ساسة الهامش وحركاته بعد ثورة أكتوبر: الحنث بوعود كثيرة

 


 

 


أكثر علمنا بتاريخ الجنوب هو ما كتبه الجنوبيون عن خلافهم مع المركز في مثل كتاب أبل ألير "الحنث بعقود كثيرة". ولا يخلو هذا التاريخ من زيغ كثير ككل تاريخ يكتب بين ثائرات صراع مثل الذي كان. وأكثر كتابنا ترويجاً لهذه النسخة من التاريخ هو الدكتور سلمان محمد سلمان. والانزلاق فيه من الهجوم على المركز إلي الشمالي المندكورو سهل على القومي الجنوبي ومجز. فقل فينا النظر إلى حنث القوميين الجنوبيين بمواثيقهم مع الشمال المعارض وفي أقيم لحظات هذا المركز الآخر الثوري وهو يأخذ المركز الحاكم أخذاً وبيلا مما لا يحسنه الهامش شاك السلاح. 
وقفنا في الحلقة الماضية عند نذر انزلاق طائفة من الجنوبيين في خذلان ثورة أكتوبر بقبولهم الاشتراك في انتخابات ١٩٦٥ التي قررت لجنة الانتخابات أنها ستكون جزئية في الجنوب. فالحرب التي استثارتها حركة الأنانيا، ومؤتمر المائدة المستديرة منعقد لمناقشة مسألة الجنوب، جعلت التسجيل في بعض الدوائر فيه مستحيلاً. ولم يمنع ذلك حزب سانو بقيادة وليام دينق من عقد صفقة مع الوطني الاتحادي والأمة والإخوان المسلمين من وراء ظهر الثورة لينزل في انتخابات منقوصة في إقليمه طالما كانت المحاصصة مجزية. ونتابع:
لم تعدم الأحزاب التقليدية نصيراً من الهامش والجنوب بالذات في حملتها لإجراء الانتخابات كما نص ميثاق أكتوبر تامة أو ناقصة لا تتأخر يوماً. فبينما قاطع الانتخابات حزب الشعب الديمقراطي وحزب جبهة الجنوب (من قادته بونا ملوال محرر جريدة الفجلنت) لجزئيتها شارك في الانتخابات كل من سانو بقيادة وليم دنق (10 مقاعد) وكتلة جبال النوبة (10 مقاعد) ومؤتمر البجا (10 مقاعد) والأحرار الجنوبي (2) والوحدة الجنوبي (2). وقبل حزب سانو دخول تلك الانتخابات المعيبة بعد ضمان وزارتين مميزتين لأعضاء منه.
أما العاهة الكبرى لهذه الانتخابات التي أعطتها صيتاً سيئاً فهي ما عرف ب"نواب التزكية". وهي عاهة جعلت الديمقراطية مسخرة كما اعترف السيد الصادق المهدي بنفسه في قادم الأيام. فترشح أولئك النواب، وأغلبهم من التجار الشماليين في الجنوب (الجلابة)، في دوائر لم يتقرر إجراء الانتخابات فيها لانعدام التسجيل. ولما لم ينافسهم أحد فازوا بالتزكية. ولم تعتمد لجنة الانتخابات فوزهم فقاضوها. وأجازت المحكمة العليا وضعيتهم نواباً في الجمعية التأسيسية. ولا أعرف من عض بنان الندم على هذه التبرج السياسي مثل السيد الصادق المهدي في مقالة عن انتخابات 1965 على موقعه في النت. فقال إن نواب التزكية هم الخطأ السياسي الثاني في فترة الديمقراطية الثانية (1964-1969). وهذا نصه:
الخطأ الثاني: هو السكوت على مسألة نواب التزكية. وتفصيل ذلك أن الأحزاب السودانية عدا حزب الشعب الديمقراطي والحزب الشيوعي وجبهة الهيئات قد اتفقوا اتفاقاً واضحاً على تأجيل انتخابات المديريات الجنوبية عند إجراء الانتخابات العامة عام 1964م. ولكن القرار الرسمي الحكومي بتأجيل انتخابات المديريات الجنوبية جاء بعد وقت من شروع لجنة الانتخابات في إجراء الانتخابات مما مكن عدداً من المواطنين من ترشيح أنفسهم في واحد وعشرين دائرة في المديريات الجنوبية. وحسب إجراءات لجنة الانتخابات أُعلن فوزهم بالتزكية. هذا الفوز لم يكن معترفاً به سياسياً ولا قانونياً عندما جرى إعلانه. ولكن بعد الفراغ من الانتخابات العامة وتكوين الحكومة الائتلافية الأولى ساعد أحد الأحزاب السياسية الكبرى، وهو الحزب الوطني الاتحادي الذي كان مندوبه لشئون المديريات الجنوبية مسئولا عن أغلب الترشيحات التي تمت في دوائر التزكية، ساعد عددا من هؤلاء المواطنين على التقدم بقضايا نظرتها المحكمة. وبنت على مسائل الإجراءات الانتخابية قرارها بقانونية فوز هؤلاء المواطنين بالتزكية.
في هذه الواقعة في 1965 خلاف صريح واضح في المركز (ونقبل بالمفهوم ولو قصدوا به الجلابة جدلاً) بين أحزاب سياسية ليس صعباً نسبتها جميعاً للشماليين. وسيبقى على من يذيعون في الهامش ذائعة استبداد المركز الشمالي التاريخي أن يجيبوا على السؤال: لماذا اختار سلفهم من المركز مركزاً دون مركز؟ لماذا هذا الخيار والفقوس والبضاعة واحدة شايقية وجعليون ودناقلة كما جرت العبارة؟

IbrahimA@missouri.edu

 

آراء