سردية البرزخ- دراسة تحليلية لرواية الجديدة لعبد العزيز بركة ساكن

 


 

 

"سجين البرزخ"، الرواية التي تندرج ضمن مشروع سرديات المهجر لعبد العزيز بركة ساكن، تفتح نافذة على عوالم المنفى والهجرة. ، سأتبنى منهجًا نقديًا معاصرًا يستند إلى التفكيكية، مفككًا النصوص لرصد التوترات الداخلية بين معانيها الظاهرة والمبطنة، بالإضافة إلى استجلاء أثر نظرية الهوية السائلة لبومان لفهم البنية النفسية للشخصيات.
التحليل التفكيكي
العنوان كمدخل للتفكيك
"سجين البرزخ" يحمل دلالات معقدة؛ فكلمة "البرزخ" تشير إلى الفاصل بين عوالم متناقضة—الحياة والموت، الحاضر والماضي، الوطن والمنفى. هذا التناقض المتضمن يجعل النص يسير في حقل متوتر من الثنائيات. في الرواية، البرزخ ليس فقط مكانًا جغرافيًا بل أيضًا حالة ذهنية للشخصيات العالقة بين هويات متعددة.
مستوي اللغة كأداة للهدم وإعادة البناء , لغة بركة ساكن تنبض بتعدد المستويات—مستوى شعري ورمزي يبرز في وصف الشخصيات، ومستوى مباشر في الحوارات. لكن هذا التباين ليس مجرد صدفة بل هو تعبير عن التناقضات الداخلية للشخصيات. مثلًا، استخدامه لعبارات عن الحياة النووية في الصحراء يعكس تدمير الإنسان للبيئة في تناقض مع طموحه للبقاء.
تفكيك مفهوم الهوية والمنفى , الهوية في الرواية ليست ثابتة. الشخصيات تعيش حالة من "الهوية السائلة"، إذ تتغير بفعل الزمن والمكان. الشخصية الرئيسية، الرجل العجوز، تعكس صراعًا داخليًا بين هويته كجزء من وطنه الأصلي وهويته كمهاجر يعيش في أوروبا. هذا الصراع يجعل القارئ يشكك في مفهوم الانتماء نفسه، مما يفتح أسئلة حول معنى الوطن.
تحليل الهوية السائلة والمكان كبنية مرنة للهوية , الملجأ الذي بناه العجوز تحت الأرض يمثل تجسيدًا ماديًا للحالة النفسية للشخصيات. إنه مكان مغلق يعزلهم عن العالم ولكنه يمنحهم شعورًا زائفًا بالأمان.
المكان يتحول إلى رمز يعبر عن فقدان القدرة على الانتماء لأي مكان أو زمان.
المنفى كمحفز لتحولات الهوية
الرواية تُظهر المنفى كعامل يقوض الشعور بالذات. تجربة الشخصيات في المنافي تنعكس في رغبتها الدائمة في الانسلاخ عن الماضي والبحث عن معنى جديد للحياة، ولكن هذا المعنى يظل مراوغًا.
البعد الرمزي والفلسفي لكلمة البرزخ كحالة فلسفية
البرزخ في الرواية ليس مجرد مكان، بل حالة وجودية تجسد الفجوة بين الحياة كما هي وكما ينبغي أن تكون. بركة ساكن يستخدمه لاستكشاف قضايا الاغتراب، والتصالح مع الماضي، والخوف من المستقبل.
الثنائية بين الحياة والموت والرواية تربط مصير الشخصيات بالقرارات النووية في الصحراء الجزائرية، مما يثير تساؤلات عن المعنى الأخلاقي للعلم والتقدم في عالم يشهد دمارًا متزايدًا.
البعد السياسي والاجتماعي هنا تجد الطبقية والمقاومة , الرواية تعكس الطبقية الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع السوداني من خلال شخصيات تمثل النخب المثقفة وأخرى تعبر عن الطبقات المهمشة.
وهذا التباين يشكل نقدًا عميقًا للبنى الاجتماعية القمعية.
نقد القمع السياسي هنا بركة ساكن يعكس كيف تحول الأنظمة القمعية البشر إلى "سجناء" يعيشون بين الخوف والاغتراب. البرزخ يصبح استعارة شاملة لهذه الحالة من القمع المزدوج داخليًا وخارجيًا.
"سجين البرزخ" ليست مجرد رواية عن شخصيات في المنفى، بل هي نص متعدد الأبعاد يتناول قضايا فلسفية، اجتماعية، وسياسية، مستخدمًا السرد كأداة لكشف تناقضات الإنسان المعاصر.
أري تحليل الرواية من منظور تفكيكي ونظرية الهوية السائلة يتيح فهمًا أعمق لرحلة الشخصيات بين عالمين متناقضين—المنفى والوطن، الماضي والمستقبل.
بذلك، تتجاوز الرواية حدود السرد التقليدي لتصبح شهادة إنسانية على معاناة الإنسان في مواجهة عوالم متحولة وغير مستقرة.

zuhair.osman@aol.com

 

آراء