سودانيات في المهجر… أوضاع يندى لها الجبين! (5)

 


 

 

 

 

أي صـوت زار بالأمـس خيالـي
طـاف بالقلـب وغنـي للكمـال
وأذاع الطهـر فـي دنيـا الجمـال
وأشاع النور فـي جـوف الليالـي
إنه صوتـي إنـا زاده العلـم سنـا
أنـا مـن دنياكم أحلـى المنـا
"عبد الكريم الكابلي"
ظلت المرأة السودانية محل تقدير واحترام ومظنة حشمة ووقار، فهي الأم والأخت والزوجة، وهي المعلمة والطبيبة والحبيبة التي كانت مصدر إلهام لكثير من الشعراء؛ لأنها ببساطة ترمز للعفاف والطهر ونبل الأصل! وكانت الفتاة السودانية حتى عهد قريب حبيسة الخدور لا تخرج إلا لما هو ضروري ولازم، برفقة آمنة تضمن لها السلامة من كل ما يسئ إليها. وحتى بعد خروجها لدور العلم والثقافة والعمل، ظلت المرأة السودانية تلتزم بسمتها المحافظ، يلفها ذلك الثوب الناصع البياض. ومع تبدل الأحوال وتغير الظروف وجدت فتاة اليوم وأم الغد نفسها بحاجة للعمل خارج الدار، وفي بعض الأحيان أبعدتها الظروف عن ديارها وربما حملتها خارج حدود الوطن! وكل هذا التحول كان من نتائجه تعرض الفتاة السودانية لكثير من المخاطر بفعل ضعاف النفوس الذين يتاجرون بكل شيء حتى أعراض الناس! ونحن كمجتمع سوداني محافظ قد طرأت علينا تغيرات اجتماعية واقتصادية أدت إلى خلل واضح في مسألة الهجرة؛ خاصة للنساء.
وكما سبقت الإشارة فقد كانت هنالك قيود على هجرة المرأة أو عملها في وظائف وأعمال منزلية، ولكن نظراً لضغط الظروف المادية والمعيشية وتغيير الأنظمة حتى في دول المهجر، بدأت هجرة نسوية واسعة لبعض دول المهجر وصاحب ذلك مشكلات لم تكن في الحسبان. وفي ظل هذه الظروف، تعرضت النساء السودانيات الراغبات في العمل خارجياً لما يشبه الابتزاز في التعاقدات مما يجبر هؤلاء النسوة على الرضوخ والانكسار. ومن الواضح أن مكاتب الاستقدام في السودان فيها فساد كبير مع غياب تام لمكاتب العمل وسلطات الهجرة أو ثمة تواطؤ من جانبها مقابل جعل من المال، حسبما تشير إلى ذلك إفادات بعض من تعرضن لظروف قاسية بعد خروجهن من السودان.
ونناشد أمين عام جهاز تنظيم شؤون العالمين بالخارج بتشكيل لجنة تضم في عضويتها وزارات الداخلية والخارجية والإصلاح الإداري والعمل لمناقشة وتقنين تعاقدات النساء السودانيات بحيث يكون العقد بشروط واضحة من كافة الجوانب. ويمكن الاستفادة من تجربة الدول الأخرى مثل الفلبين في التعامل مع التعاقد مع دول الخليج واضعين في الاعتبار التحولات في المهجر، والافرازات الاجتماعية والأخلاقية والسلوكية التي نتجت عن هجرة بعض السودانيات! ولذلك نحن بحاجة لمراجعة شروط التعاقد في ظروف دول المهجر؛ خاصة في المملكة العربية السعودية التي اتخذت خطوات جريئة لتحسين علاقات العمل بحيث تكون الدولة هي الكافلة لكل من يريد العمل في أراضيها. وهذه خطوة متقدمة تحتم علينا نحن في السودان اتخاذ خطوات من أجل مكافحة الفساد الذي استشرى في مكاتب التوظيف في الخرطوم.
ولا بد من الإشادة بما تبذله سفارة السودان بالرياض من جهود فهي لديها مندوب متفرغ لمتابعة مشكلات العمالة السودانية النسائية وما تتعرض له من ضغوط في كثير من الأحيان، فهنالك اختلاف بين الوعود المبذولة في العقد وواقع العمل في المهجر. ومع أن متابعة هذه المشكلات ومعالجتها تضيف أعباءً على كاهل البعثات الدبلوماسية السودانية في الخارج، فإن إحدى الطرق الناجعة للحل هي أن تكون العمالة النسائية تحت الإشراف المباشر للسفارات وذلك بتسجيل القادمات للعمل في القسم القنصلي مباشرة بعد وصولهن إلى دول المهجر مع تقديم نسخة من العقد الأصلي وتفاصيل الاتصال وعنوان العمل وكل ما يلزم للتواصل معهن. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن سفارة السودان بالرياض قد بعثت بخطابات إلى وزارة الخارجية ومكتب العمل لمناقشة سفر السودانيات بعدما وصلتها كثير من الشكاوى! ومن الواضح أن العلاقة التعاقدية مع الفتيات غير سليمة، بل تنطوي على خداع وغش واستغلال بشع لحاجة المرأة السودان.
هنالك ما يشبه الاتجار بالبشر عبر تعاقد غير قانوني، ولذلك يلزم توفر ضوابط قانونية صارمة؛ لأن هذا السلوك ينذر بمحاذير قد تهدر كرامة المرأة السودانية. وهذا الملف يعني جهات كثيرة منها الأسرة والمجتمع والدولة والدول المستضيفة للعمالة النسوية التي يخدعها بريق الاغتراب ومن ثم تدفع ثمناً باهظاً يتعدى إلى الأخلاق والشرف.
ولتلافي الأمر ينبغي تضافر جهود عدة جهات من بينها أجهزة الإعلام التي يجب عليها التنبيه إلى ما يكتنف هجرة النساء من محاذير ومشكلات كثيرة، وذلك لأن أجهزة الإعلام والصحافة ووسائط التواصل الاجتماعي تساهم بقدر كبير في تشكيل الرأي العام وتبصير الناس بحقوقهم وواجباتهم؛ خاصة فيما يتعلق بأنظمة العمل في السودان ودول المهجر بحيث لا تتعرض الفتيات لمثل المواقف التي أدت إلى كتابة هذه الحلقات. والمناشدة موجهة أيضاً لمنظمات المجتمع المدني والكيانات النسوية خصوصاً حتى تكون عقود العاملات بالخارج سليمة ومحصنة قانونياً بحيث تحول دون أي غش أو خداع أو تحايل وحتى لا تتعرض النساء لأي شكل من الابتزاز والغرر وهو جهالة ما تؤول إليه عاقبة العقد.

tijani@hejailanlaw.com

//////////////////

 

آراء