في واشنطن. وليس في صمت الحكومة القائمة في بورتسودان ما يثير عجبا.
(3)
من ناحية أخرى ، هل تُلام وزارة الخارجية الأمريكية لما يلاحظ عليها من ارتباك في تعاملها مع السفير السوداني المعتمد /المغيَّب في مشاورات مصير بلاده ، وهي تعاني ما تعاني من شبه تغييب في أدوارها، ممَّا نرى من جنوح إدارة الرئيس ترامب لاعتمادها على مبعوثيه الشخصيين دون الرّكون للدبلوماسية التقليدية في وزارة الخارجية الأمريكية ..؟ إن تقليص أعداد معتبرة من عناصر العمل الخارجي ترك وزارة الخارجية في مكان معتم، فيما كبار من رجال الرئيس ومن حزبه الجمهوري بين خبراء التسويات العقارية ومليونيرات فاعلين، يتولون مهام رئيسية لتسويات في مجال العلاقات الخارجية ، ويعملون إطفائيين لإيقاف الحروب المشتعلة في بعض أنحاء العالم.
من البديهي ألّا يمتلك مثل هؤلاء الممثلين الشخصيين، تلك القدرات الدبلوماسية وذلك الادراك الأعمق للقضايا والاشكالات السياسية، وأساليب وطرق وفنيَّات التفاوض، وإن كانوا خبراء في المساومات التجارية والعقارية . مثل هؤلاء لا يأبهون بالطبع لوجود سفير معتمد يرونه أو يتجاهلونه، أو حتى يدركوا ماذا تقول المقرَّرات والتقاليد الدبلوماسية في مثل هذه التجاوزات التي أحرجت ســفير معتمد يتم تجاهل وجوده بالمرّة. .؟

(4)
ولو عذرنا رئيساً شـعبوياً لا يلتفت لمثل ملاحظاتنا أعلاه، والتي قد يحسبها محض ترَّهات، فكيف نجد العذر لممثلي دولٍٍ راشـدة وذات وزنٍ و، شـارك ممثلوها في تلك الرّباعية لحلِّ إشكالات دولة السّودان، فيما سـفيرها لا يجد من يتذكَّر دوره في تلك المشاورات، وهي الدولة الشـقيقة والقريبة لأولـئـك المشاركين.
لعلنا شهدنا كيف كال كبار من زعماء العالم الهجوم كاسحاً ضد الأمم المتحدة، وكأنَّها هي المسؤولة عمَّا نشـبَ من حروب في أنحاء العالم ، فيما هم بغطرستهم داسوا بأحــذيتهم على مواد ميثاق الأمم المتحدة . يلومونها وهم من أعجزوها وأفشلوها وقتلوا همّتها.
لم يخـفِ رئيس دولة كبرى مثل ترامب رغبته في الحلول محلّ الأمم المتحدة لحلِّ مشاكل العالم ، فنراهُ يرسل بصره – قبل بصيرته- نحو السـويد منتظراً أن ينال “نوبـل للسّـلام” ، وكأنَّ العالم في غيبوبة لا يـرَى تواطؤه في إبادة سُـكان غزَّة، أو في هجوم إسرائيل على إيران، أوفي استهداف دولة قـطـر التي تساعد في فكِّ أسرى اليهود القتلة.
إنّ العالم على مشارف تحوّلات جذرية كاسحة ، فيما نرى، أو هي كوميديا السياسة الدولية. .

القاهرة – 1/10/2025

عن جمال محمد ابراهيم

جمال محمد ابراهيم

شاهد أيضاً

يوم ذرفـتُ دموعَـاً على “الكهـرمان..”

أقرب إلى القلب:يوم ذرفـتُ دموعَـاً على “الكهـرمان..”السفير جمال محمد ابراهيمأجل أيتها العزيزة ، هي خمسون …